لا أحد ينكر الدور المحترم الذي يقوم به المجلس العسكري في حماية أمن وأمان الوطن والمواطن في الداخل والخارج.. نثمن ونقدر الظروف العصيبة التي تولي فيها المجلس العسكري شئون البلاد بعد 30 عاماً من الفساد في ظل رئيس فساد وحكومات فاسدة وحزب أوحد كان كل همهم هو »التكويش« علي كل شيء.. وقف المجلس الأعلي للقوات المسلحة وقفة جادة حازمة ومحترمة ضد إرادة الرئيس المخلوع حسني مبارك في توجيه نيران الجيش إلي صدور المواطنين.. انحازت القوات المسلحة إلي شعبها ورفضت تعليمات الديكتاتور في حزب أبناء الوطن وتوجيه أسلحتها إلي أبناء الوطن.. نقدر هذا الدور العظيم الذي كان له الأثر الأكبر في نجاح ثورة 25 يناير..وسقوط رئيس ونظام كان في عداد الأحلام أن يحدث ذلك منذ 6 شهور فقط.. نجاح الثورة بإرادة الشعب وبوقوف قواته المسلحة وانحيازها له كانت أهم أسباب الثورة في اعتزازها بأبناء القوات المسلحة في خروج ثورة سلمية بيضاء غير مسبوقة في تاريخ البشرية.. ورغم كل الضغوط التي تتحملها القوات المسلحة في حماية الأمن الداخلي وحدود الوطن.. إلا أنها أصبحت مسئولة أيضاً عن إدارة شئون البلاد مع الحكومة بعد سقوط الرئيس المخلوع وحكومته وحاشيته ومجلسي الشعب والشوري وتغيير الدستور من خلال الاستفتاء علي المواد الخاصة بمدة رئيس الجمهورية وبعض صلاحياته.. كل ذلك جعل هناك من أسباب توجيه النقد إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة سواء بالحق أو الباطل.. فالمجلس الأعلي للقوات المسلحة يقوم بإدارة شئون البلاد ويقوم أيضاً بالدور التشريعي من خلال إصدار مراسيم بقانون لسيير الأمور. في ظل عدم وجود قانون يتيح المعلومات تتعدد التكهنات هنا وهناك بعضها صادق وحقيقي وبعضها كاذب وملفق بسبب عدم وجود مصادر يمكن التحقق من مصدر المعلومات مما يوقع بعض الصحفيين والإعلاميين في شرك نشر أو إعلان معلومات قد تكون صحيحة مائة في المائة ولكنها غير موثقة لأسباب عديدة.. مثل عدم الحصول علي الوثيقة التي تؤكد المعلومة بسبب الحصار الشديد المفروض علي الصحفيين أو خشية المصدر من المساءلة فيتم إطلاع الصحفي علي الوثيقة دون تمكينه من تصويرها.. وهناك بعض المصادر التي تدلي بالمعلومات وترفض نشر اسمها وهنا يقوم الصحفي بالنشر علي مسئوليته مما يوقعه في المحظور وربما يخضعه للمساءلة القانونية.. وأحياناً تكون هناك معلومات مهمة تتداول في أوساط عديدة وهي معلومات صحيحة مائة في المائة، ولكن يكون من الصعب والمستحيل الحصول علي مستندات تدعمها لأن هذه المستندات ممنوعة أو محظور الإطلاع عليها.. وهناك أيضاً من ينقل معلومات علي طريقة حكاوي القهاوي.. ويقوم بنشر أي كلام قد يؤذي أكثر مما يفيد ولكنه في إطار الحرص علي زيادة التوزيع يلجأ إلي الفبركة والكذب والتلفيق وهنا تجب المساءلة. نحن لسنا ضد أن يغضب المجلس العسكري ولسنا ضد أن يعمل علي تكذيب ما ينشر عنه زوراً وبهتاناً.. ونحن ضد أن يساق أي مدني إلي القضاء العسكري لأن هذا القضاء العسكري موجه في الدرجة الأولي لمحاكمة العسكريين أبناء المؤسسة العسكرية.. من أجل هذا أنشئ هذا القضاء المحترم وليس لمحاكمة المدنيين بأي حالة من الأحوال.. فأبسط حقوق الإنسان أن يحاكم أمام قضائه الطبيعي وهو القضاء المدني.. القضاء العسكري له مهامه والقضاء المدني له مهامه أيضاً ولابد ألا تختلط الأوراق والأمور.. لذلك نرفض أي محاكات عسكرية للمدنيين حفاظاً علي صورة مصر أمام العالم.. وإذا كنا نرفض محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري فمن باب أولي نرفض وبشدة محاكمة الصحفيين والإعلاميين أمام النيابات والمحاكم العسكرية ومن الأولي تقديمهم إلي النيابة العامة.. ببلاغ من المجلس العسكري إلي النيابة للحصول علي الحق سواء بالإدانة أو البراءة.. خلال الفترة القليلة الماضية تمت إحالة جريدة »الشروق« وجريدة »الوفد الأسبوعية« وجريدة »الفجر« وقناة on t.v إلي النيابة العسكرية للتحقيق معهم في بعض الأخبار والموضوعات التي تم نشرها. ونحن لا نناقش إذا كانت الموضوعات المنشورة صحيحة أم كاذبة فهذا دور سلطات التحقيق التي تؤكد أو تنفي ذلك.. ولكن كان يجب تحويل هذه القضايا إلي النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم. المجلس العسكري مع كامل احترامنا وتقديرنا له ليس فوق المساءلة لأنه ليس مجلساً من الملائكة.. ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون وتختلف حولهم الآراء.. وكانوا سيكبرون في نفوسنا وقلوبنا لو أنهم أحالوا القضايا الخاصة بالنشر عنهم إلي النيابة العامة بدلاً من النيابة العسكرية.. خاصة أن قادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة أكدوا مراراً وتكراراً عدم رغبتهم في تمديد الفترة الانتقالية لنقل السلطة في البلاد إلي حكومة مدنية ورئيس مدني.. فلماذا الإحالة إلي النيابة العسكرية رغم أنها خصم شريف ولكن في ظل وجود النيابة العامة التي تتعامل بشفافية مع كل القضايا المعروضة عليها دون انحياز لأحد إلا الانحياز للحق ومصالح الوطن؟!..لقد حكم الرئيس المخلوع نحو 30 عاماً ورغم ذلك لم نسمع عن إحالة الصحفيين إلي النيابات العسكرية فهل كان الرئيس السابق صدره أكثر رحابة من السادة الذين يحكموننا الآن ويسيرون شئون البلاد والعباد؟... لماذا الإحالة إلي النيابة العسكرية وكل ما طرحه الصحفيون يندرج تحت لواء النقد المباح أو نشر معلومات غير موثوقة كان يجب التعامل معها عن طريق النشر أيضاً بالنفي والإيضاح أو التأكيد.. وإذا كان هناك سب قذف أو نشر أخبار ومعلومات كاذبة ومضللة فأبواب النائب العام مفتوحة للجميع.. فمن يري أن هناك تجاوزاً وأنه صاحب حق سواء كان حاكماً أو محكوماً فعليه اللجوء إلي جهاز النيابة العامة المحترم ليحقق، فإذا ما وجد إدانة فعليه التحويل إلي القضاء علي كل مستوياته بدءاً من محاكم الجنح حتي الجنايات وما بعدها. نرجو ألا يضيق صدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة فقد قدر له إدارة شئون البلاد في تلك المرحلة الحرجة من عمر الوطن اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ومجتمعياً.. نعم هناك حالة من الانفلات الأمني لابد أن تجابه بيد من حديد سواء كانت قبضة الشرطة التي تعود علي استحياء أو قبضة القوات المسلحة.. وهناك لا نجد أية »غضاضة« في محاكمة وتحويل البلطجية إلي المحاكم العسكرية أو ما هو أشد منها، لأنهم مفسدون في الأرض ويروعون المواطنين.. قد يكون مقبولاً محاكمة البلطجية لأنهم خارجون علي القانون أمام المحاكم العسكرية لتحقيق سرعة الردع، ولكن لماذا العجلة في التحقيق مع الصحفيين والإعلاميين وتحويلهم للنيابات العسكرية.. هل تساوي بين الصحفي الذي يحمل قلماً حتي ولو تجاوز أحياناً بغير قصد.. مع البلطجي الذي يحمل سلاحاً أبيض وأسلحة نارية لترويع المواطنين جهاراً نهاراً.. هل الإسراع في محاكمة الصحفيين أمام المحاكم العسكرية هو لإخافتهم وترويعهم كي ينصرفوا عن نقد شخص ما في الحكومة أو المجلس العسكري.. أم هي بداية خطوات لتكميم الأفواه؟.. إننا نربأ بحكمنا في المجلس العسكري والحكومة هذا الأمر. إذا كان هناك ضرورة للمحاكمات العسكرية فأولي بها الرئيس المخلوع وعائلته وأركان نظامه الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.. الذين سرقوا الوطن والمواطن طوال 30 عاماً.. سرقوا لقمة العيش وصحته وعافيته وحريته وحقوقه الإنسانية.. سرقوا آدميته وتركوه حطام إنسان خائف ويائس من أمسه وغداً.. ورغم ذلك تمت إحالته إلي النيابة العامة والمحاكم المدنية وهذا حقهم.. ونشكر المجلس العسكري علي توفير محاكمة عادلة لهم.. حتي تكون بوابة عودة الأموال المسروقة والمنهوبة والمهربة لخارج البلاد وتحقيق المصالح ووأد المفاسد هو دور المجلس العسكري نحو ثورة وثوار وشعب 25 يناير.. فرفقاً بالصحفيين. [email protected]