تساءل الدكتور أسامة الغزالي حرب، في مقاله بالأهرام يوم الثلاثاء الماضي، هل مصر تستورد اليوسف أفندي من الصين.. وما حكاية ذلك.. ولأنه لم يصل إلي إجابة شافية لسؤاله فإنه تحدث عن أنواع اليوسفي: البلدي صغير الحجم كثير البذور والصيني كبير الحجم قليل البذور ثم يوسف الكلمانتين.. وتساءل هل تزرع مصر اليوسفي الصيني أم أن بذوره وشتلاته مستوردة من الصين. ولأنني تناولت هذا الموضوع في كثير من مقالاتي ب«الوفد».. بل ذكرت القصة كاملة في أحد كتبي.. أصله وفصله.. وكيف دخل مصر.. فإنني أجيب عن تساؤلات الدكتور أسامة.. وأكتب مرة أخري حقيقة هذه الفاكهة اللذيذة. الحكاية بدأت عندما بدأ محمد علي باشا يرسل البعثات من الطلبة المصريين للدراسة في أوروبا- وهذا أساس سليم لبناء الدولة الحديثة- فقد أرسل محمد علي البعثة الأولي في يوليو عام 1826 إلي فرنسا ليتعلموا هناك تحت اشراف مسيو جومار، وكان عددها 40 تلميذاً، ثم لحق بهم 4 آخرون. رجع خمسة منهم قبل إتمام دروسهم لضعف صحتهم أو نقص كفاءتهم، ووزع الباقون علي مختلف العلوم والفنون، وذكر الرافعي أسماءهم وتخصصات دراستهم بالكامل في كتابه عن محمد علي الصادر عام 1930، ومنهم نجد اثنين باسم يوسف أفندي! الأول هو أحمد يوسف أفندي الذي تخصص في العلوم الكيماوية ثم صحب محمد علي في رحلته إلي السودان للكشف عن مناجم الذهب واسمه بالكامل أحمد أفندي يوسف الجشنجي.. وزار المكسيك لزيارة مناجم الذهب هناك ثم عين مديراً لدار الضرب، وهو من المناصب الكبيرة.. وقتها. والثاني هو يوسف أفندي وتخصص في دراسة علوم الزراعة.. وعين بعد عودته مديراً للحدائق وناظراً لمدرسة الزراعة في نبروه. وفي حاشية صغيرة علي احدي صفحات الجزء الأول من كتاب «تقويم النيل» لمؤلفه أمين سامي باشا الصادر عام 1916- وهو من خمسة أجزاء ضخمة وجدت سطوراً قليلة منذ سنوات.. تروي تلك الحكاية الطريفة. إذ بعد أن ركب يوسف أفندي «البابور» أي السفينة التي أقلته من مارسيليا إلي الإسكندرية بعد أن أتم دراسته في فرنسا.. هبت عاصفة بحرية شديدة اضطرت السفينة إلي اللجوء إلي مالطة لتحتمي بها من العاصفة.. وهناك وجد مجموعة من الصينيين لجأوا أيضاً إلي الجزيرة ليحتمي رجالها من العاصفة.. ورأي يوسف أفندي هذا معهم عدة شتلات من أشجار غريبة، وبخبرته عرف انها غير موجودة في مصر.. فاشتري منهم عدة شتلات كانت الثمار فيها خضراء صغيرة.. ولما هدأت العاصفة واصلت السفينة سيرها إلي الإسكندرية. وكان محمد علي وقتها في قصر رأس التين. وكان يتابع حالة كل تلميذ شهرياً ويتأكد من مدي إقباله علي التعليم في أوروبا، وتحدد موعد ليوسف أفندي ليقابل محمد علي في رأس التين. المهم أن يوسف أفندي جمع عدة ثمرات من هذه الفاكهة وكانت قد أوشكت علي تمام النضج.. ووضعها في طبق وسلمها لحارس باب ديوان محمد علي، وسأله: من هو أحب أبناء محمد علي إليه.. فقال له انه يحب طوسون باشا أكثر من غيره، ودخل يوسف ليقابل محمد علي الذي سأله عن دراسته وماذا استفاد منها.. وبماذا يفيد مصر.. هنا استأذن يوسف أفندي لحظة ونادي علي الحارس وأخذ منه طبق الفاكهة. وشرح لمحمد علي كيفية أكلها.. فأعجب بها محمد علي وسأله عن اسمها.. هنا أجاب يوسف أفندي بخبث: اسمها «طوسون أفندي.. يا باشا».. فرد محمد علي بعنف: همه في الصين يا تلميذ يا خلبوص يا بستانجي يعرفوا ابني طوسون باشا! ثم أردف قائلاً: اسمك انت إيه يا ولد.. فرد يوسف أفندي.. اسمي يوسف يا أفندينا.. هنا ابتسم محمد علي وقال: إذن اسمها: يوسف أفندي يا خلبوص! وللعلم فإن اسم هذه الفاكهة صارت واشتهرت باسم طوسون أفندي عدة سنوات بالذات في شبرا.. بجوار قصر محمد علي هناك.. ولكن اسم: يوسف أفندي هو الذي شاع وانتشر.. وقد أصدر محمد علي أمراً بتعيين يوسف أفندي هذا مشرفاً علي حدائقه الخاصة وقصوره بجانب عمله ناظراً لمدرسة الزراعة في نبروه ليشرف علي تخريج جيل جديد من المهندسين الزراعيين. وفي كتاب «حديقة الفاكهة» تأليف عبدالغني غنام والصادر عام 1935 تحدث عن اليوسفي فقال ان أصله من الصين، ولكن عندما تمت زراعته بمصر جاء انتاجه أفضل- في الطعم والرائحة- من الصيني! وإن كانت مصر تستورد كميات من الخارج.. ولكن المصري يتميز بسهولة فصل اللب عن القشر وليس فيه حموضة البرتقال. وهو «يريح» سنة ويزيد سنة تالية.. ويحتاج لرية شتوية أكثر من البرتقال.. ويمكن تطعيمه علي النارنج الرفيعة وأشهر أنواعه: البلدي. واليوسفي البلدي المطعم وهو أقل شوكاً. وإذا كانت الشجرة الأول تعطي 1000 ثمرة، فان النوع الثاني يعطي 400- 600 ثمرة.. ثم اليوسفي الامبراطوري ولا يزيد عدده علي الشجرة عن 300 ثمرة.. ثم يوسفي كليمانتين ولبه قليل العصارة وقشره أحمر. ويوسفي ساتزوما أصغر حجماً. ويوسفي ملوكي ولكن قشرته سميكة وخشنة وتلتصق باللب.. ويوسفي مرشين أصغر من البلدي ويوسفي متانيا وهو المسمي «سانترا» في باكستان والهند. ويوسفي أصفر. هل تكفيك هذه المعلومات يا دكتور أسامة.. أم أضيف إليها؟! وكل هذا كتبته من سنوات تزيد علي 20 عاماً.