يكاد يتردد من حين إلى آخر، فيما يبدو للبعض، أن هناك خلافاً في تفسير آية أو نصٍ في أي من الكتب السماوية بين عالم في الدراسات العلمية وآخر في الدراسات الدينية!.. ولعل في بعض ما أثاره الأديب والمفكر الراحل د. مصطفى محمود وما رد فيه عليه الكاتب والمفكر الإسلامي خالد محمد خالد على صفحات إحدى الجرائد ولم يشأ د. مصطفى محمود أن يعقب عليه في نفس الجريدة، والمعروف عن الراحل مصطفى محمود أنه كان يكتب خواطره وما يراه أو يرتئيه علمياً، ولا يرد - ولا أقول لا يحفل! - أبداً على من يخالف رأيه في أي مجال، ولكنه هنا رد على الأستاذ خالد محمد خالد في خطاب أرسله إليه تحت عنوان معك في نفس الخندق يا أستاذ خالد، وهو ما نشره الكاتب الإسلامي الراحل خالد محمد خالد شاكراً وموضحاً امتناع مصطفى محمود عن الرد في أي جريدة وهو أحد فرسانها!.. إيمان المؤمن لا يزايد عليه أحد.. ومقالي عما جاء في محكم التنزيل عما في الأرحام وعن تفسير دار بين عالم وآخر.. بداية يجب أن توضع ضوابط في المناقشات الدينية المسجلة وخاصة في التليفزيون أو الإذاعة لاتساع الرقعة التي تبث لها وفيها، يتصدرها كل ما يتعلق بتفسير القضايا العلمية التي وردت في كتب الأديان السماوية وفي مقدمتها القرآن الكريم لأنه الكتاب السماوي الأوحد الذي عرض لقضايا علمية كثيرة ضمناً وصراحة.. نصاً ودلالة يكفي ما بها وما فيها لأي إنسان - إذا كان منصفاً لنفسه قبل غيره - قرأها لا قرأ عنها أن يخضع ويسلم روحاً وجسداً لله رب العالمين.. لقد دار بعض من الحوار حول - ما في الأرحام من الآية الكريمة «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير».. والمعنى في تعبير ما في الأرحام شديد الدقة كثير الأبعاد.. منها ما يختص بالمكان - موضع النطفة ظاهرها وباطنها - وبالزمان وبالبقاء وبالمآل والسبيل الذي سيسلك - يقول تبارك وتعالى «إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً - وأيضاً مسار الحيوان المنوي قبل وأثناء وبعد ولوجه البويضة ومدى استمرار أو توقف الإمداد للبويضة بعناصر البقاء وما فيها من عوامل الهدم والبناء.. بل وما قد يكون في الأرحام ذاتها من شر أو خير.. استقامة أو تشوه.. ما في الأرحام غير من في الأرحام ولا تقتصر المعرفة على النوع كذكر أو أنثى أو على العدد الذي قد يكون أكثر من توأم.. كما أن معنى يعلم غير معني يعرف فليس المقصود معرفة بداية وإنما علم يقين بداية ونهاية وما بينهما. يقول جل شأنه «هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم».. وبالتالي لا يمكن معرفة كل الأبعاد ككل مطلق يقيني بوسائل العلم لأنها مرتبطة بمتغيرات الحياة والموت التي لا يعلمها إلا علام الغيوب.. القضية الأخرى هي أنه لا تعارض إطلاقاً بين العلم والدين لسبب بسيط جوهري هو أن العلم مخلوق وليس بخالق.. وهو كسائر مخلوقات الله سخرها لمن استخلفه في الأرض وحثنا جلت قدرته على تدبرها وتفهمها.. يقول جل جلاله «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد» وما حدث ويحدث من خلاف فهو بين العلماء والخطأ منهم وفيهم وليس من العلم الذي هو من خلق الله - خلقه منذ الأزل - فالعلم مثلاً لم يقل إن الذرة أصغر جزء من أو في المادة وأنها لا تنقسم أو أن المواد أربع هي الماء والهواء والنار واليابسة.. الذين قالوا هم العلماء باجتهاد في تفسير وتدبر الكون وما يحويه من مادة وظاهرها في حدود العصر الذي يعيشون فيه!.. ومع ذلك لن يكتمل ما لديهم من علم لبديهية أولية وهي بقاء سنة التطور كما أرادها شديد القوى إلى أن يحق عليهم قوله عز وجل إذا ظنوا أنهم قادرون عليها.. أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس.. وفي حدود ما أعرف فإنه لا يوجد من العلماء في العلوم التكنولوجية أو الطبية أو الفيزيائية أو غيرها من يحاول تطويع ما جاء بالقرآن الكريم على ما جاء بالعلم أو ما يظن بأنه العلم!.. مثل هذه الترهات لا تجوز إلا على أهل الهوى والغرض!؟ والقرآن الكريم حاكم وما عداه محكوم.. وأخيراً وليس آخراً الإسلام يقرر أنه لا عصمة لرجال الدين حتى لا تعلق أخطاؤهم بالدين نفسه.. وأختتم مقالي بالآية الكريمة: «عَلَّم الإنَّسان ما لَم يَعْلَم، كلاَّ إن الإنسَان لَيطْغَى...» صدق الله العظيم.