الطاقة هى مفتاح صناعة الأسمنت، وبدون تخطيط واضح للطاقة فى مصر لا يمكن لتلك الصناعة أن تنمو وتتطور وتتقدم، لذا فإن مقترح استخدام الفحم كبديل للغاز فى صناعة الأسمنت مقترح جدير بالمناقشة والدراسة والحوار، خاصة أن تلك الصناعة تستحوذ وحدها على نحو 21% من الطاقة المخصصة للصناعة المصرية، وهى بذلك ثانى صناعة بعد الأسمدة استهلاكا للغاز الطبيعى. فى أكثر من مرة يتحدث منير فخرى عبد النور وزير الصناعة والتجارة الخارجية عن ضرورة تحويل الطاقة المستخدمة فى صناعة الأسمنت من الغاز إلى الفحم، مؤكدا أن استخدام الفحم بدلا من الغاز فى صناعة الاسمنت سيوفر نحو 450 مليون قدم غاز يوميا. إن الفحم هو الحل الجديد لمشكلات الطاقة فى العالم، لذا فإن دراسة حديثة لمؤسسة «سمنس» تشير إلى أن استبدال الغاز بالفحم فى محطات توليد الطاقة سيؤدى إلى خفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون عالميا بنسبة 5 % سنويا، وبحلول عام 2030 يمكن توفير نحو 50% من الطاقة من خلال ذلك التوجه. وبشكل عام يوجد فى العالم احتياطى مؤكد هائل من الفحم، بما يجعل نضوبه غير وارد إلا بعد مئات السنين، ووفقا للأسعار الحالية لكل من الفحم والبترول فإن تكلفة إنتاج الكيلووات من الكهرباء المولدة باستخدام الفحم يبلغ 35 سنتا للفحم، بينما يبلغ 75 سنتا للبترول، أى أن الفحم مصدر أرخص كثيرا للحصول على الطاقة. ومن هنا فإن العالم كله يتجه نحو استخدام أفضل للفحم فى توليد الطاقة. ومادامت صناعة الأسمنت من الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة كما تؤكد الأرقام فقد اتجهت معظم مصانع الأسمنت فى العالم لتغيير تكنولوجياتها لتستخدم الفحم كبديل أقل تكلفة لتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل المصانع. لكن فى مصر مازال التحرك بطيئاً. صناعة راسخة إن صناعة الأسمنت فى مصر قديمة نسبيا، إذ تعود إلى عام 1927 عندما تم انشاء أول شركة للانتاج وهى شركة أسمنت بورتلاند طرة والتى كانت طاقتها الانتاجية نحو 160 ألف طن سنويا. مرت تلك الصناعة بتحولات عديدة وشهدت تطورا كبيرا أدى إلى اتساع حجم الانتاج وتعدد المصانع ثم خصخصة القطاع ليصبح لدينا حاليا 21 شركة كلها تابعة للقطاع الخاص عدا شركة واحدة هى الشركة القومية للأسمنت. وقد بلغ حجم انتاج الاسمنت فى مصر طبقا لبيانات عام 2012 نحو 53 مليون طن، مقابل 48.8 مليون طن فى عام 2011. وتعد صناعة الأسمنت أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد الوطنى، حيث تساهم فى تشغيل أهم قطاع اقتصادى، وهو قطاع التشييد والبناء، بما يجعلها توفر نحو 1.5 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. ويرى خبراء الصناعة أن استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت هو البديل الأوفر لتوسعات صناعة الاسمنت فى مصر، لعدة اعتبارات منها سهولة توفيره، وانخفاض تكلفته، وامكانية استغلال الغاز الموفّر فى انشاء صناعات كبرى بديلة. تجارب أوروبية المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات المصرية قال إنه اطلع على تجارب كيانات أوروبية كبيرة فى صناعة الأسمنت تستخدم الفحم كمصدر للطاقة بدلا من الغاز. ويرى أن استنساخ تلك التجربة فى مصر أمر ضرورى وحتمى فى ظل محدودية الطاقة، ولا محدودية طموحات التوسع الصناعى. إن الفكرة تصطدم برفض وزارة البيئة استيراد الفحم لمخاوفها من أن يحمل تأثيرات على البيئة والهواء. لكن «السويدى» يرد على ذلك بأن أوروبا أكثر حرصا على البيئة وسلامة وصحة مواطنيها ومع ذلك فإنها تستخدم الفحم فى صناعة الأسمنت. الأكثر من ذلك ما يشير إليه عمر مهنا رئيس مجموعة السويس للأسمنت من أن 81% من مصانع الأسمنت فى أوروبا تعتمد اعتمادا كليا على الفحم. إنه يؤكد أن السير قدما فى ذلك التوجه كفيل بضخ استثمارات كبيرة فى صناعة الأسمنت فى مصر لأنه سيهبط بتكلفة الانتاج إلى مستويات منخفضة. فوائد اقتصادية ويؤكد المهندس مدحت اسطفانوس رئيس شعبة صناعة الاسمنت باتحاد الصناعات ورئيس شركة «تيتان» للأسمنت أن استيراد الفحم لا يتعارض أبدا مع قانون البيئة. ويشير إلى أنه لا بديل لعملية استخدام الفحم كمصدر للطاقة من الناحية الاقتصادية. ويقول إن ذلك يساهم فى تعظيم الانتاج وتعظيم الفوائد الاقتصادية. ويشير رئيس شعبة صناعة الاسمنت إلى أنه تجرى حاليا دراسات موسعة حول ايجابيات استخدام الفحم كمصدر للطاقة، وكيفية الالتزام بعدم الإضرار بالبيئة، وهناك ندوات وورش عمل يتم إجراؤها بشكل متكرر لتفعيل المقترح. أما الدكتور وليد هلال رئيس جمعية صناع مصر، ورئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية فيشير إلى أن إعادة توجيه الغاز الذى يستخدم كمصدر للطاقة فى مصانع الأسمنت لتم توصيل الغاز إلى نحو 10 آلاف مصنع. ويضيف مؤكدا أن تكلفة استيراد الغاز تبلغ 11 دولاراً للمليون وحدة وهى أكثر من ضعفى تكلفة استيراد الفحم. تحفظات البيئة لكن المهندس أحمد كمال الدين الخبير البيئى ومدير مكتب الالتزام البيئى باتحاد الصناعات يرى أن الفيصل فى القضية هو حجم الانبعاثات. ويقول إن الانبعاثات الصادرة عن حرق الفحم أكبر من تلك الناتجة عن حرق الغاز وأكثر ضررا بالبيئة، لكن هناك احتياطيات تستخدم فى بعض الدول لمنع أو الحد من تلك الانبعاثات. وفى تقديره فإن وزارة البيئة لا تحظر استخدام الفحم بشكل مباشر وإنما يحدد قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 حجم الانبعاثات الصادرة عن كل صناعة، واذا ما تجاوزت منشأة ما نسبة الانبعاثات المسموح بها اعتبرت المنشأة مخالفة. ويشير «كمال الدين» إلى أن تعامل البيئة مع ذلك الطرح يجب أن يكون فى اطار احتياطيات كل شركة، والواقع.