في مثل هذه الأيام من عام 1899 صدر أول جنيه ورقي مصري. وكان ذلك في عهد الخديو عباس حلمي الثاني.. وذلك بمقتضي الديكريتو الصادر في 25 يونيه 1898... ومازلت أحتفظ بواحد من هذه الجنيهات التي يتوسطها الجمل الشهير. ويومها تحددت قيمة هذا الجنيه بسبعة جرامات ذهب ونصف جرام.. تخيلوا قيمة الجرام الواحد من هذا الذهب.. الآن. وتضمنت إقراراً من مدير البنك الأهلي المصري الذي أصدر هذا الجنيه، في تعهد عظيم يعلن فيه مدير البنك أو محافظه بأن يدفع لدي الطلب مبلغ جنيه واحد مصري لحامله.. وقد كانت مصر قبلها ووقتها تتعامل بالقرش والمليم.. لأن هذا القرش كان عملة التعامل في الامبراطورية العثمانية كلها.. ** وبعد فرض الحماية البريطانية علي مصر عام 1914 تم ربط الجنيه المصري بالجنيه الإسترليني.. وحتي تعرفوا قيمة هذا الجنيه المصري، كانت قيمته تزيد علي الجنيه الإسترليني.. وأتذكر هنا حديثاً لي مع زعيم الوفد الراحل فؤاد باشا سراج الدين عن قيمة الجنيه.. قال إن والده سراج الدين باشا شاهين كان قد اتفق مع والد العروس التي سيتزوجها فؤاد باشا علي أن يدفع له المهر بالجنيه المصري.. ولما ذهب فؤاد باشا ليدفع هذا المهر كان يحمله علي شكل جنيهات إسترلينية. ولما هم بالانصراف ناداه والد العروس ليخبره بأن له الفرق بين الدفع بالجنيه المصري والدفع بالذهب أو الإسترليني.. وفعلاً دفع له حماه الفرق وكان قرشين ونصف القرش عن كل جنيه إذ كان الجنيه المصري أعلي من الإسترليني بقيمة قرشين ونصف!! ** تري هل تعرف الآن أن سعر الإسترليني أصبح بكام.. وبعد أن تم ربط الجنيه المصري بالدولار كان الجنيه يشتري ثلاثة دولارات ونصف دولار.. وظلت قيمة الجنيه تهبط إلي دولارين وثلث الدولار عام 1962. وهكذا حتي وصلت قيمة الجنيه الآن إلي حوالي ستة جنيهات ونصف الجنيه.. هل نعرف ذلك التاريخ؟! ** وأخذت قيمة الجنيه تتدهور. وقد عشت أيام عظمة هذا الجنيه..عصراً كنا نتعامل فيه بالمليم وكان القرش 10 مليمات. وكانت لهذا المليم قيمة شرائية. بل كان بائع الحلوي يطوف بشوارع مصر وهو ينادي علي حلوه قائلاً: عيط لأمك وهات المليم.. أي أن الواحد منا كان يأخذ من أمه المليم بالبكاء. ** الآن انهارت قيمة الجنيه.. بعد أن اختفي المليم والنكلة والقرش وربع القرش وقبلها «البرنز» وهو نصف مليم.. وها نحن الآن نعيش عصر الجنيه بعد أن أصبحت قيمته مليما واحدا بالضبط بعد أن كان يعطينا 1000 مليم.. كل ذلك بسبب سوء ادارة الاقتصاد المصري الآن، وبالمناسبة كان أول مرتب حصلت عليه من «أخبار اليوم» ومن جيب مصطفي بك أمين هو خمسة جنيهات كنت أدفع منها الإيجار وأركب المواصلات وكل طعامي، علي مدي الشهر الكامل. وسبحان مغير الأحوال.