منذ سنوات يلح علي خطاب أوجهه لبعض المصريين من المستثمرين أصحاب الرؤية والحس الوطني الذي يرفرف في عنان السماء.. ذلك الخطاب من أجل خطة إنقاذ عاجلة في مجال الزراعة.. كثيراً ما نتداول مصطلح »الحس الوطني« منذ عقود كثيرة ومع هذا كانت تتفاقم مشاكلنا فأشعر أن تلك المصطلحات ما هي إلا عبارات إنشائية تم تفريغها من أهم ما تملكه من بلاغه وما تحمله من عاطفة مرتجفة نحو التفاني من أجل الوطن.. ولأن موضوع الزراعة هو أول درجات سلم الأمن القومي فأردت تحسين المصطلح من »الحس الوطني« إلي »الحس الوطني الذي يرفرف في عنان السماء« في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ مصر تحتاج بلدنا من كل خادم لها أن يكون حسه وطنياً يرفرف في عنان السماء.. فيعود إلي الأرض مغتسلاً من نور السماء فيسمو فوق العصبيات والاختلافات الفكرية والأيديولوجية.. يعود ناذراً نفسه للإله الذي خلقه وخلق الأرض ومن عليها.. ومن ينذر نفسه لله فقد نذرها قولاً وفعلاً لرفعة الإنسان.. ومن رفع قدر الإنسان وساعد في تأمينه في مأكله ومشربه.. فقد وضع حجر الأساس الصلب للأمن القومي لمصر.. فكان أجره علي الله وثروته لا تقدر بثمن ولا يحدها شواطئ مصر المترامية.. لأن الوطن كله والشعب بأكمله قد أعطاه ثروة الحب والتي هي أبقي وأعز من الثروة المادية.. ولأن قضية الزراعة تلح علي عقلي وقلبي بشكل شبه يومي وأحياناً طول اليوم.. وذلك منذ سنوات.. فكنت دائم البحث عن شخصيات أو جماعات أو جمعيات.. أتقدم إليها برجائي أن تنتبه إلي أهم أبجديات الأمن القومي المصري.. ألا وهي الزراعة. وكان الأستاذ نجيب ساويرس واحداً مهماً من القائمة التي أردت البوح لها بأحلامي من أجل شعب مصر وعلاقة الزراعة ببقائه علي قيد الحياة آمناً.. أردت أن أكتب للسيد ساويرس منذ عدة أعوام.. ودون قصد لم يحدث ذلك!! السيد نجيب إن الوطنية عقيدة.. من أجل هذا احترم جداً الوطني البطل مكرم عبيد وافتقد خبرة الدكتور بطرس غالي في أفريقيا وتبادله حروف الوطنية مع أنور السادات بالهمس.. وأحترم أخلاق الدكتور مجدي يعقوب وكم كنت أتمني أن يتواجد بيننا برأيه المتجرد في تلك الأيام.. فمصر في حاجة الآن قبل أي وقت مضي لرجال بنفس أخلاقه.. كما كانت قصة جدي »عم والدتي« عالم الأزهر الشيخ إبراهيم عبدالهادي مع السيد برتي ونيس عبدالملك رئيس مدينة قويسنا في عام 1960 قصة من الزمن الجميل.. يجب أن تعلمها مصر كلها ويتعلم منها شباب اليوم.. حيث نشأت صداقة بين الاثنين لأنهما كانا رجلين يزن كل منهما الآلاف من رجال هذا الزمان في الفكر والوطنية وسلامة الفطرة.. فعندما أراد عالم الأزهر إنشاء معهد أزهري.. خصص له السيد ونيس عبدالملك مقر محكمة قديمة بقويسنا وقام معه بجمع التبرعات والسهر علي إتمام بناء المعهد.. وكثيراً ما كنا نستمع منه عندما يعود إلي قريتنا بمحافظة الشرقية عن حكاياته وصداقاته النادرة مع المسلمين والمسيحيين علي حد سواء في مكان عمله بمدينة قويسنا.. هؤلاء كانوا رجالاً محترمين مخلصين لبلدهم، هل يستطيع المصريون اليوم مسح الغبار الذي تراكم علي معدنهم النفيس وإعادة عصر هؤلاء الرجال الأنقياء؟ السيد نجيب ساويرس: هل لك أن تسعي لعمل مليونية مصرية - ألمانية موازية لمليونية التحرير من أجل عمل عاجل لزراعة أجزاء من صحراء مصر الشمالية؟.. هل ستسهم في قفزة زراعية متوازية مع قفزة وزارة الزراعة؟.. مصر الآن في أمس الحاجة لذلك.. لا ندري ماذا يحدث إذا ظلت أسعار الخضر علي ارتفاعها خلال سنة أو نصف سنة. وهأنذا أطالع في الصحافة بعد الثورة تصريحاته ورغباته نحو الإسهام في تغيير وجه مصر إلي الأفضل.. ولا سيما ما يقوم به من مجالات للتعاون بين ألمانيا ومصر.. وكنت قد اقترحت في مقابلة صحفية مع جريدة ألمانية في صيف 2009 عندما أرادت الجريدة أخذ حوار صحفي مني عن الحضارة والآثار المصرية وارتباطهما بنمو حركة السياحة الألمانية إلي مصر.. كنت قد بادرت الصحفية بسؤال مني: هل لك أن تسأليني كمصري ماذا تريده أنت كمصري من ألمانيا أو كيف تستطيع ألمانيا مساعدة مصر؟.. وقد كان.. ونزولاً علي رغبتي استمعت باهتمام إلي إجابتي عن ذلك السؤال. وتلك الإجابة أضعها بين يدي السيد نجيب ساويرس ومن يستطع مد يد العون له: قلت لها: مصر في أمس الحاجة لمن يأتي تقنية زراعية حديثة ومكثفة ليحيلها إلي أرض خضراء.. وأنتم في ألمانيا متقدمون جداً في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني.. وأغلي أمنية لي هي أن يتم التعاون الفوري بين مصر وألمانيا علي أن تقوم الست عشرة ولاية الألمانية بعمل ستة عشر مشروعاً زراعياً حيوانياً تنافسياً في مصر في آن واحد علي أن يصحب ذلك مشروع لإنتاج الثروة الحيوانية عن طريق نقل سلالات الأبقار أو التلقيح الصناعي وكذا تدريب مجموعة شباب مصرية هناك علي أعلي تقنية لتربية الماشية لتكون النتيجة ملموسة من حيث حجم الإنتاج وكذلك امتصاص الأيدي العاملة.. وإذا تم ذلك سيصنع الشعب المصري نصباً تذكارياً لكل ولاية في المشروع الذي أنجزته تلك الولاية.. لقد نشر هذا الحوار علي نصف صفحة بإحدي الجرائد المحلية بولاية بافاريا.. يترجم اهتمامي هذا بالزراعة وإنتاج الثروة الحيوانية سعيي الدائم لزيارة الفلاحين هناك أو في النمسا وسويسرا للاطلاع علي القفزات التي حققوها في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني وكي أمني النفس بما أحب أن أراه متحققاً في بلدي.