ىُقال »الطرىق إلى جهنم مفروش بالنواىا الحسنة« عند التماس العذر، والتعاطف مع بشر نحبهم ونقدرهم عندما نراهم ىذهبون باسم الفضىلة إلى الطرىق الخطأ، فتُغىبهم السبل حتى وهم ىمارسون الإبداع.. بالتأكىد النواىا الطىبة لا تكفى وحدها لتحقىق النجاح، فما أسهل أن نصل إلى نتائج خاطئة رغم حسن النىة والرغبة الصادقة فى التفوق والتفرد، كدت أهتف بتلك المقولة عقب خروجى من العرض الخاص لفىلم »الفاجومى«. نحن بصدد مجموعة عمل وفرىق من المبدعىن أغلبهم أصحاب مواقف مشهودة رائعة فى حب الوطن، وقدموها فى أعمال درامىة وفنىة ووطنىة، بل والبعض منهم لهم من التوجه العروبى والقومى ما هو معروف مثل الفنان البدىع خالد الصاوى.. ولكن ورغم كل نواىاهم الحسنة بالتأكىد عند شروعهم فى تقدىم سىرة الشاعر الوطنى الكبىر أحمد فؤاد نجم الذى ىطل علىنا ىومىاً من »شباكه على الثورة« بجرىدتنا »الوفد«، فإننا للأسف لم نلمح إطلالته من شباك التارىخ فى عمل درامى ىحمل اسمه، بعد أن ارتفع سقف طموحاتنا لرؤىة عمل فنى ىلىق بصاحب السىرة لعظىم تقدىرنا لكل أعضاء فرىق العمل دون استثناء!! فى البداىة أسأل أصحاب دراما »الفاجومى« السؤال التقلىدى الذى ىنبغى أن ىسأله كل من ىشرع فى تقدىم سىرة ذاتىة: لماذا كان اختىار صاحب السىرة لتقدىم دراما حىاته؟.. ثم السؤال الذى ىلىه بالضرورة: هل تناسب الوسىلة أو الوسىط الإبداعى حجم تجربة صاحب السىرة؟.. وأخىراً ما مدى الضرورة الحالية لتقدىم تلك السىرة، والإضافة المأمولة من أطروحات العمل اجتماعىاً وثقافىاً؟ أما عن الاختىار لصاحب السىرة، أصطف مع من ىصفونه بالاختىار المطلوب والمناسب والهام، وعن تقدىمه كفىلم سىنمائى فالإجابة نعم، ولكن عبر حلول وإبداعات غىر تقلىدىة تُمكن صاحب الشرىط من التوقف عند تفاصىل هامة فى حىاة الفاجومى، ولىس عبر السرد التقلىدى لحىاة بطل هو بالضرورة غىر تقلىدى وكان ىنبغى الإشارة بالصوت والصورة واللون والإضاءة والمؤثرات الصوتىة والنغمىة الناعمة منها والحادة وغىرها من أدوات السىنما الحدىثة ولغاتها العبقرىة للتأكىد على تفرد الشخصىة.. أما عن الإضافة التى كان ىنبغى أن ىُحدثها الفىلم كحالة إبداعىة ترصد مواقف وأطروحات شاعر ومبدع استثنائى، فإننى أرى أن الفاجومى الفىلم ىمكن أن ىُمثل إضافة محدودة فقط فى إطار تشكىل صورة تم رسمها على عجل لتعرىف بعض شباب الوطن الذى لم ىدخل عالم القراءة والمعرفة بشاعر وطنى قرر وهو ىثور منذ بواكىر العمر أن ىذهب لشباب مصر والعالم العربى لىشاركوه الفعل الثورى أحىاناً، وىشاركهم أىضاً وبنفس جاهزىتهم الساخنة الثورة والرفض المىدانى فى مراحل رسمت علامات الكهولة على محىاه آثارها. لقد تعمدت الجلوس خلف الفاجومى وهو ىُشاهد العرض كاملاً لأول مرة كما قىل لأتعرف من آن لآخر على ردود فعل الرجل عقب كل تحول أو تصعىد درامى ما.. وانتظرت حدوث أى انفعال سلبى أو إىجابى، فلم أر أى رد فعل من رجل له مثل هذا التارىخ الحافل بالمواجهات والصراعات، بالفشل والنجاحات، بالوقوع والنهوض.. فقط تأثر الرجل بالمشاهد التصعىدىة الختامىة، بمشاعر أظنها امتناناً للزمن الطىب الذى ىشهد حصاد رحلة وطنىة رائعة. أرى أننا أمام رجل طىب، ىقبل بقدر بدىع من التسامح تجربة مجموعة من المبدعىن قاموا بإعادة صىاغة دراما حىاته عبر انطباعات متعجلة جسدوها فى رؤوس عناوىن لجولات شاعرنا الكبىر النضالىة فى مجابهة قوى الظلام والتخلف والتمىىز والاستبداد. وفى كل اللقاءات التلىفزىونىة مع نجوم العمل قالوا بكل فخر وسعادة إن الفىلم جاء وفق رؤىة ووجهة نظر الفاجومى، وىبدو هذا مُفسراً لحالة الرضا العام من جانب صاحب السىرة عن العمل، ولأول مرة ىتم إنتاج عمل درامى ىتناول سىرة ذاتىة دون إثارة مشاكل من قبل صاحب السىرة. ولكننى أرى فى المقابل أن الاكتفاء بوجهة نظر صاحب السىرة أفقد العمل درامىا أهم مقومات تكامله البنائى التى توفر للدراما رؤىة بانورامىة شاملة لحىاة ثرىة كان ىنبغى ألا ىُكتفى بوجهة نظر أُحادىة فى تجسىدها على الشاشة الفضىة.. نحن أمام حىاة وحالة لها من التنوع الذى مىز المراحل الانتقالىة التارىخىة والفكرىة والاجتماعىة التى عاشها الفاجومى بتفاعل حى وعبقرى. وعلىه كان من الطبىعى أن تغضب الكاتبة صافى ناز كاظم، وتشن هجوماً عنىفاً ضد أسرة فىلم الفاجومى وتقول وفق جرىدة الشروق »فىلم الفاجومى هو صنعة تشوىه المحترفىن«.. وتضىف: »الفىلم فاجر وكاذب، لقد خسر خالد الصاوى كل ما جمعه من نجاح عن دوره فى أهل كاىرو، وظهر فى هذا القرف فظاً بشعاً سمىك الظل لا ىمت بكل كتلته الفنىة بأى صلة بشاعر نحىف كما ورقة السىجارة كبىر القىمة كما أهرامات الجىزة.. والقول ىنطبق إلى حد بعىد على الممثل صلاح عبدالله، الذى أدى دور الشىخ إمام فلم ىر من هذا الفنان العظىم سوى فقدان البصر!« أما ما قالته عن المؤلف والمخرج عصام الشماع، فلا ىمكننى حتى الإشارة لمعانىه لبعده عن حدود مفردات الكتابة القابلة للنشر. وإنى إذ أتفق مع الكاتبة فى رفضها لأداء خالد الصاوى الذى أراه قد اتسم بالخطابىة والتقرىرىة المسرحىة المدرسة، فإننى أرفض الأسباب التى أوردتها، وأذكرها بالفنان القدىر أحمد زكى كىف أدى دور الزعىم جمال عبدالناصر باقتدار وروعة رغم الفرق الهائل جسمانىاً، وأىضاً فى ملامح الوجه، ولا أتفق معها فى رفضها لأداء صلاح عبدالله الذى أراه قد قرأ جىداً سمات الشخصىة، والحكاىة أبداً لم تقتصر على النظارة السوداء. والمواطن المصرى إذ ىُثمن تجربة تقدىم سىر رموز الإبداع لتوثىق رؤاهم وإنجازاتهم، كنت أتمنى تفرغ المخرج للإخراج فقط.. فسىنما ودراما السىر الذاتىة بشكل عام، ولأصحاب السىر العظىمة وطنىاً وتارىخىاً بشكل خاص تحتاج إلى عمل جماعى حتى لا ىسقط من جوانب عطاء وكفاح صاحب السىرة ما سقط فى سىرة الفاجومى، رغم الجهد الإبداعى الطىب والمتمىز للمخرج فى تقدىم عمل ىلىق بشاعر وطنى كبىر.. عن العمل والتناول الدرامى للفاجومى المبدع والإنسان.. وللحدىث بقىة. [email protected]