كانت الحالة المزاجية لجمهور احتفالية دار الأوبرا المصرية بليلة المولد النبوي.. يغلب عليها ما يحدث في الشارع المصري من أحداث ساخنة.. وربما يكون قرب الأوبرا من ميدان التحرير، وما شهده من تراشق بين الشرطة، وبعض المحتجين في هذه الليلة، هو الباعث الحقيقي لتلك الحالة المزاجية. والتي بدأنا نرصدها بالأحاديث الجانبية للجمهور قبل بداية الحفل، وبين الفاصلين الأول والثاني. وتبلورت بشكل أكبر عندما غنت المطربة الشابة أميرة أحمد رائعة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، وموسيقي جمال سلامة «استيقظي يا أمتي من قبل أن تتمزقي»، والتي أصر جمهور الحفل علي أن تعاد كاملة، وهو ما جعل المايسترو عبدالحميد عبدالغفار يستدعي أميرة أحمد لخشبة المسرح مرة أخري لإعادتها. من بين كل الأغاني التي قُدِمت. إعادة الأغنية كما قلنا ارتبطت بالحالة المزاجية لأن كلماتها تعكس الوقت الراهن الذي نعيشه في مصر من تمزق، وانقسام. رغم ان هذا العمل قدمه الأبنودي أثناء أحد احتفالات أكتوبر لرصد انقسام ما كان قد ضرب الأمة العربية. لكن الكلمات التي تقول «استيقظي يا أمتي من قبل أن تتمزقي من قبل ان تتشتتي في ظلمة الدرب الشقي. فلنتظري، فلنتظري كل الشعوب توحدت إلا أنا كل الجهود تكاتفت إلا أنا أنا الذي أدمي أنا أنا الذي اسبي أنا يا أمتي يا أمتي استيقظي ذكراك يا علم الهدي جاءت وهذه أمتي تبكي علي أمجادها تمضي بغير رسالة اعداؤها يخططون، يدبرون، يتآمرون يا أمتي ودائما نقول كنا.. ودائما نقول كنا يا أمتي نريد ان نكون هذا المعني الذي تؤكده الأغنية هو الذي كان يبحث عنه جمهور هذا الحفل. هذا كان لسان حالهم، ومحور حديثهم. لذلك لم يجدوا أمامهم إلا الإصرار علي إعادة الأغنية، ومقاطعة المطربة بالتصفيق الحاد لانها تحدثت بلسانهم جميعاً. الحفل تضمن أغاني أخري قدمها مجموعة من الشباب الذي يمثل مستقبل مصر في الغناء، ويؤكد دائما ان المغني المصري لسه بخير. الحفل بدأ ب «ساعة ولد الهدي» كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان جمال سلامة وأداء إيمان عبدالغني. و«خد بايدي» كلمات علية الجعار، وألحان عبدالمنعم البارودي وأداء أمينة سمير. و«أم النبي» لعبدالسلام أمين، وأداء مروة حمدي، وابتهالات «مولاي صلي وسلم» للأمام البوصيري وألحان صلاح غباشي وأداء إبراهيم راشد. وهذا الصوت يجب ان نتوقف أمامه كثيراً لأنه من أفضل الأصوات التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة، ومن الظلم ان نضعه في إطار الأغاني الدينية فقط. لأنه خامة نادرة من الممكن ان يؤدي لسيد مكاوي ووديع الصافي وآخرين.. والاهتمام به يجب ان يكون مسئولية المسئولين عن الموسيقي العربية بالأوبرا. كما أدت حسناء أغنية «نبينا هادينا» لعبدالوهاب محمد، وجمال سلامة، و«يا محمد» لعبدالفتاح مصطفي، وألحان عبدالعظيم محمد، وأداء المطربة الواثقة من نفسها آيات فاروق. كما أدت رحاب مطاوع «سلام الله يا طه» لعبدالوهاب محمد، وألحان جمال سلامة.. وكان ختام الفاصل الأول.. مي فاروق برائعة بيرم التونسي، ورياض السنباطي «القلب يعشق كل جميل» ومي فاروق هي الصوت الذي يمثل جسر التواصل بيننا وبين زمن الكبار. فهي تمثل رمزاً للغناء الجاد، والأداء الرفيع. وهي كل يوم تتخطي زميلة ممن ظهرن معها في نفس الجيل. الفاصل الثاني كان للمطرب الكبير محمد ثروت أحد الذين أعادوا للغناء الديني شعبيته خلال السنوات الأخيرة.. وله تجارب كثيرة في هذا الإطار أبرزها عندما تحدث الجميع وأصر علي أن يقدم هذا الغناء الديني علي شواطئ مارينا، وكانت المناسبة أيضا ليلة المولد النبوي. في هذه الليلة.. قدم ثروت أعمال «لجل النبي» للكحلاوي و«صلوا عليه وسلموا»، ويا عاشق روضة الهادي، وصلوات وأشرقت أنوار محمد، وبحق طه والمسيح، واعتذار. الحفل ديكور محمد الغرباوي، إضاءة ياسر شعلان، مؤثرات صوتية أشرف عبدالمحسن، قيادة موسيقية عبدالحميد عبدالغفار وإخراج جيهان مرسي وحضره 1200 مشاهد يمثلون إنماطاً مختلفة من المجتمع بينهم منتقبات وملتحون.