العلاقات المصرية الإيرانية.. علاقات تاريخية.. تحمل تلاحماً ومودة قلما تواجدت بين الدول حتي أن شاه ايران محمد رضا بهلوي لجأ الي مصاهرة مصر والأسرة الحاكمة فيها حيث تزوجت الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق... صحيح ان هذا الزواج لم يستمر طويلاً.. الا انه كان يحمل دلالة علي عمق العلاقات بين البلدين.. وبعد الثورة الإيرانية التي قادها الخميني عام »79« حدث تحول غريب في العلاقات بين البلدين مصر ايران. فمن ناحية أرادت ايران تصدير ثورتها الي المنطقة العربية المحيطة.. وهنا اصبحت في عداوة شديدة مع دول الخليج التي تخشي علي عروشها وحكامها من المد الايراني خاصة ان معظم البلاد العربية تضم مواطنين من الشيعة، وبالتالي نظر هؤلاء الي ايران علي انها قبلتهم وكعبتهم وأملهم في مستقبل أفضل لمذهبهم وتسيده للإسلام. أما عن مصر فقد كانت المخاوف من إيران تنقسم لعدة أسباب أولها الخوف من المد الشيعي... وتأثير الثورة الايرانية خاصة وان التيارات الإسلامية سنية أو شيعية تطلعوا لايران علي انها بلد الإسلام وحصنه الحصين، ومن ناحية أخري هددت ايران الثورية دور مصر المحوري والقائد للعالم العربي والإسلامي وهو دور اكتسبته مصر منذ الأزل بحكم الموقع والتاريخ هنا شعرت مصر بالخطر.. وجاءت الطامة الكبري والتي أدت لتوتر شديد في العلاقات عندما قبلت مصر والسادات استقبال شاه ايران بعد أن رفضت جميع دول العالم أن تؤيه بين جنباتها.. وهنا ثارت ثورة الايرانيين واعتبروا هذا العمل عملاً عدوانياً من قبل مصر خاصة في ظل قطع العلاقات بين البلدين عقب مبادرة السلام مع اسرائيل وزيارة السادات للقدس.. فجاء استقبال شاه ايران وكأنه »القشة التي قصمت ظهر البعير« كما يقولون.. فساءت العلاقات وتوترت حتي بلغت مداها..و بعد اغتيال السادات في 1981 ردت ايران »الصفعة« لمصر.. اذ اطلقت اسم خالد الاسلامبولي قاتل السادات علي أحد الميادين الهامة في ايران... بل وفتحت ذراعيها لكل هارب من الجماعات الإسلامية المناوئة لنظام الحكم في مصر وأشهرهم محمد الإسلامبولي شقيق خالد قاتل السادات والذي حكم عليه غيابياً بالإعدام في مصر.. وظلت العلاقات المصرية الايرانية تتجه من سوء إلي أسوأ حتي باتت إسرائيل أقرب لمصر من ايران المسلمة.. وكان الأمر محيراً لكل ذي عقل فلماذا تتوقف علاقات استراتيجية بين بلدين علي اسم شارع أو ميدان واشتراط مصر إزالة اسم الإسلامبولي قاتل السادات.. كشرط مبدئي لعلاقات طيبة بين البلدين.. ثم ظهر سبب آخر للخلاف وهو ما صرح به وزير الخارجية الايراني لوفد مصري زار طهران مؤخراً إذ قال ان مبارك اشترط عن طريق عمر سليمان لعودة العلاقات بين البلدين بقيام إيران بتسليم متهم مصري في محاولة اغتيال مبارك والتي تمت في أديس أبابا.. وذكر المسئول الإيراني أن بلاده بحثت في طول البلاد وعرضها عن هذا الشخص المتهم بمحاولة اغتيال مبارك فلم تجده!! وهنا ظلت العلاقات في صراع مستمر بين ايران كقائدة لدول الممانعة والتي تضم سوريا وقطر ولبنان، ومصر كقائدة لدول الموالاة وتضم السعودية وباقي دول الخليج خاصة مع تمسك ايران باحتلال عدة جزر إماراتية بل واطلاق اسم الخليج الفارسي علي الخليج العربي وكان هذا الوضع يسعد الدول الكبري وعلي رأسها الولاياتالمتحدة وأوروبا ومن قبلهم اسرائيل والتي لا ترغب في أي علاقات بين مصر وايران.. خاصة أن تحسن العلاقات يصب في تعزيز مكانة البلدين مصر وإيران. حتي جاءت ثورة »25 يناير« المجيدة.. فادركت مصر أهمية وضرورة العلاقات مع ايران... وكان علي رأس من أدركوا ذلك وزير خارجية الثورة نبيل العربي.. فأبدي الرجل حسن النوايا، واعلن ضرورة اقامة علاقات طبيعية وكاملة مع ايران، وهنا ثارت مخاوف كبيرة لدي السعودية وباقي دول الخليج التي مازالت تنظر بتوحش وريبة الي ايران وأطماعها ومآربها في دول الخليج، خاصة بعد توتر العلاقات بين السعودية وايران في أعقاب ثورة البحرين والتي قام بها الشيعة هناك والذين يمثلون أغلبية البلاد والذي يصل عددهم لحوالي »65٪« من عدد الشعب البحريني في حين ان الحكم في يد السنة وهنا تدخلت السعودية وقدمت كل دعم لوأد ثورة البحرين مما جعل ايران تعتبر ذلك عداء لكل الشيعة سواء في البحرين او ايران او العراق وارادت مصر طمأنة الخليجيين، فقام عصام شرف بزيارة لكل من السعودية والكويت والامارات وهناك أكد لهم ان أمن الخليج خط أحمر وان العلاقات بين مصر وايران لن تكون أبداً علي حساب علاقات مصر الأزلية مع دول الخليج، وأكد نبيل العربي في كل تصريحاته هذا المعني..وحدث تحسن بالفعل في العلاقات بين البلدين حتي أن خطوط الطيران واصلت رحلاتها بين البلدين.. وسافرت الوفود الرسمية والشعبية بيين البلدين.. وتوقع الجميع رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين الي مستوي السفارات.. ولكن في لحظة واحدة حدثت كارثة باتت تهدد العلاقات بين البلدين.. اذ كشفت مصر مؤخراً عن قيام مسئول ايراني يدعي قاسم الحسيني موظف بمكتب رعاية المصالح الايرانية في مصر بالتجسس وانشاء شبكة تجسس علي مصر وتم القبض عليه وترحيله الي بلاده!! وهي واقعة سيكون لها بلاشك..واقعها السيئ للعلاقات بين البلدين..بل ويمكن ان يقال انها ستنسف الجهود الرامية لتحسن العلاقات بين البلدين.. وكل الأمل في ان يتجاوز البلدان هذه الواقعة المؤسفة، لاسيما لو اعتذرت ايران واوفدت وفداً رسمياً لتقديم اعتذارها لمصر خاصة وان هذه الواقعة قد ألغت سفر وفد شعبي مصري كبير كان مقرراً توجهه الي ايران بهدف تحسين العلاقات بين البلدين الا ان ما حدث حطم كل الجهود.. نتمني تجاوز هذا الموقف المؤسف، وذلك لأهمية واستراتيجية العلاقات بين البلدين لخدمة الاسلام والعروبة والصراع التقليدي مع اسرائيل.. فليس من المعقول ان تصبح ايران عدوة واسرائيل دولة صديقة!!