مثلما لكل كائن حي عمره الافتراضي فإن للأنظمة السياسية والأنظمة الحاكمة عمراً افتراضياً أيضاً، قد يطول أو يقصر، وقد يمكن التنبوء به بدقة، وقد يعجز المحللون عن التنبوء به، إلا أن هناك علامات فارقة في سلوك الأنظمة قد تنبئ بأن نظاماً ما قد بدأ السير علي منحني الانحدار أو قطع شوطاً طويلاً علي ذلك المنحني وصولاً لنقطة السقوط. وبعد الأحداث التي جرت في مصر منذ اندلاع ثورة يناير وحتي الآن، فإننا لو اخضعنا نظام حكم الإخوان للتحليل ولاختبار عمره الافتراضي نجد أنفسنا أمام السؤال الملح، وهو: كم تبقي من العمر الافتراضي للإخوان في حكم مصر؟ السؤال ليس محاولة لاستشراف مستقبل الإخوان في الحكم بقدر ما هو محاولة لتنبيه نظام حكم الإخوان علي طريقة مراقبي اللجان في أية امتحانات عندما يصيحون في الممتحنين بعبارة «باق من الوقت ساعة» حتي يتنبه الغافل ويسارع بتصحيح وضعه وترتيب أفكاره حتي لا يفاجأ بانتهاء الوقت، والمحصلة لديه صفر! أو تستطيع القول إنه تنبيه للإخوان علي طريقة العبارة التي نسمعها من الجوال بأن رصيدكم يوشك علي النفاد، ويجب إعادة شحن الرصيد. السطور التالية تدق ناقوس الخطر القادم وتحذر من أخطاء سياسات الإخوان في الحكم وتنذر بنتائج كارثية، من وجهة نظر محايدة سياسياً وغير منحازة سوي للصالح العام المصري كانت الأسئله التي طرحناها، وكانت الآراء التي استطلعناها في هذا التحقيق. في البداية يؤكد الدكتور وحيد عبدالمجيد - نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - أن السؤال عن العمر الافتراضي لجماعة الإخوان في الحكم، تصعب الإجابة عنه، والإجابة عليه تتوقف علي الحركة الشعبية وصمود الشارع، والأمر برمته يستعصي علي التحليل ورهين بتفاعل الأحداث، والناتج النهائي للتفاعل بين الفعل ورد الفعل لكل من الشعب والجماعة يمكن أن يحدد ما إذا كانت الجماعة ستظل في الحكم أو سترحل عنه سريعاً. أما الباحث في الحركات الإسلامية ومدير مركز الأهرام للدراسات السياسية ضياء رشوان، فقال: إن ذلك سؤال يستحيل الإجابة عنه، والتحليل السياسي غير معني كثيراً بالتنبؤات التي يمكن أن تصدق أو تكذب، ولو أجبتك علي سؤالك أقول إن العمر الافتراضي لنظام الإخوان أربع سنوات قادمة أو الفترة المتبقية حتي موعد الانتخابات الرئاسية، إلا إذا كانت لديك معلومات عن حدث غير عادي قادم يقلب الموازين ويخرج الإخوان من السلطة أو تدبير انقلاب عسكري، وهو أمر يستحيل التنبؤ به، ولكن يمكنك أن تتحدث بشكل علمي عن التغيرات في شعبية الإخوان ارتفاعاً وانخفاضاً، وبالطبع فإن متابعة صور المشهد السياسي ومن كل الأحداث، وبناء علي القرارات التي اتخذوها يتولد بسهولة لدي أي متابع أو محلل انطباع بانخفاض شعبيتهم، وأقول انطباعاً لأن أحداً لم يجر استطلاعاً للرأي حول تلك الشعبية، وتعد الأحداث الأخيره مؤشراً علي انخفاض شعبيتهم، التي ستظل مستمرة بحالة البعد عن الديمقراطية، كما أن تدهور شعبيتهم أكثر رهين أيضاً باتخاذهم مزيداً من القرارات الخاطئة، والعكس بالعكس فإن ارتفاع تلك الشعبية يتوقف علي العودة إلي حالة من ديمقراطية الحكم. تدهور حكومي.. وتخبط رئاسي من جانبه أكد الدكتور مصطفي كامل السيد - أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية وجامعة القاهرة - أن ثقة المواطن في قدرة الإخوان علي إدارة شئون الحكم في البلاد قد تدهورت واهتزت في الفترة الأخيرة بدرجة كبيرة، ولا يملك أي مراقب موضوعي لما يجري في مصر إلا أن يصل إلي هذه النتيجة، فبالرغم من مرور أربعة أشهر علي تولي الرئيس مرسي رئاسة الدولة، إلا أن تخبطه في اتخاذ القرارات، منها دعوته لانعقاد مجلس الشعب رغم حكم المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات وعدم دستورية قانون الانتخابات، ثم قراره بفض دورة المجلس بعد يوم واحد من قراره السابق بانعقاد المجلس، ثم عزله النائب العام وتعيينه سفيراً ورجوعه عن ذلك القرار، ثم إصداره الإعلان الدستوري الأخير الذي اثار اللغط، ثم التظاهر بإلغائه بعد ذلك بأيام. وبالنسبة لعمل الحكومة، فقد شابه أيضاً كثير من التخبطات، مثل قرار إغلاق المحال مبكراً ثم العدول عنه، وهذا التخبط هو مجرد مظهر واحد من مظاهر عدم كفاءة الإخوان المسلمين في حكم البلاد، والحكم هنا ينسحب علي الجماعة وليس فقط علي الدكتور محمد مرسي لأنه في الواقع يعتمد علي مستشارين من الجماعة ومصدر قرارته هو مكتب الإرشاد. محل شك ويستمر د. مصطفي السيد في حديثه، قائلاً: عندما تهتز الثقة في الحكم علي هذا النحو لا شك أن عمر الحكم سيكون قصيراً لكن ما يمكن التنبؤ به أن القوي السياسية في مصر تسلم حتي الآن بأن الرئيس مرسي سيبقي في منصبه مدة رئاسته الأولي، باعتبار أنه أتي نتيجة انتخابات حرة نزيهة، لكن قدرته علي الحصول علي فترة ثانية أصبح محل شك، فالرئيس حصل علي أغلبية في الانتخابات الماضية لظروف خاصة، ففي الجولة الأولي حصل علي خمس الأصوات، وفي جولة الإعادة تجاوز نصف عدد الناخبين بقليل وحصل علي تلك الأصوات لأن النخب اعتبرت أن نجاح المرشح المنافس هو عودة لنظام مبارك ومن المشكوك فيه – والكلام مازال للسيد - أن يتمكن مرسي أو أي مرشح آخر للإخوان من الحصول علي نفس الأغلبية في الانتخابات الرئاسية القادمة التي من المحتمل أن تمثل خط النهاية لحكم الإخوان في مصر. ويضيف السيد: أنه إذا تمت الموافقة علي الدستور وأجريت انتخابات مجلس الشعب في فبراير القادم، فمن المستبعد أن يحصل الإخوان علي أغلبية مطلقة في المجلس، ولكن سيحصلون علي أكبر عدد من المقاعد ولكن أقل من نسبة ال 47% التي حصلوا عليها في المجلس المنحل. وعليه فإن وجود حكومة لهم في السلطة سوف يتوقف علي مقدرتهم علي الحصول علي تأييد الأحزاب الأخري ومنها بالطبع الأحزاب غير الدينية، وهنا لا أعتقد أن تكون لهم اليد الطولي في تشكيل الحكومة القادمة، وعليه فسوف نصل إلي حكومه ائتلافية وفقاً للدستور إذا تم إقراره ولن يستطيع الإخوان وحدهم اختيار رئيس الحكومة القادم لعدم حصولهم أو حصول غيرهم من الأحزاب علي الأغلبية المطلقة، ومن ثم فلابد أن ينال اسم رئيس الوزراء القدم تأييد نواب من أحزاب أخري إلي جانب الإخوان. الحرية أقوي من الأمن وفي معرض إجابته عن نفس السؤال قال البدري فرغلي، النائب البرلماني السابق: إن الإخوان قد خسروا 80 عاماً في خمسة شهور، وكل كتائب الأمن من عصر الملك فاروق حتي الآن لم تستطع هزيمتهم، ولكن الحرية والديمقراطية استطاعت خلال أيام أن توجه لهم ضربات لم يشهدوها طوال تاريخهم، لأن أجواء الحرية كانت أقوي من كل أجهزة الأمن والمعتقلات. أضاف «فرغلي»: أن جماعة الإخوان المسلمين لم تستطع أن تتخلص مما حدث لها طوال عشرات السنين، فقد وضعت أمام أعينها كل الخلافات السابقة علي أنها جدول أعمال وتريد الانتقام مما حدث لها وكان يجب عليهم بعد الثورة أن يطرحوا خلف ظهورهم أحداث الماضي ويغلبوا مصلحة المجتمع، فقد كان الإخوان أحد الفصائل الثورية وجزء أصيل من ثورة يناير، ولكنهم خرقوا كل المراحل واستعجلوا الاستيلاء علي السلطة التي كانت هدفهم الوحيد، ومع أول خطوة ديمقراطية استولوا علي السلطة بطريقة محمد علي عندما تخلص من المماليك وانفرد بالسلطة، وما حدث أن الإخوان استبعدوا كل الفصائل وأعطوهم «استماره 6» ونسوا أن مرسي لم يأت تعبيراً عن إرادة الإخوان المسلمين وحدهم بل تعبير عن كل القوي الثورية، وبمجرد أن أوصلته للقصر الجمهوري نحاهم جانباً، ولم يقبل الحوار معهم، وأعتقد أن الجماعة لا تستطيع أن تدير مؤسسات الدولة، لقد نجحوا من قبل في إدارة نقابة وقدموا أعمالاً خيرية غير إن إدارة الدولة تختلف عن إدارة نقابة، لقد خرجوا لتوهم من المعتقلات إلي الحكم مما أفقدهم وضوح الرؤية. ويضيف «البدري»: فإن الخسارة الفادحة للإخوان هي خسارتهم الشارع المصري لأنهم لم يتفهموا أن هناك طبيعة بل وطليعة جديدة من الشعب لن يستطيع جمود الإخوان حصارها، فجماعة الإخوان ليست آيات الله والقاهرة ليست مدينة «قم» الإيرانية، وأعتقد أن القوي الثورية تستطيع تطوير نفسها تنظيمياً، وتتخلص من الانتهازية، أما تقسيم المجتمع إلي مسلمين وكفار فهو بداية النهاية. ويضيف «فرغلي»: أوجه نداء مخلصاً لجماعة الإخوان المسلمين.. أرجو أن تعودوا لصفوف الثورة بدلاً من أن تبتعدوا عنها تحت مغريات القصر الجمهوري.. إن العالم كله يحكمه الاقتصاد ولن تستطيعوا وحدكم تلبية احتياجات المصريين ولن تستطيعوا وحدكم توفير فرص عمل ل 12 مليون مصري، مهما كانت حسن نواياكم.. لقد أصابكم الغرور وإن لم تفيقوا فإن عمركم الافتراضي لن يحسب بالأيام والشهور الباقية علي الصندوق، لأن وثبة الشعب ستكون أسرع ولن تكملوا المدة المتبقية حتي الانتخابات الرئاسية القادمة ما لم تغيروا اتجاه بوصلتكم نحو الديمقراطية. الوجه الآخر لمبارك أعتقد أن عمر جماعة الإخوان الافتراضي قد انتهي وأصبحوا «expired» ولا ينقصهم سوي تشييع الجنازة.. هكذا يقول د. جمال زهران - أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس - ويضيف قائلاً: الرئيس مرسي وقطاعه من القطاعات المقهورة وعاشوا فترة في مربع المعارضة، وكان من الطبيعي أن تسهم شراكتهم في الثورة في ترشيد سلوكهم السياسي، ولكن بكل أسف استطاعوا توظيف الثورة لحسابهم في إطار سياسة نفعية برجماتية وانتهازية تقوم علي فكرة الصفقات. وقد تحدثت وكتبت من قبل – والكلام لزهران - عن مثلث التحالف الشيطاني «الإخوان والمجلس العسكري وأمريكا»، الذي من خلاله قاموا باختطاف الثورة وأداروا شئون البلاد علي طريقة المخلوع بفكر الإقصاء السياسي وإدارة الشأن العام باحتكار وأنانية سياسية، ولذلك فليس من المستغرب أن تنظر القوي السياسية إليهم علي أنهم الوجه الآخر لنظام مبارك، وفي حكم المستحيل أن ينتظر الشعب أربع سنوات أخري عليهم، لأن الخطاب يظهر كما يقولون من عنوانه، فالناس أمام مشهد اختطاف للثورة والسلطة، وبالتالي فالحكم باستحالة استكمال الجماعة لمشوار الحكم أصبح من المسلمات. إقصاء.. وحشد يختلف الدكتور أيمن عبدالوهاب - الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية - مع كل الآراء السابقة، فيؤكد أن فكرة العمر الافتراضي مرتبطة بالقدرة علي التفاعل بإيجابية أو سلبية مع مفردات العمل السياسي والقضايا الوطنية، وبالتالي فإن بقاء الإخوان أو غيرهم من الفصائل أو عدم بقائه في السلطه يرتبط بقدرتهم علي الحوار وطرح حلول للقضايا والمشكلات سواء بنفسه مباشرة أو من خلال القوي المتحالفة معه، وأيضاً من خلال التفاعل بين القوي السياسية في مصر، وأتصور أنه في الفترة القادمة لن يسمح الظرف العام بإقصاء فصيل للآخر واعتلاء مجموعة ما لصدارة المشهد بالكامل، والإخوان باقون في السلطة لأنه لا يوجد من يستطيع أن يقصيهم، غير أن الأوزان النسبية للقوي السياسية ومنهم الإخوان يمكن أن تتغير زيادة ونقصاً بناء علي الأداء الخاص بها والقدرة علي الحشد في المرحلة القادمة.