مازال الدين المحلي العقبة الأكبر أمام أي حكومة انتقالية جاءت منذ ثورة يناير حتي الآن، حتي القطاع الخاص يعتبر الدين المحلي الغريم والمنافس الأول له في الحصول على الائتمان من البنوك، خاصة بعدما أصبحت البنوك أكبر أداة في سوق أدوات الدين المحلي في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، في ظل توسع الحكومات المتتالية الانتقالية في الاقتراض المحلي، من خلال طرح أذون للخزانة والسندات بعائد وصل إلى 16% في بعض الأحيان إلا أنه بدأ في التراجع مؤخراً إلى نحو 12% في المتوسط. الأرقام تقول إن إجمالي الدين العام المحلى، بلغ فى ديسمبر الماضي ، نحو 1.488 تريليون جنيه (215 مليار دولار)، مقارنة بنحو 1.458 تريليون جنيه، فى سبتمبر، بنسبة زيادة مقدارها 2.05%، وقد بلغت نسبته 72.6% من الناتج الاجمالي المحلى. وطبقا لأحدث إحصائيات البنك المركزي فقد أصدرت الحكومة السابقة أذون وسندات خزانة خلال الفترة من يوليو 2013، حتى ديسمبر الماضى بقيمة 872.3 مليار جنيه. ، وكان للبنوك النصيب الأكبر في شراء هذه الأذون والتي فقدت نحو 4% تقريباً من عوائدها بعد 30 يونيو الماضي، إثر تدفق مساعدات خليجية على مصر من قبل السعودية والإمارات والكويت بقيمة 15.9 مليارات دولار، وبات من المتوقع انخفاض ربحية معظم البنوك العاملة في السوق المصرية خلال العام الجاري. وقد كان نتيجة ذلك تراجع كبير من البنوك في إقراض القطاع الخاص والذي دفع ثمنا باهظا من أرباحه منذ ثورة 25 يناير وحتي الآن، وباتت شكوته الدائمة وأزمته المتكررة عدم حصوله علي قروض ميسرة من البنوك لدعم مشاريعه وإنتاجيته، التي تراجعت بشكل كبير، وتوقف العشرات منها ،وبات غالبيتها مهددا بالتوقف لعدم وجود السيولة اللازمة لإعادة تدوير عجلة الإنتاج. الخبراء أجمعوا علي أن البنوك ستسعى خلال العام الجاري إلى استعادة نشاطها في منح الائتمان، خاصة للقطاع الخاص بعد تحسن التصنيف الائتماني لمصر، وانخفاض العائد على الاستثمار في أدوات الدين الحكومي، حيث إن انخفاض العائد على الإقراض سيدفع المؤسسات والشركات للحصول على تمويلات بنكية لتنفيذ توسعاتها في السوق المحلية، وستتجه البنوك للتوسع نسبياً في قبول العملاء، سواء من الأفراد أو الشركات. محمد بدرة الخبير المصرفي أكد أن الفترة الماضية شهدت عملية مزاحمة من الحكومة للقطاع الخاص في الحصول على التمويل من البنوك ، لاعتمادها على أذون الخزانة كأداة تمويلية لسد العجز في الموازنة، مشيرين إلى أن نسبة القروض للودائع تبلغ حاليا نحو 45%. وكان لهذه السياسة تأثيرات سلبية، حيث زادت احتمالات تعرض المستثمرين ورجال الأعمال للتعثر، وهو ما يحول دون التوسع في الأنشطة الاستثمارية، والتأثير سلبا على القدرات الإنتاجية والتصديرية. وأضاف قائلا: توسع البنوك الفترة الماضية في التمويل الحكومي أثر حتي على مؤشرات التوظيف، فضلا عن زيادة نصيب صافي مطلوبات الحكومة من الائتمان المحلي، على حساب نصيب القطاع الخاص، وخفض التمويل له. وألمح إلي أن الاقتصاد حاليا يواجه عدة تحديات أبرزها زيادة عجز الموازنة العامة الذي بلغ خلال الفترة «يوليو – يناير» من العام المالي 2013/2014 نحو 119.597 مليار جنيه، مقابل 119.825 مليار خلال الفترة المماثلة من العام السابق. وقد بلغ عجز الموازنة العامة 11% من الناتج المحلي الإجمالي، بواقع 170 مليار جنيه خلال 2011/ 2012، مقابل 134 مليارا في 2010/2011. وأكد أن تمويل البنوك لعجز الموازنة العامة ليس ناجما عن ضغوط حكومية، بل علي العكس كانت قرارات اختيارية للقطاع المصرفي، ولفت إلى ما أسماه التراجع الكبير في الطلب على الائتمان من جانب الشركات والمصانع (القطاع الخاص)، والتي قررت تأجيل مشاريعها في انتظار الوقت المناسب لحين تحسن الظروف السياسية بالبلاد، مؤكدا علي أن تحسن المؤشرات الاقتصادية مرهون بحالة الاستقرار السياسي وعودة الاستقرار الأمني، وهو ما سيكون مردوده تدفق الاستثمارات الأجنبية وعودة مشروعات ومصانع القطاع الخاص وبالتالي تحسن حالة الاقتصاد. وأضاف أن أذون الخزانة المصدرة قفزت في بداية 2012 إلى 375 مليار جنيه لسد عجز الموازنة، حيث تستحوذ البنوك على نحو 70% منها، وبلغ رصيد الدين العام المحلي في نهاية يونيو 2012، نحو 1238 مليار جنيه، بما نسبته 80.3 % من الناتج المحلي الإجمالي. ووصف «بدرة» تمويل البنوك لعجز الموازنة بأنه تمويل مؤقت لفترة محدودة، لحين إعادة هيكلة النظام الاقتصادي وإيجاد وسائل أخري للدعم وتدفق الإيرادات، ومن غير ذلك لن يتم حل أزمة العجز، منتقدا في نفس الوقت تراجع الطلب على القروض حاليا، ما أدى إلى انخفاض نسبة القروض إلى الودائع. وقال إن الإجراءات والمبادرات التي أطلقها البنك المركزي مؤخرا ساهمت في ضبط السوق، حسب قوله، وتحديد الأولويات في التعامل مع النقد الأجنبي. وشهد نصيب القطاع الخاص من إجمالي الائتمان المحلي ليصل إلى 29% نهاية ديسمبر 2012، مقابل 42% آخر يونيو 2010 . الخبير المصرفي أيمن حجازي قال: إن الدين المحلي يرتبط ارتباطا وثيقا بحركة الاقتصاد ووضعه القائم، والوضع الاقتصادي مرتبط بالاستقرار سواء السياسي أو الأمني، فعدم الاستقرار يؤدي لحالة من الركود الذي يؤدي وقلة الناتج القومي، مما يضطر الحكومة للاقتراض من البنوك لتغطية عجز الموازنة والفارق في الدين المحلي. وأضاف ان الشركات تعجز عن الاقتراض من البنوك بسبب انخفاض القدرة الشرائية، والبنوك لديها سيولة مالية وفوائض نقدية كبيرة، وتكون الحاجة لتوظيفها ملحة لأن هذه السيولة هي عبارة عن ودائع للعملاء يجب توظيفها لتوفير موارد للفوائد النقدية علي الودائع، وبالتالي يكون توظيفها من خلال طريقتين، أولا عن طريق تمويل مشاريع القطاع الخاص، وثانيا عن طريق شراء أذون الخزانة التي تطرحها الدولة. ومع تراجع المخاطر الائتمانية نسبياً، ستكون الفرصة أكبر للبنوك للتوسع في عمليات التمويل بجانب الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، التي انخفض العائد عليها بشكل ملحوظ بعد 30 يونيو. وأردف شكلت أدوات الدين الحكومية النسبة الأكبر، في أرباح البنوك خلال الأعوام الثلاثة الماضية بمصر نتيجة الارتفاعات القياسية في أسعار العائد، وسجلت الفائدة على أذون الخزانة أعلى ارتفاع لها نهاية ديسمبر 2011، حيث بلغ العائد على أحد الإصدارات 16%، كما زاد توظيف أموال البنوك في الأوراق المالية الحكومية لتصل إلى 680.1 مليار جنيه نهاية سبتمبر الماضي، مقابل 441.179 مليار جنيه بنهاية عام 2010. و أكد «حجازي» أن البنوك ستستعيد نشاطها الطبيعي في منح الائتمان، بعد استقرار البلاد سياسيا وأمنيا بعد استكمال باقي الاستحقاقات السياسية من انتخابات رئاسية وبرلمانية، وأضاف أنه كلما حدث استقرار سياسي وأمني ستعود معدلات توظيف أموال البنوك في الأوراق الحكومية إلى طبيعتها السابقة إلى ما كانت عليه قبل ثورة يناير، وستبحث البنوك عن آليات أخرى لزيادة تدفقاتها النقدية، مثل تدشين شركات ومشروعات جديدة.