رغم أن إبراهيم باشا «ابن محمد على الكبير» توفى يوم 10 نوفمبر 1848 وعمره 60 عامًا.. إلا أنه مازال حيا بيننا.. ومازال رابضا فوق حصانه فى الميدان الذى يحمل اسمه وسط القاهرة.. وهو يشير لكل المصريين، لكى يتقدموا للأمام وليس فقط يشير لجنوده أن يتقدموا نحو الاستانة «اسطنبول الحالية وكانت عاصمة للامبراطورية التركية العثمانية» حتى إن المصريين يطلقون عليه «إبراهيم باشا أبواصبع»! إبراهيم باشا هذا هو بطل مصر القومى.. وقائد جيوشها المظفرة الذى كانت لبطولاته هذه اليد الطولى فى تحقيق استقلالها.. ولكن ما هى مناسبة هذا الكلام؟ بكل بساطة أهدى هذا المقال إلى رئيس وزراء تركيا الآن رجب طيب أردوجان الذى يقود حربًا شعواء ضد مصر وضد ثورتها.. وأغلب الظن أنه يريد أن ينتقم من مصر الحالية بسبب إبراهيم باشا الذى أذل السلطان التركى محمود وهزم كل جيوشه، أكثر من مرة.. بل وهدد عاصمته نفسها بعد أن صار على بعد كيلومترات قليلة منها.. وكاد يسقطها ويرفع عليها علم مصر.. ايه الحكاية. كان محمد على مصممًا على الانفصال عن تركيا وإعلان استقلاله عنها.. وإذا كان محمد على قد ساعد السلطان التركى فى حربه فى اليونان «المورة» عام 1827 إلا أن محمد على رفض مساعدة سلطان تركيا فى حربه ضد روسيا فى العالم التالى، بعد أن وضح له أن تركيا تريد اجهاد الجيش المصرى.. وكان محمد على - وولده الأكبر إبراهيم باشا.. يخطط لضم سوريا إلى مصر لتكوين دولة عربية واحدة بعيدًا عن سلطان تركيا.. فقد كان إبراهيم باشا يعد نفسه عربيًا.. ولذلك كان يطعن فى الأتراك.. وعندما سأله أحد جنوده: كيف يطعن فى الأتراك وهو منهم.. فأجابه إبراهيم على الفور.. أنا لست تركيا فإنى جئت مصر صبيًا.. وكان عمره وقتها 16 عامًا ومنذ ذلك الحين قد مصرتنى شمسها وغيرت من دمى وجعلته دمًا عربيًا.. لهذا كان يحلم بتأسيس دولة عربية مصرية تجمع شمل الناطقين بالعربية وتحيى عهود الفاطميين والأيوبيين والمماليك الكبار حين كانت مصر تضم إلى رقعتها سوريا وجزيرة العرب. بل إن إبراهيم باشا لم ينفذ تعليمات والده محمد على بأن يتوقف جيشه عندما ينتهى الكلام بالعربية أى جنوب جبال طوروس شمال سوريا.. وتقدمت جيوش مصر إلى داخل الأراضى التركية.. وتقدمت قوات إبراهيم باشا فى كل مدن فلسطين وسوريا ومن ضمنها عكا التى عجز عنها بونابرت.. وتوالت الانتصارات المصرية رغم أن الجيش التركى كان أكبر عددًا وأكثر تسليحًا حتى أن السلطان أعلن عصيان محمد على.. وعين واحدًا من أكفأ قوات تركيا قائدًا لهذه القوات.. وكانت بداية الانتصارات المصرية الكبيرة موقعة حمص ومحت هذه المعركة ذكرى هزيمة جيش مصر فى الريدانية أمام العثمانيين أيام طومان باى.. والتى بها دخل الأتراك القاهرة.. وتحولت مصر إلى ولاية تركية عام 1517. وتوالت انتصارات إبراهيم باشا قائد جيش مصر فى بيلان جنوبى الإسكندرونة وبعدها دخل الجيش المصرى أرض الأناضول «تركيا» وأسرع السلطان فأرسل جيشًا كبيرًا بقيادة الصدر الأعظم رشيد باشا يضم 53 ألف مقاتل وهو خير قواد تركيا.. وفى قونية وقعت المعركة الكبرى. وانتصر جيش مصر باكتساح بل وأسر القائد التركى رشيد باشا نفسه بعد معركة استمرت 7 ساعات وفتحت هذه المعركة الطريق إلى الاستانة.. وأصبح جيش مصر على مسيرة ستة أيام من البوسفور.. هنا تدخلت أوروبا ووقفت بجانب السلطان وضد محمد على ولكن جيش مصر واصل تقدمه واحتل كوتاهية وأقام حكم مصر فى أزمير!! وتحت الضغط الأوروبى تم توقيع اتفاق كوتاهية الذى حدد حدود مصر عند جبال طوروس. ولكن أوروبا نجحت فى تأليب سكان سوريا وفلسطين ضد مصر حتى أن محمد على نفسه سافر إلى فلسطين.. وهنا أعلن محمد على نفسه استقلال مصر عن تركيا. وبدأت حرب الشام الثانية بعد أن أرسل السلطان جيشًا كبيرا ليتصدى للجيش المصرى.. ووقعت معركة نصيبين - وهى داخل الأراضى العثمانية وكان الجيش التركى يقوده الضابط الألمانى الشهير «دى مولتكه وكان ذلك فى يونية 1839.. وانتصر جيش مصر باكتساح». ولما وصل الخبر إلى السلطان محمود توفى كمدًا وحزنًا، وهنا قام أحمد باشا فوزى بتسليم الأسطول التركى إلى محمد على.. فى الإسكندرية. وعندما أقام الخديو إسماعيل تمثال والده إبراهيم باشا فى القاهرة سجل على قاعدة التمثال وقائع هذه المعركة.. وهذا ما يذكر أردوجان بهذه الكارثة التركية فإن كان قد نسى.. فإننا ندعوه لزيارة ميدان إبراهيم باشا ليشاهد هذا على قاعدة التمثال.. تماما كما سجلنا على دار القاضى فخر الدين بن لقمان قصيدة جمال الدين بن مطروح حيث سجن ملك فرنسا لويس التاسع عام 1250م وفيها يقول: قل للفرنسيس إذا جئته مقال حق من فؤول فصيح. دار ابن لقمان على حالها.. القيد باق والطواشى صبيح!! وهذا المقال أهديه إلى أردوجان.. عله يتعظ.