عندما يأتي العيد قبل رمضان فلا تتعجب، فإنك في مصر، بلد العجائب والغرائب والمعجزات.. والعيد «فرحة» والفرحة قد عمت ربوع مصر بانتصار شعبها في ثورة 30 يونية 2013.. فمصر اليوم ليست أبداً كمصر الأمس.. ورمضان هذا العام تماماً كرمضان عام 1973، الذي عشته وأدركت إدراك الواعي كل ما حدث فيه من انتصارات انعكست على الشعب وأعادت له الروح المفقودة. كنت وقتها في بداية المرحلة الثانوية، وكنت واعياً بما يدور ومدركاً للأمور بحكم النشأة في أسرة معظم همها كان السياسة والعمل العام.. وقتها توحد المصريون جميعاً على قلب رجل واحد، خلعوا عنهم كل سوءات البشر، كانوا كما لم يكونوا من قبل، كانوا شعباً حراً أبياً، استحق أن يوصف - كما يوصف الآن - بأنه الشعب المصري.. تخلى هذا الشعب في رمضان 1973 عن الأنانية، ودبت فيه روح الجماعة، ولم يظهر بينه بلطجي يمارس العنف والترويع، فكل البلطجية وقتها تحولوا الى مواطنين صالحين.. ولم تسجل أقسام الشرطة ومراكزها أية محاضر لحوادث سرقة أو مشاجرات أو ممارسة عنف أو بلطجة، ولم تشهد شوارع مصر أي خروج على القانون أو مخالفة العادات والتقاليد والشرائع، توحد المصريون فصاروا الكل في واحد، وسادت روح المحبة والسماحة والأخوة. ونحن في عام 2013 أشعلنا ثورة شعبية، على الجهل والكذب والنفاق والفشل، إلا أن أهل الفتنة وإخوان الشياطين يحاولون باستماتة إجهاضها وإفشالها لصالح أهدافهم الضيقة، غير أن الشعب يواجه ويرفض الردة، ويتصدى لشياطين الشوارع الذين يسفكون الدماء، ويستبيحون المحرمات، دون عقل أو تدبر أن ما يرتكبونه من أفعال يخالف الشريعة الذي أوهموا السُذج أنهم يخوضون حرباً لتطبيقها.. يريد أهل الفتنة من خفافيش الظلام إظهار مصر كما لو كانت منقسمة، ويحاولون إظهارها كما لو كانت تتصارع ضد انقلاب على الشرعية، وهم من تحدوا الشرعية - شرعية الشعب والثورة - ويحاولون طمسها. المصريون في رمضان عام 1973 هم كالمصريين في رمضان عام 2013 غير قلة منهم مُضَلِلة ومُضَللّة رغم قلتها تريد أن تفرض بالعنف أمراً مرفوضاً من جموع المصر. فى رمضان 1973 سالت دماء آلاف المصريين فداء لتراب الوطن، وعمت الفرحة ربوع البلاد، ومع قدوم رمضان 3013 سالت دماء عشرات المصريين فداء للحرية، وتعم الفرحة أيضاً أرجاء الوطن.. والمصريون اليوم يفرحون بالعيد قبل أن يأتي رمضان، وكانت فرحتهم أكبر بكثير من أي فرحة منذ رمضان 1973. ونحن في بداية الشهر الكريم نتضرع الى الله بقلوب مخلصة يملؤها الحب، خالية من الحقد والكراهية، أن يهدي هؤلاء القلة ويعيد اليهم رشدهم وعقلهم الذي سُلِبَ منهم.. اللهم اهدهم واجعلهم مصريين حقيقيين يسيرون في ركب الجموع التى هبَّت ضد من يحاول فرض حالة الظلام على البلاد.