مثل غيره من كبار الفنانين ابتعد عن السينما دون إرادته بعد أن اتجهت في السنوات الأخيرة الي أنصاف وأرباع المواهب في زمن لم تعد للموهبة أو التاريخ أي مكان. «علي بدرخان» الذي ابتعد عن بلاتوهات التصوير رغم أنفه لم يبتعد عن السينما وقرر أن يواصل مشواره بشكل آخر فقرر أن يكون منزله المجاور لاستديو الأهرام منبرا فنيا يقدم فيه دورات للتصوير وكتابة السيناريو، والحوار ومنبرا ثقافيا للقاءات الفنانين، صاحب «الكرنك» و«الجوع» و«الراعي والنساء» و«شفيقة ومتولي» و«الرجل الثالث» لا يجد ما يدفعه للوقوف أمام كاميرا السينما من جديد، أجرينا معه هذا الحوار حول أحواله ورؤيته للسينما الحالية والإنتاج الحكومي ومستوي الأفلام بعد ثورتين.. فسألته: أين أنت؟ - موجود ولكن لا توجد مواصفات جيدة لعمل تجعلني أعود للوقوف في استديوهات السينما من جديد رغم اشتياقي لها كثيرا والآن أعمل علي تقديم دورات تصوير سينمائي وكتابة سيناريو، لا أجد حافزا يجعلني أقدم عملا جديدا لأنه لا يوجد منتج يسمح بمواصفات معينة تجعلني أقدم عملا فنيا بالإضافة الي أنني مرتبط بمعايير السوق السينمائية التي تغيرت، لا تسمح لي ولجيلي بأن يخرجوا أعمالا بوجهة نظرهم في ظل تغير معالم السوق التي تسعي لجذب الجمهور فقط، لم نعد قادرين علي التعامل معها. بصراحة.. كيف تري غياب جيلك بأكمله عن الساحة الفنية؟ - حزين جدا لغيابي وغياب جيلي، واشتقنا للوقوف أمام الكاميرا وتقديم أعمال تضيف لتاريخنا، لكني لو عدت للعمل بمعايير السوق الحالية «أهزئ نفسي» وأنا أحاول أن أحافظ علي تاريخي، وأعلم من حولي كيفية الخروج بشكل محترم في سينما حقيقية ولكنني لا أستطيع أن أعود في ظل غياب رأس المال. تجهز منذ فترة لفيلم «الملا مصطفي».. ما سر تأجيله؟ - كما أكدت أن السوق السينمائية الآن ليست سهلة، لدينا أزمة حقيقية فالمنتج هو من يقرر أن يقدم فيلما بالمعايير التي يريدها هذا العمل مواصفاته صعبة أولا لأنه يتطلب فنانين كبارا سنا أيضا هو عمل ثوري يؤرخ لفترة في حياة الشعب الكردي لكن سيناريو الفيلم يتحدث عن مصر الآن، الشعب الذي يبحث عن مصر بمعايير دولة ديمقراطية حقيقية وإذا كان العمل تاريخيا إلا أننا نستطيع أن نطلق عليه عملا ثوريا يشحذ الهمم في مصر الآن ولكن أين المنتج الذي يقتنع بتلك الفكرة ويقرر أن ينافس بها. كيف تري مستقبل السينما في 2014؟ - السينما تعاني أزمة حقيقية علي مدار السنوات الماضية بسبب ارتفاع الأسعار وبالتالي لم يعد المنتجون المصريون قادرين علي تكلفة الإنتاج وهي لا تجمع إيرادات بالإضافة الي القرصنة سواء من الانترنت أو القنوات الفضائية التي تعرض الأفلام الجديدة فهناك أزمة في الإنتاج نابعة بالتأكيد عن الأزمة السياسية في مصر، وإن ظل الإنتاج ضعيفا، فلن تنهض. كيف تري تزايد إنتاج نوعية أفلام السبكي في الآونة الأخيرة واتجاه كل الفنانين للعمل معه؟ - نتيجة طبيعية جدا، هذه النوعية من الأفلام ظلت موجودة لأعوام طويلة وستظل موجودة ولكن الفارق أن هناك أنواعا أخري من الأفلام موازية لها أو بمعني أدق تقدم نوعيات أخري بفكر جديد، ولا يمكن أن ننكر فضل «السبكي» علي السينما ففي ظل الأزمة الخطيرة التي تعاني منها السينما كان هو المنتج الوحيد الذي قرر الإنتاج فإذا قارنا عدد الأفلام المنتجة في العام الواحد لا تتخطي 15 فيلما نجد السبكي ينتج 11 منها، وهذا يؤكد أن المغامرة بالإنتاج في ظل الظروف العصيبة أمر محسوب له خاصة في ظل غياب الإنتاج الحكومي، وبالمناسبة «السبكي» إذا عرض العمل علي أي مخرج في مصر سيوافق علي العمل معه وأنا واحد منهم. هل تري أن الإنتاج الحكومي قادر علي إعادة السينما الجيدة من جديد؟ - الحكومة عندما دخلت في الإنتاج كانت تنتج في العام أكثر من 73 فيلما ولكن الوضع الحالي خطير علي المستوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومن الصعب أن نطلب من دولة تعاني من كل هذا الكم من المشاكل أن تدفع مالا في الإنتاج السينمائي لكن لا يمكن أن ننتقد فنانا علي ما يقدمه أو منتج يتعامل بطريقة الربح والخسارة مع سلعة، لا حل أمامنا سوي الإنتاج قليل التكلفة بعيدا عن النجوم التي ترفع في أجورها دون فائدة، والدليل نجاح نوعية الأفلام القصيرة والمستقلة في جذب الجمهور. إذن هل ترفع الدولة يدها عن السينما؟ - الدور الحقيقي الذي يجب أن تفعله الدولة بجانب تطوير التعليم أن تعيد الدور الحقيقي لوزارة الثقافة من جديد بمعني أن تعيد توزيع أدوارها وأن يعود هدفها لتثقيف الشعب المصري لا تجهيز مؤتمرات فقط، للأسف مصر لم تعد تشارك في مهرجانات وهذا ليس بسبب عدم وجود أفلام فقط ولكن لأن الدور الثقافي الريادي لمصر لم يعد واضحا وهنا لابد أن تعمل الوزارة علي إقامة مهرجانات حقيقية بعيدا عن المهرجانات التي تعتمد علي الأسماء فقط، وأن يكون دورها إعادة إقامة علاقات مصرية مع الدول الأجنبية والأوروبية وتبادل دورها إعادة إقامة علاقات مصرية مع الدول الأجنبية والأوروبية وتبادل الأفلام وتوعية المنتجين بإنتاج أفلام راقية يمكن أن تشارك في المهرجانات، فيكفي أن مصر تشارك في مهرجانات 2014 بالأفلام منتجة في السبعينيات والثمانينيات. كيف تري مستوي الرقابة في مصر؟ - للأسف في كل فترة نري هجمة من مدعي الثقافة بأن الأزمة الحقيقية في مصر هي أزمة الرقابة، وفي تخيلي أن المبدع نفسه لديه رقابة علي إبداعه وعلي نفسه لابد أن نعرف المعني الحقيقي للديمقراطية والحرية بمعني أن السينما الإيرانية مثلا هي سينما راقية للغاية وبها مزيد من الحرية غير مسبوقة ومع ذلك لا تقدم مشاهد خادشة للعين، لأن أسلوب الحياة لديهم قائم علي الحرية والرقابة الداخلية للمبدع وذلك يختلف عن رقابة الموظفين، هناك فن واقعي حقيقي يرفع من مستوي دولة الأمية فيها تخطي ال42٪. كيف تري مستوي الأفلام السينمائية المقدمة عن ثورتي 25 يناير و30 يونية؟ - الشباب قاموا بالثورة وفي رأيي هم الوحيدون القادرون علي تقديم الثورة في أعمال سينمائية وللأسف لم أر الثورة في الأفلام حتي الآن، لا يمكن أن نحصر الثورة في ميدان التحرير كما تفعل معظم الأفلام لكن الثورة خرجت من البيوت ولابد من رؤية جديدة للثورتين سينمائيا، وأعتقد أن السينما المستقلة هي التي تسمح بخروج موجة جديدة للشباب السينمائي الثوري تساعد علي خروج أفلام معبرة أكثر عن الثورة بتكلفة أقل. مؤخرا تناثرت أخبار عن أزمة عرض فيلم «الكرنك» في التليفزيون المصري؟ - لم أسمع عن ذلك لكن فيلم «الكرنك» يعرض في كل وقت وأعتقد أنه دائما مناسب فهو فيلم محفز عرض في فترة سياسية خطيرة في مصر والفيلم ظل لأكثر من 40 أسبوعا في السينما لأنه تناول واقعا يعرفه الناس لكنها لا تعترف به، وأعتقد أن هذه هي النوعية التي نريدها الآن فإذا كانت السينما وصلت الي مرحلة الواقعية في السبعينيات والثمانينيات وبدأت تشرح الواقع لابد الآن أن تخرج من الشارع لتعبر عن رأي الشعب كما يجب أن يكون فلنبحث عن «حرية الفرد في التعبير» كما فعلنا من قبل. بعيدا عن الفن.. كيف تري مواصفات الرئيس القادم لمصر؟ - لابد أن يتوافر فيه شرطان الأول أن يكون رئيسا يرفع شعار العمل وليس الكلام فلسنا في مرحلة تسمح بالكلام، وثانيا أن يكون له هدف محدد ماذا يريد أن يفعل في مصر ويمزج بين الحسم واللين، ولا يكون فرعونا حتي يضمن حب الناس ونحن ننتظر رئيسا يحب مصر، ولا يحب الكرسي.