أحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة وموعد الإعلان الرسمي    نقابة المهندسين بالإسكندرية تستعد لأكبر معرض للسلع المعمرة بمقر ناديها بالإسكندرية    ننشر أسعار البترول العالمية اليوم 9 يونيو 2024    تنبيه هام من «البترول» لسكان الوراق: «لا تنزعجوا من رائحة الغاز»    وزارة السياحة تؤكد أن تأشيرة الزيارة بجميع أنواعها لا تخول حامليها أداء فريضة الحج    الرئيس الفلسطيني: نواصل الجهود مع جميع الأطراف من أجل وقف الحرب في غزة    الأونروا: تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة على مستوى المساعدات والقطاع الصحي    كييزا يقود تشكيل منتخب إيطاليا ضد البوسنة والهرسك وديًا قبل يورو 2024    نهائي دوري سوبر السلة| الأهلي يتقدم على الاتحاد في الشوط الأول    تفاصيل ما حدث في جلسة رمضان صبحي مع لجنة مكافحة المنشطات اليوم    مصطفى عسل يتوج ببطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش بعد الفوز على علي فرج    تعليمات عاجلة من تعليم الجيزة لرؤساء لجان الثانوية العامة    إخلاء سبيل الشاب صاحب واقعة «صفعة» عمرو دياب    سامي مغاوي: أصبحت ممثل سابق لأني دلوقتي بمثل على طريقة اليومين دول    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    جانتس: نترك حكومة الطوارئ وننضم إلى المعركة لضمان أمن إسرائيل    نصائح مهمة تحمي طفلك من الموجة الحارة القادمة    البابا تواضروس الثاني يستهل زيارته الفيوم بصلاة الشكر في دير الأنبا أور (صور)    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    علاء الزهيري رئيسا للجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العام العربي للتأمين    تقارير: مانشستر سيتي يستعد لتعديل عقد نجم الفريق عقب اليورو    سيدات مصر لسلاح الشيش يتوجن بذهبية ببطولة أفريقيا للفرق    يورو 2024| سلوفينيا تعود بعد غياب 24 عاما.. انفوجراف    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    قرار قضائي بشأن المتهمين بواقعة "خلية التجمع"    وزارات جديدة ودمج بعض الحقائب.. أحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة وموعد الإعلان الرسمي    إدخال 171 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر كرم أبو سالم جنوب رفح    منتدى دولي لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    إصابة كيليان مبابى قبل ودية منتخب فرنسا الأخيرة استعدادا ل يورو 2024    قيادات "الاستعلامات" و"المتحدة" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" في المساء مع قصواء.. اليوم    تعرف على فضل يوم عرفة وأهميته    متى يبدأ التكبير في عيد الأضحى ومتى ينتهي؟    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    تنسيق مدارس السويس.. 225 درجة للثانوية العامة و230 للبنات ب"المتقدمة الصناعية"    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    لمواليد برج العقرب.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية حلوة بمركز مطاي    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    تطبيق ضوابط خاصة بامتحانات جامعة مصر للمعلوماتية؟.. نائب رئيس الجامعة يوضح    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى الفقي يكتب:العوم ضد التيار
نشر في الوفد يوم 25 - 12 - 2012

هناك مدرستان فكريتان تتصارعان عند تحديد خطوات تطور المجتمعات ونهضة الشعوب، وهما “مدرسة الثوار”، و”مدرسة الإصلاحيين”، والفارق بينهما كذلك الذي يفصل بين العلاج الجراحي والعلاج بالعقاقير.
ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن يكون العلاج بهما معاً في مرحلتين متتاليتين، فقد لا يكون هناك مناصٌ من الجراحة العاجلة لبتر الفساد والتخلص من الاستبداد ثم اللحاق فوراً بمجموعة علاجية من العقاقير الأساسية التي تنتشل الجسد العليل من معاناته وترفع عن الكيان السقيم أمراضه، وقد تحتاج الشعوب إلى”ثورة” تسقط بها نظاماً وتغير معها أفكاراً، ثم تسعى حثيثة بعد ذلك إلى تطبيق سياسات إصلاحية صارمة ترتبط ببرامج زمنية محددة .
وربما كنت أعوم الآن ضد التيار الثوري وأقول إنني أميل إلى المدرسة الإصلاحية، وقد كتبت عن ذلك صراحةً في منتصف التسعينات من القرن الماضي عندما أصدرت كتابي (من نهج الثورة إلى فكر الإصلاح)، فأنا مؤمنٌ بالحلول التدريجية وأرى أن منطق الإصلاح لا بد أن يسود، وإذا كانت هناك ضرورة للثورة فإنها تتم في أضيق الحدود وأقصر الفترات، لأنها تحمل من المفاجآت بعض عناصر الفوضى وأسباب الانفلات وتسقط الشرعية الدستورية وتضع الدولة في مهب الريح، وإن كانت تبدو أحياناً علاجاً حاسماً لا بديل منه، شريطة أن يعقبها مباشرةً توجه إصلاحي كامل يقوم على رؤية شاملة ونظرة فاحصة تبدأ من العام إلى الخاص، أي من الأصول إلى الفروع بدلاً من أن تستغرقها التفاصيل، أو تضيع في زحام المواجهات اليومية، ولنا هنا عدد من الملاحظات:
* أولاً: إن الإصلاح الحقيقي يقوم على أسس علمية ورؤية شاملة، لذلك فإنه مضمون العواقب، بينما الثورة قابلة للانتكاس والسرقة بل والانحراف والاختطاف، كما أنها تصنع من الشعوب أحياناً حقل تجارب لا تؤدي في النهاية إلى النتائج المطلوبة، وقد تدخل البلاد والعباد في حالة من الفوضى تهدم ولا تبني، تفرق ولا تجمع، تقسّم المجتمع وتضرب الوحدة الوطنية، وهذا لا ينفي أن هناك ثورات شامخة عبر التاريخ استطاعت أن تستلهم الرؤى وأن تختار الطريق السليم من البداية، ولكن يبقى الإصلاح في النهاية ضرورة حتى لو سبقته ثورة حتمية من أجل تقويض نظام فاسد أو إنهاء عصر مستبد .
* ثانياً : “ليس كل ثوري إصلاحياً، ولكن كل إصلاحي يحمل في أعماقه روحاً ثورية هادئة”، وكلاهما يسعى إلى التغيير، فبينما يعتمد الثائر أحياناً على العنف فإن الإصلاحي يلجأ دائماً إلى العقل، ولذلك نجد الثورات في العقود الأخيرة مرتبطة في معظمها بالدول الأكثر تخلفاً والأشد فقراً، بينما الإصلاح نمط للتغيير السلمي تعتمده الدول الأكثر تقدماً والتي لم تعانِ الدرجات العليا للفساد والاستبداد معاً، ونحن لا نحرم المصريين حق الثورة ولا ننتقد قيامها، فقد كانت الأوضاع السابقة عليها مقدمة لها ومهيئة لوقوعها نتيجة ذلك الثنائي اللعين: “الفساد” و”الاستبداد” معاً، إلى جانب غياب العدالة الاجتماعية، وشيوع الفقر ونقص الخدمات وتدهور التعليم وانتشار العشوائيات .
* ثالثاً : إن مصر بلد غني بموارده البشرية ثري بخبرات أبنائه، ولديها جيش ضخم من المفكرين والعلماء ورصيد حضاري وثقافي طويل، لذلك فهي تحتاج إلى برامج “إصلاحية” وأفكار رشيدة وعقلية غير تقليدية تسعى إلى مواجهة الركام الضخم من المشكلات والتحديات التي تبدو أحياناً عصيّة على الحلول السريعة . إن “مصر” تحتاج إلى عملية تحديث في مختلف مناحي الحياة وشؤون الدولة، إنها تحتاج إلى الديمقراطية والتنمية معاً، إنها تحتاج إلى تعليم عصري وبحث علمي مع تحويل الكم السكاني إلى كيفٍ تنموي تخرج به “مصر” من عنق الزجاجة .
* رابعاً : إن ثورة الخامس والعشرين من يناير قد نجحت في إسقاط نظام شاخ وترهل وانتهى عمره الافتراضي، ولكنها لم تتمكن حتى الآن، على الأقل، من بناء وطنٍ جديد يقوم على عناصر الانفتاح والشفافية والندية السياسية والحوار الوطني، بل استغرق المصريون في مواجهاتٍ يومية و”مليونيات” أسبوعية حتى شاعت حالة التربص وانعدمت الثقة المتبادلة بين القوى السياسية المختلفة، نتيجة محاولة البعض الاستفراد بقيادة الوطن وهو بالمناسبة وطن عريق وكبير لا يقدر على إدارته فصيل واحد، بل لابد من شراكة وطنية تحتوي الجميع وتعلي مبدأ المواطنة وتؤمن بأن كل من يقف على أرضية وطنية هو شريك مباشر في إدارة البلاد، لذلك فزعت من منطلق عام وليس مصلحة خاصة من التعميم الذي احتواه الدستور الجديد في هذه النقطة، حيث يعد خطيئة حقيقية دافعها الهوى والمصالح الحزبية الضيقة دون تجرد أو موضوعية، إذ إنه من بين من ينطبق عليهم “العزل الدستوري” شخصيات مرموقة في جميع المجالات وخبرات رصينة ذات تجربة طويلة وحرمان الوطن منها افتئات عليه قبل أن يكون ظلماً لها، إننا منصرفون إلى “هدم المعبد” ولكننا لا نقدم تصوراتٍ حقيقية لإعادة بنائه، وليدرك الجميع أن الهدم سهل، لكنّ البناء هو الصعب .
* خامساً : “إن مصر التي في خاطرنا جميعاً” هي دولة عصرية حديثة تستلهم من مخزونها الحضاري وثقافتها العربية الإسلامية آخر الرقائق في الثقافات المتعاقبة والحضارات المتتالية قوة تدفعها إلى الأمام مع الأخذ الحقيقي بالأساليب المتقدمة في جميع المجالات، ولذا أفزعني أيضاً ما جاء في “الدستور الجديد” عن مسألة “تعريب التعليم” الذي أوضح بشكل جلي أننا نعود إلى الوراء ولا نتقدم إلى الأمام، فالمعرفة الإنسانية متشابكة والعلم لا وطن له! وقد ورد في مأثور الكلام (اطلبوا العلم ولو في الصين)، وهو ما يعني ضرورة الأخذ بتعلم اللغات الأجنبية والدراسة الحتمية بها في بعض فروع المعرفة التي نحتاج إليها، لأننا لو أخذنا بالتعريب المطلق للتعليم فلن نجد خلال عقود قليلة مقبلة من يستطيع أن يطل من نافذته على علوم الآخر وسوف نتحول إلى أسرى في “عنق الزجاجة” لا نخرج منها . وأنا أقول للإسلاميين تحديداً إننا نسعى إلى التقدم نحو الإسلام الذي جعل التفكير فريضة، لا أن نعود إلى عصور ظلامية من بعض مراحل الانحطاط في تاريخنا القومي .
. .هذه رؤية قد يشعر البعض منها أن السباح يعوم ضد التيار، ولكن شفيعه في النهاية أنه لا يبغي إلا وطناً عظيماً هو درة الأوطان .
نقلا عن صحيفة الخليج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.