تبقى الحياة الخاصة (السرية) للزعماء خطا أحمر لا يمكن تجاوزه, والمذكرات التي كتبها أصحابها –الزعماء - أظهرتهم أبطالا, وبررت أخطاءهم وإخفاقاتهم وزلاتهم لأن مذكرات قادة الدولة هي الحكاية الرسمية للحقيقة, ويبقى الوجه الآخر الخفي الذي ربما لا يظهر أبدا, وحتى إذا كتب الآخرون عن هؤلاء الزعماء فلا يخلو الأمر من نفاق ورياء, أو وجهة نظر على خير تقدير. يحدث ذلك دائما فى معظم دول العالم, فما بالنا بدولة كانت محاطة بسرية وستار حديدي – الاتحاد السوفيتي السابق-, تصبح مهمة الحديث عن حكامها فى حكم المستحيل, ولكن دائما لا يأس مع الحياة, فعلها فلاديمير ميدفيدوف الجنرال السابق بالمخابرات السوفيتية والحارس الشخصي لأهم زعيمين فى الاتحاد السوفيتي «برجينيف وجورباتشوف» وشاهد عيان على حياة الرجلين لازمهما فى جميع رحلاتهما داخل البلاد وخارجها, ولم يفارقهما ليلا أو نهارا لسنوات عديدة, ومن هنا تكمن أهمية وخطورة كتاب (رجل فى الظهر) الذى يكشف الجوانب الخفية والمستترة فى حياة الرجلين اللذين قادا أحد قطبي العالم فى تلك الفترة, ويتناول أخطاءهم وهزائمهم ونقاط ضعفهم وأمراضهم وعيوبهم, ويوضح السقوط الأخلاقى لبريجنيف, وضعف شخصية جورباتشوف. ويطرح الكتاب كذلك قضية هامة وهى من يحمى الشعب من أهواء الحاكم الشخصية خاصة إذا كان ينفرد بالحكم, ومن يعوض هذا الشعب عن اعتلال الحاكم واختلال مزاجه وما يمكن أن يترتب على ذلك من قرارات مصيرية لا تؤثر على شعبه فقط بل تمتد إلى الدول المجاورة. ويؤكد الكتاب أن السبب الرئيسي لانهيار الاتحاد السوفيتي السابق هو القيادات التى تيبست عقولها, وفقدت القدرة العقلية والجسمانية على إدارة البلاد. ويرى عميل ال «كي جي بي» السابق أن سمعة البلاد قد تدهورت جدا بعد أغسطس 1968، حيث تم «قمع الثورة في تشيكوسلوفاكيا أو ما عرف بربيع براغ، لكن مع قدوم السبعينيات تم نزع فتيل التوتر، وأصبح رأس الدولة السوفيتية مرحبا به في دول العالم بما في ذلك الولاياتالمتحدة، وقد تميزت الفترة الممتدة من 1969 إلى 1975 بأنها أكثر الفترات نشاطا لبريجنيف على صعيد السياسة الخارجية، فقد حفلت بالزيارات لدول أوروبا وللهند والولاياتالمتحدة ويركز الكتاب على أن هم الحراسة الشخصية أصبح ليس فقط حماية الحكام السوفيت من خطر خارجى, ولكن من أنفسهم أيضا, بعد أن فقدوا العقل والتوازن واستسلموا لنزواتهم, وكيف تم جلب حبوب منومة مقلدة من الخارج خصيصا لحماية جورباتشوف من إدمانه عليها, وكيف كان الحراس يخلطون الفودكا بالماء حرصا على صحة السكرتير العام, وكيف أضيف إلى مهمتهم –كحراس– مهمة أخرى وهى أن يدخنوا للسكرتير العام وينفثون الدخان فى وجه. أشياء كثيرة لم يعرفها أحد عن القيادات السوفيتية أبسطها غرام بريجنيف بإحدى الممرضات، مما اضطر الكي جي بي ووزارات السيادة إلى وضع خطة لإبعادها عن بريجنيف، وأسرار وفاة أندروبوف وتشيرنينكو، السكرتيرين العامين اللذين خلفا بريجنيف بسرعة وخلال فترة قصيرة وعن الأسباب التي دفعته إلى الكتابة، يقول الكاتب «ما دفعني إلى كتابة مذكراتي بالتحديد هو الكتب الغريبة التي ظهرت، فقد عرفت حياة الزعماء ورأيتها من الداخل، وعندما تعرفت على مذكرات الناس الذين كانوا على قمة هرم السلطة، رأيت تبريرات واضحة وأحيانا بلهاء لتصرفاتهم ولقراراتهم. والتبريرات كما هو معروف تختلف عن الحقيقة، فهي ليست نفس الشيء بالتأكيد». لكن من ناحية أخرى هل من الضروري أن يعرف الناس البسطاء نقاط الضعف عند زعمائهم، عن اندفاع وعدم اتزان خروشوف، عن الانحطاط الصحي والأخلاقي لبريجنيف، وانعدام شخصية وتقلّب جورباتشوف؟ نعم عندما يكون نظام الدولة شموليا أو شبه ديمقراطي، ويقود البلاد شخص واحد، فمن يحمي الناس حينئذ من أهوائه ونزواته، من مرض هذا الشخص، من أنه سيؤثر ليس فقط في مصير دولته. الكتاب صادر عن دار الثقافة الجديدة تأليف فلاديمير ميدفيديف وترجمة وتحقيق نبيل رشوان.