تكفل النظم الديمقراطية لمواطنيها مجموعة من الحقوق الأصيلة والتي تضمنها الدولة ومؤسساتها ويصونها الدستور ويحميها من الاعتداء عليها أو انتهاكها ،ومن هذه الحقوق حق الحياة وحق التملك وحق التفكير والاعتقاد والتعبير عن الرأي وحق الاجتماع وما يتفرع عنه من حقوق متعددة، وينص على هذه الحقوق في دساتير معظم الدول فيما يعرف باسم الحقوق والحريات العامة ،أو الحقوق الأساسية المرتبطة بالمواطنة والتي لا تستطيع الدولة إلغاءها، ولعل الفلسفة الأساسية لهذه الحقوق أنها أشبه بالحقوق الطبيعية المرتبطة بالإنسان بمقتضى كونه إنسانا ولذلك تحاط بسياج من الضمانات القانونية والدستورية لضمان ممارستها على الوجه السليم، فالدولة لا تستطيع منعها لأنها لم تمنحها ولعل هذه أحد المقومات والركائز الفلسفية التي تعتمد عليها الديمقراطية الليبرالية. ويمكن النظر إلى حق التظاهر باعتباره أحد هذه الحقوق الهامة التي تكفلها النظم الديمقراطية لمواطنيها، ولعل التساؤل الهام في هذا الإطار هو هل حق التظاهر حق مطلق أم يمكن أن ترد عليه بعض الضوابط والتي ترتبط بتنظيم هذا الحق وليس الغاءه أو الحد منه،فالمبدأ المعروف إنه لا توجد حرية مطلقة وإنما حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين،وبمعني آخر أن الحرية يجب ألا تستغل في الإضرار بالآخرين أو انتهاك حقوقهم وحرياتهم،فالحرية والحق ينظمها القانون حتى لا تستغل هذه الحرية في الاعتداء على حريات الآخرين،ولذلك فإن حق التظاهر هو أحد الحقوق التي تضمنها النظم الديمقراطية ،والتظاهر في الأصل هو محاولة توصيل رأي أو وجهة نظر معينة إلى المسئولين أو محاولة للتعبير عن موقف معين أو إظهار التضرر من قرار بذاته، ولذلك فالتظاهر ليس مطلوبا لذاته وليس هدفا في حد ذاته ولكنه وسيلة للتعبير عن موقف ووجهة نظر معينة للمتظاهرين دون الإضرار بالآخرين أو بمصلحة الوطن،ولذلك فإن للتظاهر شروطاً وضوابط لا يفهم إلا في إطارها وتتمثل أهم هذه الشروط والضوابط فيما يلي:- أولا:- سلمية التظاهر ويقصد بذلك أن المظاهرات يجب أن تكون سلمية أي لا تنطوي على أي شكل من أشكال العنف ،وألا يحمل المتظاهرون أسلحة أو يقومون بالاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة أي ممتلكات الحكومة أو الأفراد، وألا تنطوي المظاهرة على صدامات أو اشتباكات مع الآخرين ذوي الآراء أو وجهات النظر المختلفة. ثانيا:- ألا تؤدي المظاهرات إلى تعطيل مصالح المواطن أو إعاقة أداء مؤسسات الدولة لوظائفها وللخدمات التي يطلبها المواطنون، مثل منع دخول الموظفين إلى مقار أعمالهم أو إعاقة العمل في الوزارات أو المصالح الحكومية أو إعاقة العملية التعليمية في المدارس أو الجامعات أو غير ذلك من الأفعال التي يترتب عليها إعاقة الدولة ومؤسساتها عن تقديم الخدمات التي يتطلبها المواطن العادي. ثالثا:- ويتطلب الأمر أيضا ألا تؤدي المظاهرات إلى إعاقة وسائل النقل العام أو الخاص أو تعطيل السكك الحديدية أو الطرق التي تربط بين الضواحي داخل العاصمة أو التي تربط بين المحافظات، أو إعاقة سيولة الحركة على المحاور المرورية والكباري الهامة والطرق السريعة لما يؤدي إليه ذلك من إضرار بالوطن والمواطن. ويمكن تفسير هذه الضوابط التنظيمية السابقة بضرورة تحقيق التوازن بين حق المواطن والتظاهر وهو أحد حقوقه الأساسية التي يكفلها الدستور وبين حقوق الوطن في الأمن والاستقرار والحفاظ على أمنه القومي وعدم اعاقة مؤسسات الدولة عن تقديم خدماتها للمواطنين، وإذا تحقق هذا التوازن المنشود لا يطغى حق الفرد (أو الأفراد) على حق الوطن وحق الدولة، ولذلك فإنه يكون من المرغوب فيه في مصر وهي تمر بالتطورات السياسية السريعة والمتلاحقة إصدار قانون يتعلق بالتظاهر وبحيث يحقق هذا التوازن المطلوب بين مصلحة الفرد ومصلحة الوطن،أي يكفل حق التظاهر كأحد الحقوق السياسية للمواطن في النظم الديمقراطية،وفي نفس الوقت يحمي مصالح الوطن واستقراره، وتتمثل أهم البنود الأساسية في مثل هذا القانون من وجهة نظري فيما يلي:- 1- الاعتراف بحق التظاهر كحق أصيل للمواطن المصري باعتباره أحد الحقوق السياسية الأساسية التي تضمنها وتكفلها الدولة. 2- سلمية المظاهرات ،بمعنى أن تبتعد المظاهرات عن اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف، وألا يحمل المتظاهر أي نوع من أنواع الأسلحة النارية أو البيضاء أو الآلات الحادة، وإذا حدثت مخالفة لذلك تخرج المظاهرات عن إطارها السلمي والقانوني وتقع تحت طائلة القانون. 3- تحديد الفترة الزمنية للتظاهر،فالحكمة من المظاهرات وكما سبقت الإشارة هي التعبير عن موقف أو رأي، أو وجهة نظر، أو الاعتراض على قرار معين، وإذا تحقق ذلك تكون المظاهرة قد أدت الغرض منها، ولا تكون هناك حاجة إلى استمرارية المظاهرات لفترة زمنية طويلة، وربما قد يكون من المفيد وضع حد أقصى للمظاهرات زمنيا (يومين على سبيل المثال) وتحديد فترات التظاهر وذلك حتى لا تتواصل المظاهرات لفترة زمنية طويلة طالما إنها أدت الغرض منها. 4- تحديد أماكن للتظاهر ويفضل أن تكون بعيدة نسبيا عن أماكن التكدس السكاني حتى لا يترتب عليها إعاقة المرور وتعطيل مصالح المواطنين. 5- عدم الاعتداء على المنشآت الحكومية أو الممتلكات العامة والخاصة،أو منع الموظفين من تأدية أعمالهم أو منع الطلبة من تلقي دروسهم. 6- حماية الدولة للمتظاهرين، فطالما إن المظاهرات سلمية وتلتزم بالتعبير عن الرأي ولا تعتدي على الآخرين تصبح حمايتها واجبا على الدولة. ويمكن النظر إلى هذه البنود باعتبارها ضوابط تنظيمية، أي تنظم حق التظاهر ولا تمنعه، وتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الوطن وأمنه واستقراره.