لم يكن خبر استشهاد الصحفية الشاب ذات الثلاثة والعشرين ربيعاً حدثاً عادياً، بل كان ولا يزال لحظة كاشفة فى تاريخ مهنة البحث عن المتاعب كما علمونا وعلموها فى محراب كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وإذا كان هذا الدم الطاهر ينضم الى قافلة شهداء المهنة والثورة من أمثال أحمد محمود أو الحسينى أبوضيف، إلا أن انضمام فتاة صغيرة حملت أحلامها وأحلام جيلها على كتفها كشفت بوضوح ما نعاني منه من قبح وسوء فى مهنة الصحافة، وأخص صحافة الحكومة المملوكة للمجلس الأعلى النائم فى عسل لحظة الصدفة العمياء التى فرضته علينا. وأشكر لروح الشهيدة الشابة ان أعادت لى بعض الأمل فى شباب المهنة، وكنت أعتقد وما زلت ان من أتت بهم صحافة «الملوخية» وكرتونة بلح مبارك عاجزون عن تطوير آليات مستقبل هذه الصحافة إلا من رحم ربى، إلا أننى افقت عصر الجمعة الماضية على خبر سقوط هذه البرعمة والنبتة الطيبة برصاص أهل الغدر والخيانة والإرهاب، وكانت صورة شباب صحافة «طشت الملوخية» تطل برأسها امام عينى وهم يندسون وسط مظاهرات واحتجاجات العاملين فى المؤسسات القومية ليصوروهم ويقدموا صورهم قرابين الولاء لمن عيونهم أو أتوا بهم من خارج مؤسساتهم، ولكن ميادة اشرف كانت فى موقع مختلف، كانت تمارس المهنة على أصولها كما تعلمت على أيادى تلاميذ العمالقة جلال الحمامصى وإبراهيم امام، وحملت قلمها وهواتفها المحمولة ونزلت الى قلب مظاهرات الجماعة الإرهابية لتنقل لقارئ صحيفتها وموقعها الإلكترونى الحقيقة من موقع الحدث، وتركت خلفها أبناء المهنة الآخرين يلهثون وراء جلب الإعلانات أو نقل الأخبار التى تبثها المواقع الإخبارية من أمثال الشهيدة ميادة. انه العار المهنى الذى يلتصق بهذا المجلس الأعلى لصحافتنا، والذى أصبحت خلافات أعضائه على كل لسان ابتداء من حزب الجنينة لو تتذكرون فى نقابتنا القديمة الى شارع الصحافة، ولقد امتد عجز المجلس الموقر الى الفشل فى ضبط معايير العمل المهنى داخل الصحف، وتحولت صحفنا الى دور اجتماعية لتعيين المحاسيب وأبناء العاملين وأيضاً أبناء العاملين فى المجلس بلا معايير مهنية خالصة لوجه الله والمهنة، والأنكى ان مجلسنا الموقر فشل حتى الآن فى دفع مستحقات أبناء المهنة من مكافآت نهاية الخدمة او ما شابه0 كل هذا الهوان كشفته او فضحته رصاصات الغدر التى قضت على عمر هذه الصحفية الشابة، وربما تحمى الصحفيين الأقنعة الواقية من الرصاص أو حتى وثائق التأمين على الحياة وفق جهود واجتهادات نقيب الصحفيين، ولكن أصول المهنة من يحميها ويعلمها لشباب المهنة، وهذا الفساد المهنى الذى غرسه أيضاً جيل من الفسدة من رؤساء تحرير مبارك، أو من المتراخين ممن عينهم مجلس إخوان مرسى السابق، فعلاً إنها لحظة إفاقة لمجلسنا الأعلى للصحافة ورؤساء تحرير صحفنا القومية فى حاجة لها، وإذا لم تتعلموا من درس الشهيدة ميادة، فأريحونا وارحلوا جميعاً، ولا استثنى منكم أحداً. ورحم الله الشهيدة وأسكنها فسيح جناته ورحم الله المهنة وأسكنها خزائن الإعلانات.