استعدادا لشم النسيم ..رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات الجامعية    سعر الدينار الكويتي اليوم الأحد 5-5-2024 مقابل الجنيه في البنك الأهلي بالتزامن مع إجازة عيد القيامة والعمال    وزير المالية: 3.5 مليار جنيه لدعم الكهرباء وشركات المياه و657 مليون ل«المزارعين»    وزيرة إسرائيلية تهاجم أمريكا: لا تستحق صفة صديق    تشكيل ليفربول المتوقع ضد توتنهام.. هل يشارك محمد صلاح أساسيًا؟    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثي سير منفصلين بالشرقية    الإسكان: 98 قرارًا لاعتماد التصميم العمراني والتخطيط ل 4232 فدانًا بالمدن الجديدة    «الري»: انطلاق المرحلة الثانية من برنامج تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي والدلتا    الإسكان تنظم ورش عمل حول تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء    استقرار ملحوظ في سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه المصري اليوم    العمل: توفير 14 ألف وظيفة لذوي الهمم.. و3400 فرصة جديدة ب55 شركة    ماكرون يطالب بفتح مجال التفاوض مع روسيا للوصول لحل آمن لجميع الأطراف    مسؤول أممي: تهديد قضاة «الجنائية الدولية» انتهاك صارخ لاستقلالية المحكمة    أوكرانيا تسقط 23 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    اتحاد القبائل العربية: نقف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة «مدينة السيسي» هدية جديدة من الرئيس لأرض الفيروز    فيديو.. شعبة بيض المائدة: نترقب مزيدا من انخفاض الأسعار في شهر أكتوبر    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    كرة طائرة - مريم متولي: غير صحيح طلبي العودة ل الأهلي بل إدارتهم من تواصلت معنا    «شوبير» يكشف حقيقة رفض الشناوي المشاركة مع الأهلي    شوبير يكشف مفاجأة حول أول الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    الزراعة: حديقة الأسماك تستعد لاستقبال المواطنين في عيد شم النسيم    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    حدائق القاهرة: زيادة منافذ بيع التذاكر لعدم تكدس المواطنيين أمام بوابات الحدائق وإلغاء إجازات العاملين    التصريح بدفن شخص لقي مصرعه متأثرا بإصابته في حادث بالشرقية    السيطرة على حريق التهم مخزن قطن داخل منزل في الشرقية    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    نجل الطبلاوي: والدي كان يوصينا بحفظ القرآن واتباع سنة النبي محمد (فيديو)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    تامر حسني يدعم شابا ويرتدي تي شيرت من صنعه خلال حفله بالعين السخنة    سرب الوطنية والكرامة    الكاتبة فاطمة المعدول تتعرض لأزمة صحية وتعلن خضوعها لعملية جراحية    حكيم ومحمد عدوية اليوم في حفل ليالي مصر أحتفالا بأعياد الربيع    رئيس «الرعاية الصحية» يبحث تعزيز التعاون مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة    صحة الإسماعيلية تنظم مسابقات وتقدم الهدايا للأطفال خلال الاحتفال بعيد القيامة (صور)    أخبار الأهلي: تحرك جديد من اتحاد الكرة في أزمة الشيبي والشحات    وزير شئون المجالس النيابية يحضر قداس عيد القيامة المجيد ..صور    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ذاكرة الرصاص" .. عودة للجزائر كما أعرفها
نشر في الوفد يوم 19 - 11 - 2013

أول مرة أسمع كلمة (الجزائر) كانت من «حنان زكريا» زميلتي في الصف الرابع الابتدائي عام 1976 بمدرسة «الاتحاد القومي» التي كانت في الأصل قصر لإحدي أميرات أسرة «محمد علي» قبل 1952 وتقع في مواجهة «نادي القضاة» بشارع شامبليون العريق في وسط البلد.
«حنان زكريا» هي ابنة الأستاذ «زكريا» مدرس اللغة العربية جارنا في العمارة حيث تقع شقته في الدور الرابع، بينما تسكن عائلتي في الدور الثامن، قالت لي حينما أبديت إعجابي بتنورتها القطيفة ذات اللون الأخضر الداكن إنها من (الجزائر) التي يعلم والدها الأستاذ «زكريا» اللغة العربية لأبنائها، حيث تجري الفرنسية علي لسانهم العربي أكثر من العربية نفسها بفعل الاستعمار الفرنسي.. ابتسمت ولم أفهم ولكن ظلت عالقة في ذهني لسنوات التنورة ذات اللون الأخضر الداكن رمز للجزائر التي لا أعرفها.
فكتب التاريخ المدرسية شحيحة لا تترك في خريطة الوعي عن «الجزائر» سوي عبارة (أرض المليون شهيد) التي صمدت لاستعمار شرس قرابة المائة وثلاثين عاماً حتي نالت استقلالها عنه في الستينيات من القرن الماضي في موجة هادرة لحركات التحرر الوطني في أفريقيا وكانت (الجزائر) في المقدمة بحكم الدم والتضحيات.
لتبقي (الجزائر) في الذاكرة مجرد أقاصيص من أوراق الطفولة والدراسة وساعتين ونصف الساعة هما فيلم المخرج الكبير «يوسف شاهين» عن المناضلة الجزائرية «جميلة بوحريد» ووجهها الملائكي في ثوب السجن وهي تنظر إلي جلاديها من القضاة الفرنسيين في كبرياء وكرامة وطنية.
لتقفز (الجزائر) مرة أخري في دائرة الوعي عبر أول رسالة ماجستير عن «جريدة المجاهد» الجزائرية، التي تعد الرسالة العمدة في حقل الدراسات الإعلامية عن صحف النضال الوطني في عالمنا العربي، التي قامت بها أستاذتي بقعة الضوء المبهرة «عواطف عبدالرحمن» التي شرفت أن أوثق مذكراتها وأسجل بصوتها نحو عشرين ساعة عن حياتها الشخصية منذ أن جاءت من قريتها «الزرابي» بمحافظة أسيوط، حتي أصبحت من أهم أساتذة قسم الصحافة بكلية الإعلام، ولقد صدرت هذه المذكرات بعنوان «صفصافة» العام الماضي عن الهيئة العامة للكتاب وفيها روت لي عن نضال الثوار الجزائرين وعن جريدة «المجاهد» لسان حال جبهة التحرير الوطني خلال حرب تحرير (الجزائر) وأن ظروف تأسيس الجريدة إبان الثورة المسلحة في الفترة من 1956 إلي 1957 كانت مرحلة سرية مضيفة إلي أن مضمون الصحيفة كان يدافع عن فكرتين أساسيتين هما: المطالبة باستقلال البلاد وإبراز أن حرب التحرير الوطني كانت موازية لثورة ديمقراطية شاملة اجتماعية واقتصادية وثقافية ونفسية وأن قادة الثورة شعروا بالحاجة إلي إبراز أن مايجري في (الجزائر) كان بالفعل حركة وطنية موحدة ضد الاستعمار الفرنسي ومنه جاءت فكرة تأسيس صحيفة أياً كانت لغة التعبير فرنسية أو عربية فإن المضمون والخط الافتتاحي لم يتغيرا، فصحيفة «المجاهد» تعد جريدة مهمة في تاريخ (الجزائر).
أيضاً حكت لي إنها التقت أثناء إعداد دراستها للماجستير الرئيس هواري بومدين - رئيس الجزائر: 1965/ 1978 - ووجهت له تساؤلاً قالت إنه لا يخلو من العتاب والدهشة عن وجود المجاهدين الجزائريين في دار بعيدة عن العاصمة يطلقون عليها (دار المجاهدين القدامى) فيما يشغل المناصب والمواقع الرئيسية والوزارية هؤلاء الجزائريين الذين كانوا خارج الجزائر أثناء الثورة ولم يشاركوا في أحداثها ولكنهم عادوا إليها بعد انتصارها وبدأوا في التهام ثمارها.
ابتسم الرئيس «بومدين» وقال بصوت يجمع بين السخرية والمرارة (لا تنسي مقولة بونابرت التي كررها ديجول على لسان أندريه مالروا: إن الثورة يخطط لها الأذكياء ويصنع أحداثها النبلاء ويجني ثمارها الانتهازيون.
ولكن الأوطان دروب وعرة لا تبوح بأسرارها إلا لمن يعشق السفر إليها وأن الوطن كلما نزف ألماً نزف أيضاً إبداعاً فأرحل الي (الجزائر) عبر آلاف الصفحات التي كتبها مبدعيها من أرواحهم وحزنهم علي الوطن المنكوب، فمنهم من هاجر بجسده بعيداً عنها لتبقي هي الملهمة لأعماله ومنها من بقي في الوطن ليحيا ويموت علي ترابه، فالإرهاب كما توصفه دراسة مهمة للباحثة الجزائرية «شادية بن يحيي»: «ليس حدثاً بسيطاً في حياة المجتمع، وقد لا يقاس بالمدة التي يستغرقها ولا بعدد الجرائم التي يقترفها بل بفظاعتها ودرجة وحشيتها، وعندما يتعلق الأمر بالجزائر فإن الإرهاب تقاس خطورته بتلك المقاييس جميعاً، إذ استغرق مدة غير قصيرة لكن انشغال الناس به في سعيهم اليومي وأرقهم الليلي لم يمنع بعض الكتاب من تسجيله بل إن ثقله هو الذي يفرض على الكاتب حالة من الحضور يصعب عليه أن يتنصل منه».
إذا فموضوع العنف المعروف إعلامياً بالإرهاب، كان مدار معظم الأعمال الروائية التسعينية، إلا أن هذا العنف لم يكن الطابع الوحيد الذي طبع في السنوات الماضية، إذ لم تكن عشرية الأزمة فقط بل كذلك كانت عشرية التحول نحو اقتصاد السوق وتسريح العمال وإلغاء انتخابات 1992.
حيث واكبت الرواية الجزائرية هذه المرحلة الجديدة، مرحلة التكتلات وبهذا ظهرت رواية المعارضة كبديل عن رواية السلطة التي فقدت هيبتها بعد أحداث 8 أكتوبر 1988، وبذلك فسحت المجال لرواية المعارضة بعد توفر مناخ الحرية الذي أفرزه دخول الجزائر مرحلة اختيارات جديدة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، فزالت سياسة الحزب الواحد، وجاءت التعددية الحزبية وقد رافق هذا المعطى السياسي اعتبار حرية التعبير في الدستور حقا من حقوق المواطنة، وبهذا أصبح النص الروائي ملزماً بتجديد موقفه مما يحدث، وكما كان الروائي الصوت المعبر عن هموم الجماعة والصادر عن عمقها، كان أول ردود فعله اتجاه ما يحدث هو الوعي بالمأساة الوطنية.
فقرأت روايات لمختلف الأجيال التي تعاطت موضوع العنف السياسي وآثاره اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، حيث يلتقي الطاهر وطار في «الشمعة والدهاليز» مع واسيني الأعرج في «سيدة المقام» في البحث عن جذور الأزمة وفضح الممارسات التي تبعتها، كما جسدها آخرون كإبراهيم سعدي في «فتاوي زمن الموت» ومحمد ساري في «الورم»، وبشير مفتي في «المراسيم والجنائز» وغيرهم ممن يملأون الدنيا صخباً ومرارة وخوف وعشق علي الوطن الحبيب (الجزائر) ولكن هذه هي المرة الأولي التي يحدث فيها صخب للجزائر روائي مصري هو صديقي العزيز «مصطفي عبيد» بروايته التي صدرت مؤخراً بعنوان «ذاكرة الرصاص» التي أعطاها لي بابتسامته الودودة لكي أقرأها فاكتشفت أنه يقدم لي (الجزائر) بعيونه المبدعة في لغة سردية شديدة العذوبة مليئة بأشعار «أمل دنقل» و«نزار قباني» وأشعاره شخصياً - فهو أيضاً يقرض الشعر - ولكن تقطر ألماً علي (الجزائر) في فترة التسعينيات والمعروفة بالعشرية الحمراء لكم الضحايا الذين سقطوا في مواجهات بين الجيش المسلح للجماعات الاسلامية وبين جيش الدولة.
الروائي الجميل «مصطفي عبيد» لا يدين أحداً في هذه الرواية المصرية الجزائرية الهوي ولكنه يقدم الجميع بشفافية مطلقة، ومن خلال الصحفي «مصطفي نديم» بطل الرواية الذي يسافر إلي الجزائر ضمن لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة ويقرأ عشرات الشهادات الخاصة بالمذابح التي ارتكبت بطول البلاد وعرضها التي كان ابشعها مذبحة «بن طلحة» التي حدثت في ليل هادئ من صيف عام1997 بل يستعرض بوادر الأزمة الجزائرية السياسية حينما تم إلغاء انتخابات 1992 للفوز الساحق للأسلاميين وخوف مؤسسات الدولة من انهيار مفاصلها نتيجة اتجاه للإسلاميين لمزيد من التطرف وانتهاج مبدأ الحاكمية الذي نادي به الأب الروحي لكل الجهاديين الاسلاميين المفكر المصري «سيد قطب» لتندلع أعنف موجة من الإرهاب في الجزائر استغرقت نحو عشر سنوات كاملة حمراء بلون دم الضحايا، ففي الرواية الجميع، وهنا أقصد العسكريين والإسلاميين والناشطين السياسيين الذين وثقوا شهادات الضحايا وأهاليهم وأخيراً المثقفين والإعلاميين والفنانيين المستهدفين دوماً من قبل الجماعات الإسلامية يحكي من وجهه نظره وأن ما فعله كان من أجل «الجزائر» التي تفرق دماؤها بينهم جميعاً.
الرواية جديرة بأن تقرأ فهي دعوة مصرية خالصة لمعرفة (الجزائر) ربما يقرأها أحد ويكتب عنها ذات يوم: إنها كانت أول الطريق لمعرفة وطن عربي يسمي (الجزائر).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.