امتلأت ساحات الشوارع المحيطة بمسجد السيدة زينب أمس خلال الاحتفال بالمولد الزينبي بسرداقات الإنشاد الصوفي والديني والشعبي، والتي تراقص الشباب فيها بالسيوف والمطاوي في شكل جديد للاحتفال بهذه الذكرى، حيث خرج أكثر من 100 ألف مواطن من مختلف الطرق الصوفية والتيارات الشعبية لمشاهدة أول احتفال بمولد "أم الأحزان"، بعد أحداث ثورة 25 يناير وحبس فلول النظام السابق. بدأ الاحتفال بالليلة الختامية لمولد السيدة زينب في الصباح الباكر من أمس الثلاثاء وانتهى مع مطلع شروق شمس الأربعاء، حيث خرجت النساء والأطفال والشيوخ لمشاهدة المولد والرقص على نغمات "سيتي المشيرة بحبها"، ومنهم من خرج لينال ما لذ وطاب من الفول النابت واللحمة التي غابت عن أحلام كثير من الفقراء. أحزاب وفقراء ولم يترك كثير من التيارات السياسية أو الأحزاب الجديدة هذه الفرصة تمر دون استغلالها في نشر مبادئ أحزابهم وسط جموع الغلابة، وجمع التوقيعات التي وقع عليها عديد من الفقراء دون النظر لفحواها، بسبب انشغاله بما ظفر به أمام هذا التوقيع بالظفر برغيف نابت أو رغيف لحمة اشتاق إليه كثيراً. وقام حزب المصريين الأحرار الذي أسسه رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس باستغلال بعض جنبات الشوارع في السيدة للترويج لحزبه الجديد عن طريق نصب مجموعة من "المراجيح ولعب الأطفال" مجاناً لأطفال السيدة فضلاً عن توزيع الطعام والأرز باللبن للظفر بتوقيعات بعض المواطنين. ولم ينس حزب ساويرس الشباب حيث دشن لهم ساوندات الصوت والدجي لينالوا قسطاً من الرقص الشعبي الذي يحبونه ليفكوا عن أجسادهم عناء البطالة التي نفخت أوداجهم. وعلى الجانب الآخر، انتشرت أعداد من قيادات الشيعة تروج لمذهبها من خلال المنصة التي دشنت أمام المسجد الزينبي، حيث قام الزعيم الشيعي محمد الدريني بالتنسيق مع مجموعات من قوى ال البيت بالترويح للمذهب الشيعي حيث ناصبوا الفكر الوهابي العداء وقاموا بتعليق لافتات وصور ضد العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وأكد الشيعة أنهم أصبحوا الآن كثرة بعد سقوط النظام السابق، موضحين أنهم سيكثفون جهودهم في الفترة المقبلة لنشر المذهب الشيعي وتدريس فقه آل البيت، زاعمين أنهم أصبحوا الآن في مصر أكثر من مليون شخص، كما طالبوا باستعادة العلاقات مع إيران والسماح بدخول الاستثمارات الإيرانية وعدم الانصياع للتدخلات الخارجية التي تقف حائلاً أمام هذه العلاقات. فشل مليونية الصوفية من ناحية أخرى فشلت في ميدان السيدة زينب مليونية جبهة الإصلاح الصوفي التي دعوا إليها ضد شيخ مشايخ الطرق الصوفية، حيث لم يحضر في هذه المليونية سوى 15 شخصاً فقط، حيث علل الشيخ عبد الخالق الشبراوي شيخ الطريقة الشبراوية فشل هذه المليونية بسبب عدم الإعداد لها بطريقة جيدة، فيما أرجع الزعيم الشيعي محمد الدريني المتضامن مع الجبهة فشل هذه المليونية للضغوط الأمنية التي تعرض لها أصحابها. ولم يعرف عن هذه المليونية من اتباع الطرق الصوفية البسطاء أحد خاصة وأنهم كانوا في عالم آخر بسبب انشغالهم بالتمايل مع نغمات المنشدين الذين سبحوا بهم في فضاء "المشيرة العظيمة"، السيدة زينب، فضلاً عن غناء بعض الفتيات الصغيرات ببعض الأناشيد الدينية التي نالت إعجاب المشاهدين الذين التفوا حولهم بالآلاف. وعظ وغناء ولم تخل سرادقات الوعظ الديني من المولد، حيث نظمت الطريقة البرهامية حلقة لذكر محاسن آل البيت وكيفية الاقتداء بهم فضلاً عن التمسك بالقيم الصوفية الحقيقية من الورع والتقوى والزهد وحسن العمل، وقد أيد الجالسون في السرادق بيعتهم لإامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية، الدكتور علي جمعة، الذي وصفوه بالمجدد ونقيب الأشراف، كما دعوا الله في حلقة ذكرهم بأن يعيد لمصر أمنها وأمانها وسائر بلاد المسلمين. وعلى عكس ذلك، انتشر عدد من الشباب الذين استغلوا حالة الفوضى والغياب الأمني لمعاكسة الفتيات والتحرش ببعضهن، فضلاً عن مضايقة محبي السيدة زينب من أهل القرى والأرياف البسطاء بخطف أغطية رؤوسهم عن طريق "دبوس" صغير معلق في خيط من إحدى شرف العمارات، ما أدى إلى حدوث اشتباكات كثيرة نتيجة لهذه الممارسات. فضلاً عن تدافع الآلاف في مسجد السيدة زينب وحدوث أكثر من حالة اختناق داخل المسجد بسبب التزاحم على زيارة ضريح السيدة زينب الذي اكتظ بالمحبين، حيث توجه العديد بالدعاء والنحيب والبكاء أن يفك الله كروبهم ويفرج همومهم. واعتبر الشيخ علاء أبو العزايم أن فرحته في الاحتفال بمولد السيدة زينب فرحتين إحداهما للعقاب الالهي الذي حل على أذناب النظام السابق حينما قاموا بالغاء مولد السيدة زينب العام قبل الماضي بسبب إنفلونزا الخنازير والطيور وفرحته بالاحتفال بالمولد الزينبي، كما دعا أتباع الشيخ أبو العزايم المواطنين للانضمام في حزب المصريين الأحرار الذي أسسه. في حين غاب عن احتفالات المولد شيخ مشايخ الطرق الصوفية عبد الهادى القصبى، ليحتل مكانة جبهة الإصلاح الصوفى المناوئة له . النساء يدخنون الشيشة ولم تغب النساء عن مشهد الاحتفال بالمولد، حيث اكتظت المقاهي الشعبية بهن في محاولة لاستغلال الفرصة في تدخين الشيشة، فيما فضلت بعضهن الانضمام للسرادقات التي امتلأت بالإنشاد ليتمايلن على نغماته. أما الباعة الجائلون فقد فرضوا إتاوتهم على راكني السيارات بمنعهم من وضع السيارة إلا بعد "دفع المعلوم". كما فرضوا سيطرتهم على مساحة كبيرة من الشوارع المحيطة بالمسجد واستغلوها في فرش بضاعتهم من الملابس والحلويات ولعب الاطفال. والسيدة زينب هي بنت الإمام علي بن أبي طالب، أمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وسلم). ولدت بالمدينة المنوّرة في الخامس من جمادى الأوّل عام 5 ه. ولمّا ولدت جاءت بها أمّها الزهراء إلى أبيها أمير المؤمنين، وقالت: "سمّ هذه المولودة". أم المصائب فقال: "ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)". وكان في سفر له، ولمّا جاء وسأله عن اسمها. فقال: "ما كنت لأسبق ربّي تعالى"؛ فهبط جبريل (عليه السلام) يقرأ السلام من الله الجليل، وقال له: "سمّ هذه المولودة: زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم". ثمّ أخبره بما يجري عليها من المصائب، فبكى (صلى الله عليه وسلم)، وقال: "من بكى على مصائب هذه البنت، كان كمن بكى على أخويها: الحسن والحسين". وكانت السيدة زينب رضي الله عنها عالمة غير معَلّمة، وفاهمة غير مفهمة، وعاقلة لبيبة، وجزلة، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمّها الزهراء. واتّصفت عقيلة بني هاشم بمحاسن كثيرة، وأوصاف جليلة، وخصال حميدة، وشيم سعيدة، ومفاخر بارزة، وفضائل طاهرة. وقد حدّثت عن أمّها الزهراء، وكذلك عن أسماء بنت عميس، كما روى عنها محمّد بن عمرو، وعطاء بن السائب، وفاطمة النبوية بنت الإمام الحسين، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعَبَّاد العامري. وعُرفت السيدة زينب بكثرة التهجّد، شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأهل البيت. سُمّيت السيدة زينب بأم المصائب، وحق لها أن تسمّى بذلك، فقد شاهدت مصيبة وفاة جدّها النبي (صلى الله عليه وسلم)، وشهادة أمّها الزهراء، وشهادة أبيها أمير المؤمنين، وشهادة أخيها الحسن، وأخيراً شهادة أخيها الحسين.