حزيناً ومتحسراً على بضاعته التى بارت، وقف سعيد السيد بائع الفوانيس ينادى على المارة دون جدوى، فالجميع يكتفى بتجريب الفوانيس والسؤال على سعرها ثم المغادرة دون أن يشتروا شيئاً.. يقول سعيد: «اضطرت أن أبيع فوانيس من تصفيات العام الماضى لتكون أقل فى سعراً، وكذلك الفوانيس الفرزين الثانى والثالث، لأن المعيشة أصبحت صعبة، ونسبة الاقبال على الشراء أصبحت ضعيفة، معللا ذلك بالاضطرابات والأحداث التى تشهدها البلاد.. وعن سعر الفانوس يقول «الفانوس أنا كنت بأبيعه السنة اللى فاتت ب 25جنيها والسنة دى بأبيعه ب12 جنيها، بعد أن عملت صيانة واصلاحا له فى بعض الاشياء ورغم ذلك لم يبع». وشكله كده هيقعد للسنة الجاية، ربنا يجعلها أحسن من السنوات اللى فاتت.. وعن طقوسه فى شهر رمضان قال «كان نفسى رمضان ييجى من غير ماتسيل دماء المصريين فى كل شبر فى مصر، وكان نفسى نسمات رمضان وبركاته تقدر تحقن الدماء والمصريين يرجعوا ايد واحدة. ويقول سعيد إن البلد لو استقرت الحياة هتمشى طبيعى، والبيع والشراء هينتظم، وساعتها الناس هتفرح بجد، وتشترى الفوانيس حتى لو مامعهاش فى جيبها غير ثمنه، لأن الفرحة مابتتقدرش بمال. وعن سر ارتفاع أسعار الفوانيس رغم ضعف الإقبال عليها قال «المصريين بيستسهلوا الاستيراد من الصين لأنه بيكون سعره أرخص كتير من المصنوع فى مصر، ولم يعد هناك من يهتم اذا كان الفانوس صناعة مصرية أم لا، وأهم حاجة امكانيات الفانوس الضوئية والصوتية وسعره، مؤكداً أن الصناعة المصرية للفانوس المصرى الأصيل تقريباً اندثرت.. ولما سألته عن حكاية فانوس رمضان وأصله قال لى: ما أعرفشى يبقى مين اللى صنعه، لكن اللى أعرفه إنه من زمان قوى.. وما فيش حد مهتم بمين أول واحد صنع الفانوس.. فقلت له إن هناك العديد من الروايات والحكايات عن فانوس رمضان، إحداها أن الخليفة الفاطمى كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق. وكان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معاً بالغناء تعبيراً عن سعادتهم باستقبال الشهر الكريم. وهناك رواية ثانية تقول إن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يضيىء شوارع القاهرة الفاطمية طوال ليالى رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تُضاء بالشموع أمام المساجد. وتروى حكاية أخرى أنه خلال العصر الفاطمى، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا فى شهر رمضان، وكان يسبقهن غلام يحمل فانوساً لتنبيه الرجال بوجود سيدة فى الطريق لكى يبتعدوا. بهذا الشكل كانت النساء يستمتعن بالخروج وفى الوقت نفسه لا يراهن الرجال. وبعد أن أصبح للسيدات حرية الخروج فى أى وقت، ظل الأطفال متمسكين بالفانوس يحملونها، ويمشون فى الشوارع ويغنون. وهناك قصة أخرى تقول إن الفانوس تقليد قبطى مرتبط بوقت الكريسماس حيث كان الناس يستخدمونه ويستخدمون الشموع الملونة فى الاحتفال بالكريسماس. أياً كان أصل الفانوس، يظل الفانوس رمزا خاصا بشهر رمضان خاصةً فى مصر، وأصبح تقليداً تتوارثه الأجيال، ويقوم الأطفال الآن بحمل الفوانيس فى شهر رمضان والخروج إلى الشوارع وهم يغنون. وقبل رمضان ببضعة أيام، يبدأ كل طفل فى التطلع لشراء فانوسه، كما أن كثيرا من المصريين فى الريف والحضر، يعلقون فوانيس كبيرة ملونة فى الشوارع وأمام البيوت والشقق وحتى على الشجر.. استمع سعيد لحكاية الفانوس وقال : والله حكاية حلوة، ربنا يديم علينا الفانوس ويديم فرحته.. ويحلم سعيد بأن لا يمر رمضان هذا العام إلا والبلد أصبح فى سلام وأمن، وتكون الفتن اتوأدت من أجل الاجيال الصغيرة، حتى وان ماباعشى ولا فانوس..