احتفل الشعب المصرى بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، ولا تزال هذه الثورة الشعبية تثير تساؤلات وحيرة ساسة الغرب، حول كيفية نجاح الشعب بعد 30 عاما من الصمت في الاطاحة بنظام سياسى فاسد فى فورة غضب هى ثورة فريدة فى العصر الحديث، وقد تناول مركز الدراسات «فيزى جراد ريفيو» المعنى بالدراسات الجيوسياسية لدول أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، تناول بالبحث والدراسة ثورة يناير، مقدماتها، واسبابها ونتائجها، وذلك فى تقرير مطول نتناول اهم ما جاء به. يقول التقرير انه قبيل ثورة 25 يناير، كان هناك نشطاء سياسيون فى مصر ومؤسسات أهلية لهم عيون عن بُعد تستلهم ما حدث فى «نقابة التضامن» فى بولندا، ومؤسسات المُجتمع المدنى فى كل من الجمهورية التشيكية وأوكرانيا وصربيا، واعتبر شباب مصر خاصة ممن لهم خبرات ودراية بمواقع التواصل الاجتماعى ان الحركات المعارضة فى عدد من دول أوروبا الشرقية هى حركات فاعلة حظيت باهتماماتهم، وعلى الرغم ان نصيب المصادر المستوحاة من تجربة أوروبا الشرقية لدى النشطاء السياسيين المصريين لم تحظ باهتمامات اعلامية كافية، إلا أنها ساهمت بقدر ما فيما أراد شباب مصر تحقيقه من إحداث تغييرات سياسية مماثلة. لقد أصبح حلم ثورة يناير حقيقة واقعة، لكن قبل 25 يناير 2011 وحتى الآن تمر مصر بفترات حرجة جدا في تاريخها، والانتقال إلى الديمقراطية أسوة بما حدث فى شرق أوروبا هو أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويتناول التقرير الخطوات التي أدت إلى الثورة المصرية من وجهة نظره والدروس التى استلهمها ثوار مصر من أوروبا الشرقية. ارتفاع دعوات الحُرية عام 2005 يقول التقرير ان نظام رئيس مصر الأسبق حسنى مبارك اضطر تحت وطأة الضغوط الداخلية والدولية إلى الانفتاح قليلا نحو مزيد من الحريات، وكانت هذه الخطوة هى الأولى فى تاريخ حكمه، وقدم تعديلا على المادة رقم 76 من الدستور، وافساح المجال لإجراء انتخابات رئاسية مباشرة. وقد تمت الاستفادة من مناخ هذا الانفتاح السياسي، فصعدت عدة حركات سياسية، كان أهمها وأكثرها فاعلية هى حركة كفاية التي نظمت نفسها فى مظاهرات سلمية مناهضة لنظام مبارك، أيضاً حزب الغد الليبرالي الذى قدم مرشحاً ضد مبارك في الانتخابات الرئاسية عام 2005، وقد رفعت تلك الجماعات السياسية أصواتها فى الشارع المصرى تطالب بالتغيير، وسمح نظام مبارك للشباب الناشطين بالدخول للحياة السياسية والحصول على تدريب في المشاركة الاجتماعية والسياسية، وخلال سنوات قليلة استطاع الشباب المصري تكوين نشطاء سياسيين كان لهم فكر يختلف عن أفكار الجيل القديم الراكدة. عام 2006 دعوة للعدالة الاجتماعية كان التحرر الاقتصادي وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي ليس له اى تأثير ايجابى على القاعدة العريضة من المجتمع ، بسبب الفساد فى أركان الدولة وغياب التوزيع العادل، ومن هنا جاء الشعار «العدالة الاجتماعية يعقب شعار الحرية»، وكون 40٪ من سُكان مصر ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر، وزيادة معدلات التضخم، وارتفاع نسبة البطالة إلى 20٪، وعمليات الخصخصة التى أدت لتدهور القطاع العام، وتسريح أعداد لا بأس بها العمالة، وعدم وجود ضمانات كافية للحقوق الاقتصادية للعاملين في القطاع الخاص المتنامي، أدى كل ذلك لحالة من الإحباط وعدم الرضا الاجتماعي، وبصورة رئيسية على السياسات الاجتماعية والاقتصادية للنظام الحكومى المصرى. في ديسمبر عام 2006، قام أكثر من 24 الف عامل من عمال النسيج في المحلة الكبرى بشمال القاهرة، بإضراب عن العمل والمطالبة بحقوقهم المالية، وقد كان لهذا الإضراب الضخم تأثير مباشر على الاحتجاجات الاجتماعية المتوالية في البلاد، مما شجع ودفع أعدادا متزايدة من السكان، للانضمام لقطاعات جديدة من القوى العاملة، مثل الأطباء والمدرسين وبعض الأكاديميين. عام 2008 دعوة عامة لإضراب وطني ويواصل التقرير أسباب ومقدمات ثورة يناير فيقول «أعادت الأحداث التي شهدتها مدينة المحلة الكبرى الصورة الذهنية لما وقع في تلك المدينة في 6 إبريل عام 2008، وهي الدعوة للإضراب التي قادتها حركة سميت فيما بعد ب «6 ابريل»، ضد الغلاء والفساد وتضامنا مع إضراب عمال شركة المحلة في ذلك اليوم والتي تلتها العديد من الإضرابات والاعتصامات في مصر بشكل متتال، وقد ساهم اتصال كثير من الشباب المصرى بحركات شبابية فى أوروبا الشرقية باستلهام فكرة سرعان ما انتشرت بسرعة عن طريق الانترنت والمدونات وكان أكثر من نشر فكرة الإضراب موقع التواصل الاجتماعى الاجتماعي «Face book» وعن طريق الموبايلات ورسائل sms والمنشورات وتعليق الشعارات في الشارع. شرارة لهب الثورة ويتابع التقرير ان إضراب 2008 تحول من دعوة إضراب عمالي لعمال شركة المحلة إلى إضراب عام في مصر بعد تبنى بعض المدونين والشباب المصري الفكرة وكانت الشرارة الأولى للثورة المصرية التى بدأت فعلياً بعد ثلاثة أعوام، وتحول الاضراب إلى أحداث شغب كبيرة عرفت بأحداث 6 أبريل أو أحداث المحلة شملت هجوما على أقسام ومراكز الشرطة وتدمير أجزاء من المدينة وإحراق مبان وعمليات سلب ونهب بشكل عشوائي ، الأمر الذى أدى للإدانة ورفض أعمال الشغب من قبل الحكومة المصرية والمثقفين وحتى منفذي الإضراب أنفسهم. ومن أشهر ما ميز إضراب «6 أبريل» هو عدم اللجوء لتنظيم موحد مُعلن، رآه البعض فيما بعد انه كان خطأ لعدم وجود قيادة ثورية موحدة، الا ان شباب الثورات الاحتجاجية فى اوروبا الشرقية رأوا ان ذلك كان ايجابياً وله فائدة حرمت النظام الأمنى المصرى من القضاء عليه فى مهده. ويعود انتشار الفكرة الثورية لكونها من الشباب المصري وليس من طرف أحزاب أو حركات تقليدية، فانتشرت فكرته بصورة سريعة للغاية في جميع أنحاء مصر كفكرة جديدة للاعتراض. اللهجة العامية المصرية كان لها وقع السحر وتواصلت الحركة الثورية الشبابية فى تصاعدها ، وتم توجيه الدعوة إلى كل من لديه القدرة والخبرة فى استخدام جهاز كومبيوتر وانترنت لنشر مجموعة من المطالب ، كزيادة الاجور ، تحسين خدمات المواصلات العامة، والمستشفيات وتوفير الدواء ، ومحاربة رفع الأسعار، والمحسوبية ومحاربة الفساد والرشاوي، وجاء في الدعوة التي كتبت باللهجة المصرية «خليك قاعد في البيت أو شاركنا في الميادين العامة. أوعى تنزل لكن شاركنا. ما تروحشي الشغل.. الجامعة.. المدرسة. ما تفتحشي المحل. عايزين مرتبات تعيشنا. عايزين نشتغل و تعليم لأولادنا. عايزين مواصلات آدمية ومستشفيات تعالجنا. عايزين دواء لأطفالنا. عايزين قضاء منصف. عايزين أمن وأمان. عايزين حرية وكرامة. مش عايزين رفع أسعار. مش عايزين محسوبية ولا ضباط بلطجية. مش عايزين تعذيب في الأقسام ولا اتاوات. مش عايزين فساد ولا رشاوي. مش عايزين اعتقالات ولا تلفيق قضايا. دعوة من أجل الكرامة فى 2010 -2011 في الأشهر التي سبقت ثورة يناير 2011، أصبح الشباب قوة واحدة متفرقة وتحولت الى قوى رئيسية في النضال من أجل الحرية والتغيير الديمقراطي، ومن أهم الحركات الشبابية التي ظهرت في هذا الوقت حملة البرادعي ل «حركة التغيير»، سعت هذه الحركة إلى حشد الناس من أجل التغيير عن طريق تشجيع محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كبديل للنظام والمرشح الرئاسي المعقول في انتخابات 2011 ، وكما هو الحال في عام 2005، أصبح عدد من الشباب النشط في السياسة من خلال حركة حملة البرادعي أكثر فاعلية ظهر تأثيرها عقب وفاة خالد سعيد، الشاب الذي تعرض للضرب حتى الموت على يد الشرطة، واندلعت عدة مظاهرات شبابية، وكان هذا الحدث حاسما في الضغط بحثا عن الكرامة المفقودة، وكان خالد سعيد رمزا للحياة غير المحترمة. بحلول نوفمبر 2010، تغيرت استراتيجية النظام فجأة بسبب تأثير الحرس الجديد بقيادة جمال مبارك داخل الحزب الوطني الديمقراطي (الحزب الحاكم السابق) وكانت الانتخابات البرلمانية مزورة تماما مما زاد من حدة الإحباط الاجتماعي، وبالتالي نمت الدعوة إلى الاحتجاج على الصعيد الوطني فى 25 يناير 2011 من خلال العديد من المجموعات والحركات الشبابية، كان الفيسبوك أداة لنشر الدعوة متأثراً بالثورة التونسية، وحصل الشباب على استجابة كبيرة بشكل غير متوقع. في المرحلة الأولى وحتى 7 فبراير، استجاب الناس لنداء الشباب حيث تجمعت حشود ضخمة في ميدان التحرير تحت شعار: «الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية» وهكذا كانت الثورة التى اطاحت بأطول نظام سياسى فاسد فى مصر.