«كابوس» بحيرة قارون بالفيوم يهدد بتدمير الأخضر واليابس بعد أن ارتفع منسوب المياه بصورة غير مسبوقة وصلت إلى ما يقرب من متر مما أدى إلى غرق المنازل الواقعة على ضفاف البحيرة وتهدم الكثير من الأسوار المقامة على الشاطئ الجنوبى للبحيرة. وهو ما يهدد ببوار عشرات الآلاف من الأفدنة من الأراضى الزراعية ويبدأ الزحف على المنازل والطرق ورغم بدء إطلاق مشروع المصرف القاطع منذ أكثر من شهرين لنقل المياه التى تصب فى البحيرة من مصرف الوادى إلى بحيرات وادى الريان إلا أن منسوب المياه فى البحيرة يواصل الارتفاع، بالرغم من أن أعلى منسوب للبحيرة يكون فى شهرى يناير وفبراير إلا أن المنسوب لايزال يرتفع مما ينذر بكارثة، والغريب أن يتزامن ارتفاع منسوب مياه البحيرة بدء تشغيل مشروع المصرف القاطع الذى كان هدفه الأساسى خفض منسوب المياه فى البحيرة وتقليل كميات مياه صرف الأراضى الزراعية. وإذا ابتعدنا قليلاً عن مشكلة ارتفاع منسوب المياه فى البحيرة، فإن المحافظة تتعرض لمشاكل أخرى وهى عمليات تجريف منظمة فى السنوات الأخيرة سواء فى الثروة السمكية التى يتفنن الصيادون فى استنزافها بطرق الصيد المخالفة وفى أرض البحيرة التى تشهد تعديات غير مسبوقة عقب ثورة يناير، حولت أجزاء كبيرة من الشاطئ الجنوبى إلى خرسانات مسلحة. بحيرة قارون تتعرض لعمليات منظمة لاقتطاع أجزاء منها وردمها والبناء عليها عبر خطة تبدأ بقيام المتعدى بتثبيت «لافتة» على ضفاف البحيرة بأن هذه الأرض ملك له ولا تمر أيام إلا وتبدأ عمليات الردم فى جزء من الأرض يحددها دون أن يتدخل أحد، بل إن بعضهم يتمادى فى ذلك بتقديم مستندات «مضروبة» بامتلاك هذه الأراضى بألاعيب قانونية يتقنها بعض المحامين المتخصصين فى هذه العملية، كما تشهد البحيرة تعدياً من نوع آخر لمياه الصرف الزراعى لأراضى محافظة الفيوم من خلال مصرفى الوادى والبطس وعشرات المصارف الصغيرة بما تحمله هذه المياه من تلوث ومعادن ثقيلة، بل وأيضاً تستقبل الصرف الصحى لكثير من منازل القرى الواقعة على ضفافها مما يلوث مياه البحيرة التى ارتفع فيها نسبة التلوث والملوحة بدرجة كبيرة حتى إن بعض الخبراء أكد «موت» هذه البحيرة خلال 25 سنة. والحقيقة أن باطن بحيرة قارون يحتوى على كنوز من الثروة السمكية من أنواع فريدة من الأسماك مثل البورى والبلطى والجمبرى والموسى وغيرها من الكنوز البحيرة والتى قدرها بعض الخبراء ب210 آلاف طن ولا يستخرج منها سنوياً لا يتعدى أطناناً تعد على اليد الواحدة. والغريب فى الأمر أن الصيادين الذين يستخدمون شباك الصيد الجائر والتى يسمونها «الهبلة» لاصطياد الزريعة يقومون ببيعها بعد ذلك بالكيلو كغذاء للطيور. ويرى بعض الصيادين أن فترة إغلاق البحيرة الصيفية التى تبدأ فى منتصف إبريل وحتى أول يوليو والشتوية فى يناير لإعطاء فرصة لإلقاء الزريعة فى البحيرة حتى تنمو هذه الفترة وأن الصيادين أثناء فترة غلق البحيرة لا يجدون ما يقومون به ويفقدون مصدر رزقهم هم وأسرهم طوال أيام المنع، الأمر الذى قد يجعل بعض الصيادين يلجأون إلى الصيد الجائر والمخالف وبيع الأسماك الصغيرة، بل والزريعة حتى يستطيعوا أن يجدوا قوت أولادهم، ويطالبون المسئولين بضرورة توفير فرصة عمل بديلة خلال تلك الفترة حتى لا يكون هناك مبرر للصياد للجوء إلى الصيد الجائر والمخالف الذى يدمر الثروة السمكية فى البحيرة. يؤكد بعض الصيادين أن سبب تدهور الثروة السمكية وقلة الإنتاج يرجع إلى سيطرة هيئة الثروة السمكية على مقدرات بحيرة قارون، وأن عمليات نقل الزريعة وإلقائها فى البحيرة تتم بطرق غير علمية وغير مدروسة من الهيئة، بالإضافة إلى مشكلة زيادة الملوحة والتى تحاول المحافظة حلها من خلال مشروع الميزان المائى التى تنفذه المحافظة، ويلقى مصطفى محمود، رئيس مجلس إدارة جمعية صيادى الأسماك ببحيرة قارون السابق دائماً وخلال الاجتماعات والمؤتمرات التى عقدت لإنقاذ البحيرة بالمسئولية فى تدهور إنتاج البحيرة إلى بعض الصيادين الذين يقومون بالصيد بطرق مخالفة فى أوقات إغلاق البحيرة، مما تسبب فى تدمير الثروة السمكية بالبحيرة، وذلك على الرغم من الاجتماعات العديدة والدورية التى يتم عقدها للصيادين لتوعيتهم بالطرق السليمة والعلمية للصيد والأوقات التى تضمن تكاثر الأسماك وزيادة الإنتاج. ويشير رئيس مجلس الإدارة السابق أيضاً، إلى أن عدد المراكب العاملة والمرخصة فى بحيرة قارون 605 مراكب، وأن هناك مثلها تمارس عمليات الصيد دون ترخيص مما فتح الباب لتجارة غير مشروعة ببيع الأسماك الصغيرة «الزريعة» لتغذية الطيور، وذلك نتيجة الصيد بشباك مخالفة وجائرة صغيرة الفتحات ويأتى ذلك فى ظل ضعف إمكانات شرطة المسطحات المائية. ويضيف أحد الصيادين ببحيرة قارون، رفض ذكر اسمه، أن السبب فى تدمير الثروة السمكية هو «الهبلة» فى إشارة إلى الشباك المخالفة ذات الفتحات الصغيرة والتى تقوم بتجريف البحيرة وصيد الزريعة قبل أن تنمو وفى وقت إغلاق الصيد بالبحيرة، الأمر الذى يسبب قلة فى الإنتاج تنعكس على الصياد فى سوء حالته المادية وعدم الوفاء بالتزاماته الأسرية لأنه لا يستطيع الحصول على الإنتاج الكافى من الأسماك لبيعه وتلبية احتياجاته الحياتية. ويرى عيد عبدالونيس، صياد، أن فترة إغلاق البحيرة تتوقف مصالح الصيادين تماماً ولا يجدون سبيلاً للرزق ويجب أن يكون هناك بديل لهم خلال فترة الإغلاق الصيفية والشتوية حتى لا يظلم الصياد ولا نعطى الفرصة لبعض الصيادين بالمخالفة فى طرق الصيد. فى حين يقول عبدالواحد عبدالسميع: إن البحيرة لم يعد فيها أسماك ولا نصطاد منها إلا أول أسبوع بعد فترة الغلق وبعد على حد قوله «تنشف» أى أنها تخلو من الأسماك ولذلك أصبح أغلب الصيادين من الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم. وحول مشكلة ارتفاع الملوحة وتسرب مياه الصرف الزراعى والصحى إلى البحيرة يؤكد المسئولون بالمحافظة أنه باستكمال مشروع المصرف القاطع والمسمى بالميزان المائى وأن هذا المشروع يهدف إلى القضاء على نسب الملوحة العالية بالمحافظة وتحقيق التوازن المائى بين المنسوب المرتفع فى بحيرة قارون والمنخفض فى شلالات وادى الريان، كما سيمنع المشروع وصول 65٪ من الصرف الزراعى لأراضى الفيوم من الوصول لبحيرة قارون، مما يقلل نسبة الملوحة بصورة كبيرة، بالإضافة إلى البدء فى العديد من مشروعات الصرف الصحى للقرى الواقعة على شاطئ بحيرة قارون. والمشروع أيضاً يحمى بحيرات الريان من خطر الاضمحلال نظراً لتناقص المياه بها، وهذا المشروع يتحكم فى مستوى مياه بحيرتى قارون والريان يمثل مرحلة أولى لمشروع أكبر يحقق الاتزان المائى لبحيرات الفيوم، كما أنه يسهم فى زيادة الرقعة الزراعية بالمحافظة ويرفر كميات إضافية من مياه الرى لخدمة المناطق التى كانت تعانى مشكلات ندرة مياه الرى التى تصلها!!