أثارت رغبة يحيي حامد وزير الاستثمار في إجراء تعديلات علي قانون الاستثمار فور توليه المسئولية وإرسال التعديلات المقترحة إلي مجلس الوزراء استعجالاً للموافقة عليها وطرحها علي مجلس الشوري تساؤلات حول السبب من وراء الرغبة في هذه التعديلات وبهذه السرعة. فضلا عن تكرار طرح تعديلات علي القانون خلال الفترة الماضية، مما يدعو إلي الحيرة من عدم الدقة في تحديد المطلوب من قانون الهدف الأول منه جذب الاستثمارات وتحفيزها، وبالتالي خضع القانون لعدة تعديلات خلال فترة وجيزة. في حين يصر «حامد» علي تأكيد رغبته في هذه التعديلات المقترحة والترويج لها في كافة لقاءاته منذ تولي الوزارة باعتبارها المنقذ لمناخ الاستثمار. وبدعم إخواني من مجلس الشوري الذي من المؤكد سوف يتبني هذه التعديلات ويقرها بسرعة، كما أعادته في القوانين المرشحة من الإخوان «لمزيد من جذب الاستثمارات والقضاء علي المعوقات التي تقف حائلا دون تنفيذ العديد من الاتفاقات الاستثمارية لابد من تعديلات تشريعية لقانون حوافز الاستثمار». إنها الجملة السحرية التي يطلقها كل مسئول عن ملف الاستثمار في مصر يتولي المسئولية تتبعها بعض التعديلات ولا يقف أحد ليسأل ماذا قدمت التعديلات السابقة من سيولة وسهولة في حركة الاستثمار ولماذا الحاجة إلي التعديل الجديد. وهل معني هذا إننا نملك تشريعات ناقصة ومتناقضة تعيق الاستثمار في مصر؟! الواقع أن هناك بعض المواد في القانون الحالي غير مفعلة بسبب تضاربها مع مواد أخري في قوانين مختلفة وأهمها إمكانية تخصيص الأراضي الذي يتعارض مع قانون المناقصات والمزايدات الذي يمنح استخدام حق الأمر المباشر. ونظرة إلي تاريخ قانون حوافز الاستثمار والمعروف بالقانون 8 لسنة 1997 فنجد أنه تعرض لنحو ثلاثة تعديلات علي مواده منذ إصداره كان أولها في 2007 حين وافقت اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب علي تعديل قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1997 يقضي التعديل بإضافة مادة جديدة للقانون تحمل رقم 46 مكرر وتنص المادة المضافة علي أنه يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء علي اقتراح الجهة الإدارية المختصة إنشاء مناطق للاستثمار في مختلف المجالات ويتولي إدارة كل منطقة أو أكثر مجلس إدارة يصدر بتشكيله قرار من الجهة الإدارية المختصة وله أن يرخص لشركات من القطاع الخاص بإنشاء أو تنمية أو إدارة تلك المناطق أو الترويج للاستثمار بها. وكان الهدف من التعديل هو تشجيع إقامة المناطق الجديدة للاستثمار في المشروعات الاقتصادية وفقاً لقواعد الاستثمار الداخلي مع استفادتها من التبسيط الإداري والإجرائي من خلال التعامل مع جهة إدارية واحدة. أما التعديل الثاني فكان حينما أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة مرسوما بقانون رقم 4 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1997، حيث تمت إضافة مادتين جديدتين برقمي 7 مكرر و66 مكرر. وتنص المادة (7) مكرر علي أنه يجوز التصالح مع المستثمر في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات التي ترتكب منه بصفته أو بشخصه أو التي اشترك في ارتكابها وذلك في نطاق مباشرة الأنشطة المنصوص عليها في هذا القانون وفي أية حالة تكون عليها الدعوي الجنائية قبل صدور الحكم البات فيها. ويشترط للتصالح أن يرد المستثمر كافة الأموال أو المنقولات أو الأراضي أو العقارات محل الجريمة أو ما يعادل قيمتها السوقية وقت ارتكاب الجريمة إذا استحال ردها العيني، علي أن يتم تحديد القيمة السوقية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل. وفي حالة صدور حكم نهائي غير بات بإدانة المستثمر يشترط للتصالح بالإضافة إلي ما سبق اتمام وفائه بكامل العقوبات المالية المقضي بها. ويترتب علي تمام التصالح وفقا لما سبق انقضاء الدعوي الجنائية بالنسبة للمستثمر، ولا يمتد الانقضاء لباقي المتهمين معه في ذات الواقعة ولا يستفيدون منه. وتنص المادة (66) مكرر علي أنه من حق رئيس مجلس الوزراء أن يصدر قرارا بتشكيل لجنة لتسوية المنازعات التي تنشأ عن العقود المبرمة بين المستثمرين والجهات التابعة للدولة تكون مهمتها بحث ما يثار بشأنها من منازعات بين أطرافها تتعلق بالعقود المشار إليها. وذلك من أجل تسويتها علي نحو يضمن الحفاظ علي المال العام ويحقق التوازن العقدي، وفي حالة وصول اللجنة مع الأطراف إلي تسوية ودية نهائية تكون تلك التسوية واجبة النفاذ وملزمة بعد اعتمادها من مجلس الوزراء. وللأسف كان النقد اللاذع من نصيب هذا التعديل الذي اعتبره البعض يبيح التصالح مع المستثمر في جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه. أما التعديل الذي طالب به أسامة صالح وزير الاستثمار السابق فكان خاصا بالحصول علي الأراضي وتسهيل عمليات التخصيص، حيث تعد مشكلة الأراضي من أكبر المشكلات التي تعاني منها الاستثمارات. إلا أن هذا التعديل لم ير النور. ومنذ أيام وافق مجلس الوزراء علي الاقتراح المقدم من يحيي حامد وزير الاستثمار بتعديل 3 مواد بقانوني ضمانات وحوافز الاستثمار، والمناقصات والمزايدات، التعديل الأول يعني بإضافة مادة 66 مكرر 1 إلي قانون ضمانات وحوافز الاستثمار، الصادر بقانون رقم 8 لسنة 1997، والتي من خلالها توجد آلية لتنفيذ الأحكام الصادرة في شأن بعض التعاقدات التي أبرمت من جانب الدولة والجهات التابعة لها مع المستثمرين، وذلك لبحث سبل تنفيذ هذه الأحكام وتلافي العوار الذي شاب هذه التعاقدات، بما يحقق الحفاظ علي المال العام ومصلحة المستثمرين وكذلك مشروع تعديل المادة 7 مكرر من قانون ضمانات وحوافز الاستثمار، التي تعني بالتصالح مع المستثمرين عن طريق حضور وكلاء عنهم لإتمام إجراءات التصالح، ما من شأنه أن يبعث الطمأنينة في نفوس المستثمرين. كما وافق مجلس الوزراء علي الاقتراح المقدم من يحيي حامد وزير الاستثمار بشأن مشروع إدخال تعديل علي قانون 89 الخاص بالمناقصات والمزايدات، بحيث يُسمح للهيئات الاقتصادية والجهات ذات الطبيعة الخاصة والهيئات العامة بالتصرف بحرية، بما يتناسب مع مناخ الاستثمار المنشود، ولكن من خلال ضوابط وخريطة استثمارية، تشمل كافة محافظات الجمهورية وكافة القطاعات، وكذا كافة أوجه الاستثمار، بما يخدم تنفيذ الخطة الاستثمارية التي تضعها وزارة الاستثمار وقدم تم عرض مشروع القانونيين علي مجلسي الوزراء الذي وافق عليهما وأحالهما إلي مجلس الشوري. البعض اعتبر أن التعديلات الجديدة الهدف منها التصالح مع رجال الأعمال والمستثمرين وهو الملف الذي تلامس مع بعض مهام يحيي حامد قبل توليه وزارة الاستثمار. القانون القائم كاف لو طبق بشكل سليم هكذا أكد سلامة فارس المستشار القانوني بالهيئة العامة للاستثمار سابقا الذي أضاف أنه لو ثبت أن التعديلات الجديدة في إطار تطوير الأداء فلا مانع منها ولكن المشكلة كما يقول تكمن في أن الفترة الماضية كان كل مسئول ويشغل منصب تنفيذي يقوم بتحضير ملفه لما بعد الخروج من منصبه بحيث يتجنب أي مساءلات وبالتالي كان يغلب علي طابع العمل التحفظ وكان يتم إحالة أي اقتراح لمجلس الوزراء الذي يحيله لمجلس الشعب ثم إلي الرئاسة وبعدها يختلف عليه، وهكذا لا يتخذ القرار. ويضيف «فارس» أن التعديلات المقترحة علي قانون حوافز الاستثمار ربما تجد فرصة في الظهور والتشريع من مجلس الشوري الذي يتولي التشريع حاليا مدعومة بدعم الإخوان للوزير الجديد يحيي حامد وربما ساهم ذلك في انتهائها وخروجها إلي النور. وطالب «فارس» بضرورة الاهتمام بالقضايا الملحة في الاستثمار ولا سيما الاستثمار المحلي، حيث يعد حل تلك المشكلات والتسويات لرجال الأعمال المحليين أفضل رسالة علي تحسن مناخ الاستثمار وإمكانية جذب الاستثمار الأجنبي، وهذا لا يمنع الالتفات إلي مشكلات الآخرين والبحث عن حلول لها.