أخيراً وبعد طول عناء صدر يوم 8/3 المرسوم بالقانون رقم 22 لسنة 2014 بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية, وهو القانون الذي تكمن أهميته الكبرى في أنه يشكل حجر الأساس لإنجاز الاستحقاق الثاني من استحقاقات ثورة يونيو 2013, الذي ينتظره كل المصريين, بل ويرقبه العالم أجمع. ولقد أثار القانون فور إعلانه, جدلاً واسعا وتبايناً في الآراء بين المتخصصين في القانون بمختلف مواقعهم, وهذا شيء مقبول ومحمود, ولكن المستغرب والمثير للدهشة أن تنزلق بعض أجهزة الإعلام بهذا الجدل والنقاش إلى دائرة عوام الناس ولمن لا يملكون مقومات وأدوات الحديث فيه, وهو ما يؤدي إلى إشاعة البلبلة والاضطراب الذهني بين المواطنين, ويتيح الفرصة لأصحاب المصالح السياسية لدفع الرأي العام بغير حق فى هذا الاتجاه أو ذاك, وهو شيء غير مقبول وغير محمود. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجدل والنقاش العام في الأمور الفنية بصفة عامة, وفي المسائل القانونية بصفة خاصة, يجب أن يكون بحرص شديد وتمحيص دقيق, وأن يكون مقصورا على أهل العلم والخبرة فقط وأن تلتزم أجهزة الإعلام بتلك الضوابط ويكون تناولها لمثل تلك الموضوعات, بناءً على إعداد جيد ومحدد ووفقاً لمنهج علمى صحيح, يحقق الرسالة الإعلامية الوطنية المأمولة. لقد كانت المادة السابعة من القانون, محلاً لكثير من الجدل والنقاش الذي جرى حول القانون, وهي المادة التي نصت على نهائية قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وعدم جواز الطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة, وهو ما يُطلق عليه «تحصين قرارات اللجنة». ويهمني بادئ ذي بدء, أن أشير إلى أن أحد أسباب حالة الانفعال والعصبية التي انتابت البعض عند مناقشة تلك المادة, كان شيوع فرضيةٍ خاطئة لدى الكثيرين، بأن التحصين في حد ذاته لبعض الأعمال القانونية, شيء مستحدث بل خطيئة كبرى ورجس من عمل الشيطان يجب الابتعاد عنه, في حين أن صحيح القانون والواقع عكس ذلك تماما, فاسباغ رقابة القضاء على القرارات الإدارية أو حجبها, إنما يكون - حسب المستقر فقهاً وقانونا - لتحقيق المصلحة العليا للدولة وضمان حقوق المواطنين, وبالتالي فإن تحصين بعض القرارات ليس بدعة وليس عيباً, فهناك مثلا القرارات السيادية التي تخرج عن نطاق ولاية القضاء, كما أن أي قرار إدارى إذا انقضت فترة الطعن عليه, تحصّن وصار غير قابل للطعن عليه مهما كانت أوجه العوار فيه, وهناك أيضاً القرارات التنظيمية القضائية التي لا يجوز الطعن عليها مثل قرارات الإحالة والتأجيل والاستدعاء وانتداب الخبراء وما شابه ذلك, وكلها قرارات تتعلق بحقوق المواطنين, ومع ذلك لا يجوز لصاحب الشأن الطعن فيها أو الاعتراض عليها إلا أمام الجهة التي أصدرتها فقط. نعود إلى المادة السابعة محل الجدل, ولتوضيح الصورة ببساطة للقارئ الكريم, وفي ضوء ما ذكره المستشار الدستوري للسيد رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي, يمكن طرح الآتي: (1) أعدت رئاسة الجمهورية مشروع قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية, بعد استطلاع آراء القوى والاتجاهات السياسية والقانونية المختلفة, وضمّنت المشروع نصا بالمادة السابعة يجيز لذي الشأن الطعن في قرارات اللجنة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية ونتائجها, خلال مدة لا تجاوز أسبوعاً من تاريخ إخطاره بها, على أن تختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في هذه الطعون بحكم نهائى خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن. (2) إعمالا للمادة رقم 190 من الدستور القائم, التي تحدد اختصاصات مجلس الدولة, ومن بينها مراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية, قامت رئاسة الجمهورية بإرسال مشروع القانون لمجلس الدولة, حيث تولى قسم التشريع مراجعة المشروع, وانتهى إلى الإبقاء على ذلك النص مع بعض التعديلات البسيطة, وذلك لما رآه المجلس من أن مثل تلك القرارات تخضع لرقابة القضاء بحسب نص المادة رقم 97 من الدستور التي تحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء. (3) عند هذا الحد كان يمكن أن ينتهي الأمر, ولكن ما أثار اللغط هو إرسال مشروع القانون إلى المحكمة الدستورية, وهو إجراءٌ أراهُ غيرَ مستساغ ولا مبرر قانوني له, والرئاسة كانت في حل منه, حيث كان يجوزُ لرئيس الجمهورية - بصفته التشريعية - مخالفة رأي مجلس الدولة - لكونه رأياً إستشارياً غيرَ ملزم له - وإصدار القانون وفقا لذات السند الدستوري الذي أشارت إليه المحكمة الدستورية, ودون الحاجة لاستطلاع رأيها. (4) وبعيداً عن حالة الاضطراب والظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد, وكانت تحتم تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية, فإن نص المادة السابعة بالتحصين المشار إليه, جاء استنادا إلى الدستور في مادته رقم 228, وأرى أنه استناد صحيح, فهي مادة انتقالية, وقد تضمنت تولي لجنة الانتخابات الرئاسية القائمة في تاريخ العمل بالدستور, مسئولية الإشراف على أول انتخابات رئاسية تالية للعمل به. ومفهوم هذه المادة شيئان, الأول أن تلك اللجنة تباشر مسئوليتها بصفة استثنائية ولمرة واحدة في عملية الانتخابات الرئاسية التالية للدستور فقط, والمفهوم الثاني هو أن تباشر تلك اللجنة مسئوليتها بذات الصلاحيات المقررة لها قانوناً ومن بينها تحصين قرارتُها, وإلا لكان المشرع الدستوري قد نص صراحةً على جواز الطعن على قرارتها امام القضاء, مثلما فعل مع الجهة التي ستخلفها وهي الهيئة الوطنية للانتخابات, حيث نص في المادة 210 من الدستور على اختصاص محاكم مجلس الدولة بالفصل في الطعون على قرارات تلك الهيئة. خلاصة القول, أرى أن نص المادة السابعة من قانون الانتخابات الرئاسية, جاء متوافقا مع صحيح الدستور والقانون, وملبياً لاعتبارات المصلحة العامة ودواعي المرحلة الراهنة التي يمر بها الوطن, وعلينا ألا ننشغل الآن إلا بالاستحقاق الثوري القادم. حفظ الله مصرنا الغالية, وهدانا سواء السبيل، أحمد عبدالفتاح هيمي لواء بالمعاش