سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رئيس اتحاد الصناعات المصرية: محمد السويدى: المعزول تودد إلينا ورحب بنا ثم أصاب المجتمع الاقتصادى بالشلل
رفضت طلب قيادات الإخوان تغيير نظام انتخابات الغرف الصناعية لزرع رجالهم فى الاتحاد
فى يوم ما قبل نصف قرن كان هناك مفكر جزائرى اسمه مالك بن بنى يفتش عن التقدم، ويرنو إلى التنمية، ويحلم لبلاده بالريادة. جلس الرجل فى غرفته ليكتب فلاحظ أن قلمه مستورد، وأوراقه مستوردة، ومصباحه مستورد، ومكتبه مستورد، وحتى الراديو الذى يستمع إليه مصنوع فى الخارج. خطّ الرجل بحروف صادقة: لا تقدم وتنمية بدون صناعة وطنية. ومن قبل كتب المفكر جبران خليل جبران عبارته الخالدة: «الويل لأمة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع». ومرت العقود حالمة، مخططة، داعية إلى إقامة صناعة وطنية حقيقية، ومضت المسيرة مفرحة تارة ومتعثرة مرات ومرات، وظل الحلم القومى غير المكتوب لكل أمة هو الثورة الصناعية. وفى مصر ورغم قدم التواجد الصناعى، واتساعه، وتنوعه فإنه مازالت الصناعة مكبلة، مرهقة، شاكية حتى بات الهم ضيفا دائما على وجوه الصناعيين. من هنا يكتسب الحوار مع المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات الجديد، وفى ظل ظروف صعبة تلقى فيها السياسة أتربتها ومشاكلها على المجتمع الصناعى أهمية قصوى. وفى ظل نظام حكم احادى، متذبذب، يقدم أهل الثقة على أهل الكفاءة تراكمت المشاكل واتسعت الهموم وصار التعثر والتوقف قدرا لمئات المصانع فى مختلف المجالات. وفى ظل محاولات مضنية دبرتها جماعة الإخوان المسلمين لاختراق هذا المجتمع والسيطرة عليه، واللعب فيه صارت الصناعة سجادة تشريف يطأها كل عابر سبيل. والآن وبعد استفاقة 30 يونيو يتطلع صناع مصر إلى خارطة طريق. فالمشكلات بحر من الفوضى يحاصر كيانات الصناعة، والتروس ثقيلة لا تكتمل لفاتها، وماكينات الإنتاج يعلوها الصدأ بعد أن أحيلت إلى التقاعد ومازالت تعمل ببركة الله ثم بركة الغلابة والبيوت المفتوحة لعمال كادحين. فى هذا الحوار الثرى يكشف المهندس محمد السويدى تفاصيل جديدة وأسرارا خطيرة حول محاولات الإخوان للسيطرة على الصناعة. كيف اتصلوا بهذا القطاع الغائب عنهم؟ كيف حاولوا السيطرة عليه؟ ولماذا؟ كيف بدأوا التسلل والاختراق، وإلى أى مدى نجحوا؟ يكشف الرجل أيضا موقف اتحاد الصناعات من الدستور السابق، ومقترحاته بشأن الدستور الجديد، ورؤيته لقضية الحد الأدنى للأجور، وتصوره لملف الطاقة، ومقترحاته بشأن التعثر. لقد فتح الرجل الجالس على مقعد شيخ الصناعيين قلبه ل«الوفد» وتحدث بصراحة وهدوء واتزان يليقان برجل صناعة ناجح، واعى، حالم، مؤمن بالحق فى الريادة والتقدم، وحتمية التنمية. وإلى نص الحوار: الوفد: عام من التخبط. عام من الصراعات. عام من الفشل. أين كانت الصناعة المصرية فى زمن الإخوان؟ وكيف حاولت الجماعة السيطرة على أهم قطاع تنموى فى مصر؟ لم تكن الصناعة فى معزل عما يحدث فى مصر. بدأ حكم الرئيس السابق بأمل، وحوار، ثم فشل، وخصام و، استبداد، ثم، ثورة جديدة. بعد انتخاب الرئيس مرسى بعشرة أيام فقط دعانا المهندس حسن مالك بصفته رئيسا لجمعية «ابدأ» للقاء موسع ضم نحو 70 رجل أعمال وصناعة، وكان اللقاء ودياً وبدا واضحا للجميع أن الإخوان تفتح صفحة جديدة مع الشعب والناس. واقترح يومها الرئيس الأسبق تأسيس لجنة بين الرئاسة ومجتمع الاعمال أطلق عليها اسم «تواصل» وكنت ممثلا لاتحاد الصناعات فيها بصفتى وكيلا له. وقتها قدمنا مشكلات الصناعة العامة ومقترحاتنا لحلها. لكن شيئا فشيئا تبدلت المواقف، وتحولت فكرة المشاركة والحوار إلى استقواء وسيطرة. كنت ممن أيدوا الفريق شفيق فى انتخابات الاعادة، وعندما فاز الرئيس مرسى اتصلت بالمهندس حسن مالك وهو رجل مهذب وهنأته وقلت له: أتمنى أن يكون رئيسا لكل المصريين. لكن بعد شهور قليلة تم اصدار الاعلان الدستورى المطلق، وانقلبت وعود جماعة الإخوان إلى سراب، وسيطر التربص بمجتمع الأعمال والصناعة على توجهات كثير من أفراد الجماعة، وتوقف كثير من المستثمرين عن تنفيذ توسعات كانوا قد خططوا لها. وصار الوضع من سيئ إلى أسوأ حتى وصل بنا الأمر أننا كنا نخرج للمشاركة فى التظاهرات ضد الجماعة. الوفد: هل خرجت أنت بنفسك وشاركت فى مظاهرات ضد الإخوان؟ نعم وضد مرسى نفسه. وأذكر أن أحد العاملين بمكتب وزير الصناعة السابق عاتبنى على المشاركة فى التظاهرات ضد حكم الإخوان، وقلت له إننى حر فى موقفى السياسى. الوفد: كنت وكيلا لاتحاد الصناعات فى الدورة السابقة، كيف حاولت جماعة الإخوان اختراق أقدم منظمة أعمال مصرية؟ مبدئيا، كان اتحاد الصناعات من القطاعات البعيدة عن الإخوان، لأن معظم أعمال مستثمريهم فى قطاع التوكيلات التجارية والخدمات والتعليم. والغالب على أنشطتهم نشاط التجارة، لكنهم مع ذلك حاولوا «أخونة» اتحاد الصناعات المصرية. قبل الانتخابات الأخيرة التى اجريت فى يونيو، كان مجلس ادارة اتحاد الصناعات قد اختارنى مشرفا على العملية الانتخابية وفوجئت باتصال من أحد قيادات جماعة الإخوان وسألنى عن شروط التقدم للانتخابات فقلت له العضوية بالاتحاد وتسديد الاشتراكات، فقال لى: لماذا لا توسعون دائرة المشاركة؟ قلت له: إننا نعمل فى إطار القانون، واستفهمت منه عن معنى توسيع المشاركة فقال لى: يمكن أن تفتحوا باب الترشح لأصحاب التوكيلات التجارية، وهناك كثير من رجال أعمال الإخوان غير ممثلين فى اتحاد الصناعات. كررت ردى باحترام القانون، وأنهيت المكالمة. كان هذا الاقتراح مخالفة واضحة لقانون اتحاد الصناعات والغرف الصناعية، وكان واضحا أن جماعة الإخوان لديها رغبة مؤكدة فى السيطرة على الاتحاد. الوفد: هل يعنى ذلك أن القوات المسلحة أنقذت مصر من خطر الاستحواذ على كافة قطاعات الدولة بما فيها القطاعات الممثلة لمجتمع الأعمال؟ بالطبع. أعتقد أن القوات المسلحة أعادت لنا مصر. وأتصور أن الفريق عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة أنقذ مصر من خطر الانجراف بعيدا عن طبيعة مصر ووسطيتها وروحها وسيذكر التاريخ له هذا الدور البطولى. لقد أعاد للمؤسسة العسكرية هيبتها وأعاد للمؤسسة الأمنية احترامها وتقديرها. الوفد: هل يعنى ذلك أنك مثل بعض قيادات مجتمع الأعمال ترشحه لرئاسة الجمهورية؟ أعتقد أن الرجل لن يفعل، وأرى أن يبقى صماما للأمان للدولة المصرية، وأن يبقى بعيدا عن السياسة، فذلك أفضل فى تصورى. الوفد: ما موقفكم كاتحاد يمثل 40 ألف منشاة صناعية من الدستور الإخوانى؟ وما رؤاكم ومقترحاتكم بشأن الدستور الجديد؟ بالطبع لم يكن هناك من يرضى بالدستور الذى صدر فى ظل تسلّط جماعة الإخوان لأنه شل المجتمع ككل قبل أن يشل الاقتصاد. لقد تطرق إلى تفاصيل صعبة، وجاءت كثير من نصوصه ملتبسة، وصيغت بعض مواده بطريقة مطاطة. وبالنسبة للدستور الجديد فنحن ممثلون فى لجنة الخمسين وقد سبق ذلك اجتماعات موسعة والاستعانة بخبراء قانونيين لوضع بعض التصورات التى قد يكون لها ارتباط غير مباشر بالاقتصاد. فمثلا نحن نطالب باعادة تعريف للمواطنة وحقوقها والواجبات المنطوية عليها. كذلك نرى إضافة مادة جديدة تنص على تحديد دقيق لحدود جمهورية مصر العربية جغرافيا سواء الحدود البرية أو البحرية لضمان عدم التعدى عليها. كذلك نحن نرى ضرورة تحقيق الاستقلال الكامل للقضاء من خلال تبعية التفتيش القضائى لمجلس القضاء الأعلى مع منح القضاء استقلالا ماليا وعدم خضوعه لوزارة العدل. إلى جانب ضرورة تحقيق استقلال لمجلس الدولة بحيث تكون الرقابة على القرارات الادارية دون التدخل من الجهاز التنفيذى. الوفد: أنتم كاتحاد صناعات متهمون باتخاذ مواقف متشددة تجاه حقوق العمال من خلال تحفظكم على الحد الأدنى للاجور. كيف ترد؟ لا صناعة متقدمة بدون عمال لديهم رضا وظيفى. نحن ندرك ذلك جيدا، ونحن مع العمال ومطالبهم وحقوقهم. وكان أول لقاء لى بعد اختيارى رئيسا لاتحاد الصناعات مع كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة. نحن فى اتحاد الصناعات نرى أن الوصول لحياة كريمة للعامل المصرى أمر له آثاره الايجابية على الإنتاج، لكن هناك مشكلات عديدة تعوق تطبيق حد أدنى للأجور فى الوقت الحالى يجب حلها. إننا نطالب مع العمال بقانون جديد للتأمينات لا يفرض تلك النسبة المبالغ فيها على أصحاب العمال. نطالب بقانون جديد للتأمين الصحى، وتفعيل قرارات الحكومة بدعم المنتج المحلى. يجب أولا رفع الأعباء غير الطبيعية الملقاة على عاتق الصناعة قبل إلزامه بدفع حد أدنى معين. أضف إلى ذلك أن الصناعات كثيفة العمالة معظمها صناعات صغيرة ومتوسطة مثل الصناعات النسجية. فى ذلك القطاع يتم توفير وظائف لفتيات ب700 و800 جنيه، ولو تم فرض حد أدنى فإن ذلك سيكون عائقا عن التوظيف، فبدلا من تعيين 10 عمال سيتم تعيين 5، وهكذا. إن هناك 3.6 مليون عاطل فى مصر والحد الأدنى قد يكون عائقا لتوفير عمل لهؤلاء. الوفد: لكن أسمح لى هناك منظمات أعمال أخرى أعلنت موافقتها على الحد الأدنى فى القطاع الخاص؟ منظمات الأعمال القانونية خمس ولم يوافق أي منها. ونحن فى اتحاد الصناعات مسئولون عن قطاع الصناعة فى مختلف أنحاء الجمهورية ونرى أن علينا أن نسير فى إطار خارطة مستقبلية للأجور تحقق العدالة، والشفافية. الوفد: قضية التعثر محيرة. لا يوجد عدد واضح، لا توجد خريطة قطاعية أو جغرافية للمصانع المغلقة. أين اتحاد الصناعات من ذلك؟ ملف التعثر ملف ثقيل جدا، وهو ملف متوارث عبر أجيال وأنظمة. وهناك اسباب عديدة للتعثر، بعضها يتعلق بدراسات الجدوى، أو سوء الادارة، أو الظروف الخارجية. ونحن نعمل بشكل منظم من خلال مركز تحديث الصناعة على تحليل أسباب التعثر ومحاولة مساندتها ودعمها. وهناك أيضا مبادرة لوزارة الصناعة نسعى إلى تمكين معظم المصانع من الاستفادة منها. والأهم من ذلك أن نعمل على وقف تعثر أى منشآت جديدة، وذلك من خلال برامج تنمية وتحديث وتدريب متميزة. الوفد: ملف الطاقة ملف ثقيل أيضا؟ ما مقترحاتكم لتوفير طاقة كافية للصناعة المصرية؟ أعتقد أن هناك مبادرات متميزة قدمتها وزارة الصناعة منها مبادرة بحث توفير الطاقة لمصانع الأسمنت من خلال الفحم. إن هذا موجود فى كبرى دول العالم ولابد من تفعيله فى مصر. ولقد قدم اتحاد الصناعات دراسة متكاملة حول مستقبل احتياجات الصناعة من الطاقة ويتم حاليا دراستها فى الحكومة. الوفد: لا أتصور أنه يصح حتى الآن أن يبقى اتحاد الصناعات المصرية جزءاً من الحكومة. إن قانون الاتحاد يعود لعام 1958 وهو مازال يمنع انتخاب رئيس الاتحاد ويتم تعيينه من خلال وزير الصناعة. متى يصبح الاتحاد مستقلا؟ قريبا.. إننا بالفعل نعمل على وضع قانون جديد يجعل رئيس الاتحاد منتخباً، ويلغى التعيينات تماما على أن يعاد تصنيف القطاعات الصناعية داخل كل غرفة لضمان تمثيلها من خلال العملية الانتخابية. وفى تصورى أن نظام الانتخاب فى حاجة إلى تعديل، ففى كل دول العالم تقسّم القطاعات الصناعية إلى قطاعات كبرى ومتوسطة وصغرى، ويتم تمثيلها جميعا ويصبح الاتحاد معبرا عن كافة القطاعات ومختلف المستويات. الوفد: بمناسبة الانتخابات، لماذا تم تعطيل انتخابات غرفة الصناعات النسجية، ومتى تعود الغرفة مرة أخرى للعمل؟ بالنسبة لهذه القضية ليس لى موقف شخصى محدد، لكن هناك قرار من مجلس ادارة اتحاد الصناعات بأغلبية الأصوات بفصل أعضاء غرفة الملابس الجاهزة عن غرفة الصناعات النسجية وقد شكلنا لجنة لمحاولة التقريب بين وجهات نظر صناع المسنوجات وصناع الملابس وتمسك كل طرف بموقفه وفوجئنا وقت الانتخابات بترشح ثلاثة أعضاء من غرفة النسيج على مقاعد ثلاثة لشعبة صناعة الملابس وطلبنا من الغرفة الالتزام بقرار وزير الصناعة بانشاء غرفة للملابس والغاء تخصيص مقاعد لشعبة الملابس ولم يستجيبوا، فقررنا إيقاف الانتخابات ورفعنا الأمر إلى هشام رجب المستشار القانونى لوزير الصناعة وأقر الإجراء، وهناك الآن لجنة لادارة الغرفة لحين إجراء الانتخابات التى نعد لها بالفعل وسيتم تنفيذها قريبا. الوفد: لكن.. ألا ترى أن انفصال الغرف فى غير صالح الصناعة، خاصة أن هناك دعوات لمصانع البلاستيك للانفصال عن غرفة الصناعات الكيماوية، ودعوات لصناعة الاجهزة للانفصال عن غرفة الصناعات الهندسية؟ أنا معك تماما. أنا ضد الانفصال، ولو استطعنا دمج غرفتى الدباغة والجلود مرة أخرى لفعلنا. لكن فى بعض الأحيان تتعارض المصالح بشكل صعب ويتجاهل طرف ما مصالح طرف آخر. لكن علاج ذلك يتم من خلال اختيار صناعات لها طبيعة واحدة ودراستها بشكل قطاعى والعمل على تطويرها وتحديثها، ونحن نعيد حاليا تفعيل دور مركز تحديث الصناعة فيما يخص هذا الشأن. الوفد: ما الجديد فى الدورة الحالية من توجهات؟ سنناقش مشكلات الشركات القابضة الصناعية، وقد وجهنا الدعوة لعدد كبير من رؤسائها لأن اتحاد الصناعات لا يعبر فقط عن القطاع الخاص وإنما يعتبر القطاع العام شريكاً أساسياً فى التنمية، وسنبدأ بقطاع الغزل والنسيج. كذلك نحن نعيد تشكيل اللجان النوعية ونضع استراتيجية عامة يتم تنفيذها على مدى الدورة الحالية، وفيها تفعيل للعلاقات الخارجية والدولية وتركيز على دعم القطاع غير الرسمى ومحاولة ترسيمه وضمه للعمل بشكل منتظم. وهناك فكرة جيدة نعمل على دراستها وطرحها بشكل جيد لتأجير مصانع كاملة تكون ملك للدولة بكافة مرافقها وهى فكرة ناجحة فى كثير من دول العالم.