شهدت الاستثمارات الأجنبية الوافدة الي مصر تراجعا كبيرا في الفترة التالية لثورة 25 يناير وفشلت كافة المحاولات الهادفة إلي جذب المزيد منها بل تعدي الأمر إلي الفشل في الحفاظ علي الاستثمارات القائمة وإذا كان هذا التراجع مفهوماً في إطار تخوف المستثمرين الأجانب من الدخول في مشروعات جديدة وتفضيل الوقوف علي خط الانتظار، إلا أن الأمر يبدو مختلفا بالنسبة إلي الاستثمار المحلي الذي فقد خلال الفترة الماضية أكثر من نحو 20 مليار جنيه، إذ إن معني ذلك أن عجلة الاستثمار والتشغيل في تراجع متواصل. وبالطبع فإن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار المحلي كان له انعكاس مباشر علي تراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي والذي بدا أنه قد يصل إلي مرحلة الخطر خلال الفترة القادمة، إذ ارتفع معدل تآكله من 35 مليار دولار إلي أن وصل إلي أقل من 15 مليار دولار. كما تراجعت فرص العمل وارتفعت معدلات البطالة الي أكثر من 13٪ في الآونة الأخيرة. يبدو أن التوقعات للفترة القادمة لا تحمل الكثير من الأمل، إذ يبدو أنه لا خطة علي الإطلاق فيما تنتهجه وزارة الاستثمار من عمل في الفترة الحالية ، فالصورة القائمة التي صاحبت حالة الاستثمار في مصر خلال الفترة الماضية مرشحة لمزيد من القتامة وتؤكد الأرقام أن معدل الانهيار في الاستثمار الأجنبي المباشر كبير ومن الصعب علي مصر في الوضع الحالي ان تستعيد ما فقدته. في عام 2007- 2008 سجل الاستثمار الأجنبي المباشر أعلي معدل له في مصر حيث بلغ 13٫1 مليار دولار ثم بدأ التراجع متأثرا بالأزمة المالية العالمية التي ضربت الرهن العقاري في أمريكا ومنه امتدت آثارها السلبية الي أغلب دول العالم حيث تراجع معدل الاستثمار الأجنبي علي مستوي العالم ككل وبالتالي تراجع نصيب مصر إلي ان وصل إلي 8 مليارات و300 مليون جنيه في 2009 ثم 6 مليارات في 2010 ليبدأ التراجع الأكبر وترصد الأرقام أن الاستثمارات الأجنبية لم تحقق أكثر من 2 مليار دولار في الفترة من 2010 إلي 2011 وأغلبها توسعات في مشروعات قائمة وقليل منها الجديد، أما في عام 2011- 2012 فإن إجمالي ما تم رصده من استثمارات أجنبية جديدة دخلت مصر لم تتعد 255 مليون دولار أي أنه بحسبة بسيطة يمكن القول بأن مصر خسرت أكثر من 95٪ من الاستثمار الأجنبي المباشر القادم إليها. نفس الأمر بالنسبة إلي حركة تأسيس الشركات والتي شهدت تباطؤ غير مسبوق ووفقا لبيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة فقد تراجع معدل التأسيسي إلي النصف تقريبا ففي الفترة من يناير إلي نوفمبر 2010 حيث تم تأسيس 6508 شركة ما بين استثمار داخلي وقانون 159 ومناطق حرة بلغت التدفقات النقدية لها نحو 7مليارات و981 مليون جنيه في حين بلغت حركة التأسيس في الفترة من يناير إلي نوفمبر 2011 نحو 5653 شركة وبلغت قيمة التدفقات النقدية لها نحو 3 مليارات و309 ملايين جنيه، وهي نسبة انخفاض تتجاوز النصف في حين أن نسبة التأسيس لا تعني بالضرورة أن تلك الشركات قد بدأت العمل بالفعل وساهمت فعلا في خلق فرص عمل أو استطاعت ان تحرك الاقتصاد القومي. وتلعب الاستثمارات الخاصة في مصر دورا مهما، إذ تشكل وفقا للاحصاءات الرسمية نحو 70٪ من حجم الاستثمارات في مصر وهي أيضا أصابها التراجع حيث تشير البيانات الرسمية إلي أن الانخفاض في الاستثمارات الخاصة بلغ نحو 20 مليون جنيه خلال الفترة الماضية. الغريب هو موقف الترويج لفرص الاستثمار الذي تنتهجه وزارة الاستثمار حاليا والهيئة العامة للاستثمار فلا توجد حتي الآن خطة معلنة لخريطة الترويج بل زاد علي ذلك أن إدارة الترويج للاستثمار التابعة للهيئة العامة للاستثمار لا نسمع لها حساً وحل محلها وبشكل واضح مجهودات جمعية «ابدأ» للأعمال التي انشأتها جماعة الإخوان المسلمين ويرأسها حسن مالك القيادي بالجماعة الذي أصبح يتحدث عن جذب الاستثمارات ويشارك في الزيارات الخارجية ربما أكثر مما تقوم به الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة التي تفتقد حتي الآن القوة والهيمنة علي العمل. في ذات الوقت لا يمكن إغفال تباطؤ الحكومة ووزير الاستثمار في تعيين رئيس جديد لهيئة الاستثمار ففي الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن ضرورة الترويج للاستثمار الأجنبي ودفعه إلي المجىء إلي مصر نجد أن أكبر كيان حكومي معني بهذا العمل وله خبرة سابقة ومعتبرة في الترويج للاستثمار بلا مسئول مباشر عنه مع اكتفاء أسامة صالح وزير الاستثمار بالقيام، دورين في آن واحد، الأول وزيرا للاستثمار والثاني رئيس للهيئة وهو عمله السابق قبل اختياره وزيرا، وللأسف فإن هذا الوضع يخصم من أداء الهيئة ولا يضيف للوزير الذي بدا كأنه حائر بين مهام هلامية غير واضحة المعالم فلا هو استطاع أن يعيد عجلة الاستثمار الي الدوران ولا نجع في انقاذ شركات قطاع الأعمال العام من كوارثها. ووفقا لاحصاءات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة فإن حملات الترويج التي قامت بها الهيئة في الفترة من 2006 إلي 2010 كانت صاحبة الفضل في وصول نحو 30 مليار دولار استثمارات أجنبية إلي مصر في تلك الفترة والتي تراجعت بفعل عوامل عديدة أهمها الأزمة المالية العالمية ثم مناخ ما بعد الثورة، وخلال عام 2008 كانت هناك أكثر من 18 رحلة ترويجية للاستثمار في الخارج. ووفقا لما أعلنه أسامة صالح بعد توليه المسئولية فإنه كانت هناك خطة تعد لتحديد أولويات الترويج للاستثمار علي أساس الدول الأكثر استثمارا في مصر والدول الأكثر استعدادا للدخول الي السوق المصري إلا انه بمرور الوقت لم تظهر ملامح لأي خطة وظهر الحديث عن الترويج أقرب لكونه يتم بناء علي الحظ أو علي «ضرب الودع» في اختيار الدول التي يتم الاتجاه إليها فلا توجد أولويات واضحة ولا خطة حتي الزيارات التي تمت إلي عدد من الدول بغرض جذب استثمارات لم تسفر عن شىء واضح وآخرها زيارة صالح الي لندن والتي انتهت وفقا لما تم إعلانه بتقديم تقرير إلي رئاسة الوزراء يؤكد نجاح الزيارة التي انتهت برغبة شركة اتيكس البريطانية للاستثمار في محطات الكهرباء في مصر والإعلان عن عقد مؤتمر استثماري كبير في العاصمة البريطانية للترويج للاستثمار في مصر أول فبراير القادم. الغريب أن الحكومة تعتبر الوديعة القطرية طوق النجاة وتعلن علي لسان وزير الاستثمار أن قطر ترغب في زيادة استثماراتها في مصر علي الرغم من انها تحتل المرتبة 19 في الدول المستثمرة في مصر بإجمالي استثمارات تصل إلي 570 مليون دولار فقط في حين تتجاهل الحكومة الاستثمارات السعودية والكويتية والإماراتية التي تحتل مرتبة متقدمة عن قطر حيث تبلغ الاستثمارات السعودية في مصر 5 مليارات و600 مليون دولار والكويتية نحو 3٫5 مليار دولار. «الوفد» حاولت الحصول علي الخطط الاستثمارية الجديدة التي أعدتها الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لعرضها علي الرأي العام وجاء رد المسئول في هيئة الاستثمار بوعد بتحديد موعد لنتعرف علي الخطة، وللأسف نحن في انتظار هذا الموعد منذ شهر نوفمبر 2012. لا تلقوا بالا إلي الاستثمارات الأجنبية المباشرة والأفضل الاهتمام بالاستثمار المحلي كان هذا رأي سلامة فارس الخبير الاقتصادي والمستشار القانوني بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة سابقا الذي أكد أن الاستثمار الخاص هو الأهم باعتباره يمثل فعليا نحو 90٪ من الاستثمار في مصر و10٪ فقط هو نصيب الاستثمار الأجنبي ولهذا يطالب في المرحلة القادمة بضرورة توجيه الاهتمام إلي دراسة المعوقات التي تواجه الاستثمارات المحلية وتدفعها الي الاحجام عن دخول السوق والتوسع فيه مطالبا بتحسين بيئة الاستثمار المحلي، ويضيف فارس أن انقاذ حركة الاستثمار في مصر الآن تبدأ عن طريق التركيز علي صناعات بعينها والبحث عن أسباب ترديها وطرق انقاذها والعمل بشكل مباشر علي ذلك ويبرر ذلك بأن وقت الأزمات هو وقت مناسب لبدء الأعمال بسبب انخفاض التكلفة شريطة توافر المناخ المناسب. ويضيف فارس ان انتظار المستثمر الأجنبي فقط أمر خطأ في التوقيت الحالي فهو لن يأتي بكل الخير فأغلب المستثمرين الأجانب يقومون بضخ جزء بسيط من المال ويحصلون علي الباقي قروضاً من البنوك في مصر وإذا تعثر هرب وهذا فإن الاهتمام بالاستثمار المحلي أفضل لأن نجاحه يشجع الاستثمار الأجنبي ويلفت فارس النظر إلي ان الوقت الحالي لن يشهد للأسف اتخاذ قرارات مهمة في الأمور المتعلقة بالاستثمار وهذا ما يسبب أزمة في حد ذاته.