ليت المبدعين يتعلمون من أحمد فؤاد نجم، كيف يكون المبدع الأديب والشاعر.. وكيف أن البعيد عن السلطان هو السلطان الحقيقي المخلد.. نجم سيبقي مع ضمير مصر وسيبقي في ذاكرة الأجيال برغم أنه كان طوال عمره بعيدا عن بوق السلطة بل إنه كان يحتقر الأنظمة - جميعها - لم يكن شاهدا علي العصر فقط بل كان شاهدا علي نفسه أيضا.. لقد قاوم زمنا ثم لم ينحني في شيخوخته مثل غيره بل زاد شبابا، اغترب عن أبناء الصفوة والمسئولين وما يدللونهم بكريمة المجتمع.. وكان يعيش بين البسطاء من أبناء الشعب، لا يجد نفسه إلا في الشوارع والمقاهي الشعبية والمظاهرات والاحتجاجات كان ولا يزال وسيبقي صوت الشعب وشاعر الشعب وصديق الفقراء، اكتوي نجم بنار تجربته وسنوات اعتقاله ولكن لم تضع ملامحه الأزلية ولا قيمه فشرع يصور دمامة السلطة وقبحها وتفاهتها وخداعها تصويرا قاسيا. كانت لديه قناعات لم يتنازل عنها يوما وارتضي بشرف أن يعيش حياته الشعبية ضاربا عرض الحائط بكل محاولات الكبار أن يشتروه.. فقد خاب سعيهم واكتشفوا أنه بلا مفاتيح يمكن أن تنفذ منها التنازلات.. نجم نحت لنفسه تمثال خلوده وببراعة تمكن أن يزرع إبداعه في طين الأرض المصرية الخصبة التي لا تعرف البوار أو سن اليأس، لم يكن أحمد فؤاد نجم - إنصافا للتاريخ - غير ذاته. كان هو كل المصريين المهمشين الخارجين من جداول الحكومات والماشية في طابور الكفاح والجهاد الحقيقي نحو العدل.. وقد تكون مذكرات «الفاجومي» شيئا من حياته، ولكنها ليست كلها. لأن معاناته وعناده للحق كانت من حق غيره أن يكتبها أعمق منه، لأن الصورة لا تكتمل إلا بكسر الحائط الرابع ولعل رفيق عمره وكفاحه الكاتب صلاح عيسي كان صادقا في كل كلمة كتبها عنه وأرخها في كتاب تاريخي مدعم بالوثائق.. علي أنني أتمني أن يصور لنجم عمل فني آخر مع تقديري الشديد للكاتب المخرج عصام الشماع الذي أخرج فيلما عن «الفاجومي» لأن زوايا حياة «نجم» لها أكثر من تأثير ومن المهم أن يتعلم منها المثقفون والمبدعون.. وأتمني أن يكتب صلاح عيسي عملا فنيا عن أحمد فؤاد نجم، يكفي فيه أن يعلمنا كيف كان الحكام يتعاملون مع الشعراء.. وكيف كان كثير من المبدعين يعملون خداما ومأجورين ومرتزقة لضرب الشعراء ولخدمة هؤلاء الحكام.. ولقد زال الحكام وهؤلاء التجار وبقي أحمد فؤاد نجم الي حوار فؤاد حداد الي جوار أمل دنقل.