«الصحفيين»: قواعد جديدة لانتساب العاملين بالخارج وأساتذة الصحافة والإعلام    رئيس هيئة تنشيط السياحة: تحسن العلاقات يقفز بأرقام السياحة التركية إلى مصر    متحدث الحكومة: وحدة حصر شركات الدولة تجري دراساتها بصورة محايدة    نقابة المهندسين بالإسكندرية: نسعى إلى إطلاع الأعضاء على أحدث تطورات مجال البناء والتشييد    «القاهرة الإخبارية»: توتر العلاقات لن يمنع أمريكا من متابعة حادث مروحية الرئيس الإيراني    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    منتخب القليوبية يفوز على القاهرة 1/5 بدور ال 32 لدوري مراكز الشباب    وزير الشباب يكرم عمرو محمد لفوزه بالمركز الثاني عالميا في مجال الطاقة المتجددة    مدينتي تطلق الحدث الرياضي "Fly over Madinaty" لهواة القفز بالمظلات    خطوات التقديم للصف الأول الابتدائي 2024-2025    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    أفلام مهرجان كان استحسان واستهجان.. كوبولا يثير انقسام النقاد في أحدث أعماله    متحف «طه حسين».. تراث عميد الأدب العربي    الخارجية التركية: نتابع بحزن تطورات حادث المروحية في إيران    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    مستشار الرئيس عن متحور كورونا الجديد FLiRT: نتابع الأمر بدقة شديدة    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الحكومة تحتضن رجال الصناعة    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    جامعة الأقصر تنظم قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    حزب الريادة: مصر كانت لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    بمناسبة مباراة الزمالك ونهضة البركان.. 3 أبراج «متعصبة» كرويًا (تعرف عليهم)    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الإسلامى د. أحمد فؤاد باشا : لا نقدس تراثًا ولا أشخاصًا.. ونحتاج إلى التجديد
نشر في الوفد يوم 13 - 05 - 2020

المجتمع يعانى من التلوث الثقافى بسبب الأفكار الوافدة
العلم والتكنولوجيا.. ضرورة لنهضة الأمة الإسلامية
أصول التنوير عربية إسلامية.. والقرآن رسالة ضد الظلام
مطلوب دعم «مجمع اللغة العربية» ماديًا ومعنويًا
ولد المفكر الإسلامى الكبير الدكتور أحمد فؤاد باشا بقرية كفر أبو غالى بمحافظة الشرقية عام 1942؛ أنهى دراسته الثانوية والجامعية ثم حصل على بكالوريوس العلوم من جامعة القاهرة 1963 ونال درجة الماجستير عام 1969 تم سافر إلى موسكو لاستكمال دراسته الأكاديمية وحصل على دكتوراه الفلسفة فى الفيزياء من جامعة موسكو 1974. تدرج فى وظائف التدريس حتى عين وكيلا لكلية العلوم بجامعة القاهرة ثم عميدا للكلية ثم نائبا لرئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع والبيئة من 2001 حتى 2003؛ وانتخب عضوا بمجمع اللغة العربية وعضو المجلس العلمى المصري ومقرر اللجنة القومية لتاريخ وفلسفة العلم بأكاديمية البحث العلمى وعضو اللجنة العلمية لمركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق القومية وعضو الجمعية المصرية الفيزيقية وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لتعريب العلوم، ورأس مجلس إدارة جمعية التراث العلمى للحضارة الإسلامية وعضو جمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية وعضو لجنة العلوم والتكنولوجيا بمكتبة الإسكندرية وعضو لجنة العلوم والحضارة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعضو مجلس إدارة مركز دراسات التراث العلمى بجامعة القاهرة.
شارك المفكر الإسلامى الكبير فى تأسيس معمل أبحاث علوم المواد وفيزياء البوليمرات بقسم الفيزياء بكلية العلوم، كما شارك فى العديد من المؤتمرات والندوات المتخصصة فى العلوم الفيزيائية والمعنية بتاريخ العلم وفلسفته وقضايا التراث العلمى والثقافة العلمية الإسلامية وقضايا البحث العلمى وفلسفة العلم والتقنية؛ قدم أكثر من مائة كتاب ومرجع «مؤلفا أو مترجما ومحققا» فى العلوم البحثية والتطبيقية، وفى الثقافة العلمية للأطفال والناشئة وفى مجالات الفكر العلمى الإسلامى، بالإضافة إلى مشاركته بكتابة مداخل علمية وثقافية فى العديد من الموسوعات العربية والمعاجم العلمية، كما ترجم «باشا»الكثير من الكتب العلمية فى مقدمتها كتاب « من الذرة إلى الكوارك» لمؤلفه سام تريمان والذى نال «باشا» عنه جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة فى دورتها الأولى؛ كما حصل على جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمى 2008 فى مجال التراث العلمى العربي والإسلامى عن موضوع «إسهامات المسلمين فى الحضارة الإنسانية».
«الوفد» التقت المفكر الإسلامى الكبير، وهذا نص الحوار.
بداية.. كيف ترى واقع الأمة الإسلامية الآن خاصة أن الكثيرين يرون أنها أصيبت بعطب فكرى وما عوامل نهوضها من وجهة نظركم؟
منذ تراجع المسلمون عن دورهم الحضارى فى القرون الأخيرة لم تعدم الأمة وجود حركات فكرية تحمل آراء صائبة لإصلاح العطب الذى أصاب هذه الأمة فى فكرها وفى نشاطها، وكان ظهور المجددين بين الحين والحين علامة مبشرة على أن هذه الأمة لم تفقد البوصلة الموجهة نحو الهدف السليم والغاية السامية، لكن عوامل التحدى كانت دائما أكبر من هذه الحركات التى غالبا ما كانت تضعف أو تنتهى بانتهاء الداعين إليها؛ وبطبيعة الحال هذه التحديات سواء الداخلية أو الخارجية؛ والداخلية منها أصعب وأقسى، لأننا نجد من أبناء جلدتنا ومن بين ظهرانينا من يتحامل على الإسلام والمسلمين؛ ويعوق عملية النهضة؛ لكن النهضة الحقيقية المنشودة لابد أن تتسلح بالعلم والتكنولوجيا حتى تستطيع أن تحقق أهدافها، ومن عجب أن نرى أن كل الداعين إلى الإصلاح فى عصرنا لا يعطون لهذا العامل الحاسم أهمية تذكر، ويكفى ما نراه من ثرثرة مملة عبر شاشات التليفزيون وفى الصحف وبرامج الإذاعات كلها ليس للعلم منها نصيب.
حال الأمة الآن يؤكد أن الثقافة أصبحت مهمشة ربما عن قصد أو بغير قصد ما أدى إلى خلق جيل فارغ الذهن؛ كيف يمكن رفع درجة الوعى الثقافي لدى أبناء الأمة؟
لا شك أن الأمة تعانى من تلوث ثقافي واضح جدا شأنه شأن كل صور التلوث الموجود فى البيئة، وهذا التلوث مصدره تعدد الموارد الثقافية، وللأسف أن نجد الأفكار الوافدة تلقى من يدعمها ويؤصل ويروج لها من أبناء جلدتنا فى هذه الأمة دون مراعاة لثوابتها وملامح هويتها المتمثلة فى عقائدها ولغتها وفى رصيدها الحضارى، فنجد هناك من يبشر دائما بثقافة الغرب وعولمته وتوجهاته ولا يعطى بالًا لواقع أمته، وهذا شئ خطير جدا يجعل المعارك الثقافية بعيدة عن الواقع ومؤثرة على كل خطط التنمية والإصلاح.
هل يمكن أن تعود الحضارة العربية والإسلامية إلى سابق عهدها وأن تصير هناك نهضة شاملة؟
نعم يمكن أن يحدث ذلك إذا توافرت رغبة حقيقية من الشعوب والحكام فى النهضة الشاملة انطلاقًا من المنهج العلمى الإسلامى، لأنه الأكثر قدرة على تهيئة الإنسان للتفاعل مع كل منجزات الثورة العلمية والتقنية المستقبلية من خلال العمل الدؤوب من أصحاب كل التخصصات المؤمنين بنهضة الأمة العربية والإسلامية فى كل المجالات وعلى رأسها العلم؛ وهو ما يتطلب رعاية الموهوبين والمبتكرين ومضاعفة ميزانيات البحث العلمى والتواصل مع العلوم العصرية، والإضافة إليها بالبحث والصياغة التى تعتمد فى أساسها على مبادئ علمية وتخضع فى كل خطواتها لمناهج البحث العلمي المعتمد على التحليل والمقارنة.
كيف تنظر لواقع البحث العلمي فى بلادنا ؟
أنا متفائل لأننا اجتزنا مرحلة كبيرة وفترات متلاحقة فى تطوير البحث العلمى؛ لكنه للأمانة مازال يحتاج إلى الكثير، خاصة عندما نقارن بيننا كأمة عربية وإسلامية وبين العالم المتقدم فى هذه المجالات، عالم استطاع أن يصل إلى الفضاء منذ عشرات السنين؛ وأن يغوص فى أعماق البحار؛ استطاع أن يفتت المادة إلى درجات دنيا تصل إلى ما يسمى بې«الفيمتو» وما دون ذلك؛ كل هذه الأمور وغيرها يجعل الفارق بيننا وبين المتقدم فارقًا كبيرًا جدًا؛ لكن الحل يسير، سد الفجوة الكبيرة جدا يحتاج إلى معرفة
منهجية التعامل مع البحث العلمى؛ لأن تاريخ العلم مثل تاريخ الإنسان؛ فدراسة تاريخ العلوم والتقدم والتكنولوجيا ساعدت العلماء والباحثين على أن يضعوا تصورهم لعوامل التقدم وعوامل التعثر؛ لأن التقدم له معدل قد يكون بطيئا، فهناك نمو لكل شئ وهى سنة الحياة فى الأحياء نمو طبيعى، لكن عندما تريد نموا سريعا، هنا تحتاج إلى عوامل محفزة لهذا النمو؛ فمن فضل الله سبحانه وتعالى أنه إذا كان العلم يتقدم على شكل نظريات فإن التكنولوجيا تتقدم على شكل أجيال؛ ونجد مثالا واضحا فى السيارات، فعندما نتذكر أول سيارة اخترعها الإنسان ونقارن بينها وبين أحدث سيارة وصل لها؛ نجد أن كل جيل ينسخ ما قبله ويقدم لما بعده؛ أجهزة الموبايل التى أصبحت تضع العالم كله بين أيدينا كانت مختلفة فى البداية عما هو على الشكل الحالى؛ والكمبيوتر والحاسوب؛ فقد تطورت التكنولوجيا، إذن التكنولوجيا تنسخ ما قبلها وتقدم لما بعدها على طريق الصغر والذكاء والوسائل، إذن لا نخاف، فليس من المفروض أن نريد اختراع العجلة، لكن من الممكن أن نبدأ بأحدث ما وصل إليه العصر، ولهذا فإن فجوة التخلف كبيرة فى نظر الجهلاء، وفى نظر الذين لا يعلمون؛ لكنها بأسلوب علمى ومعالجات موزونة ومحسوبة يمكن اجتياز هذا الفارق «التخلف»، وهذا ما حدث فى كثير من الدول، فأين كانت اليابان بعد أن دمرت فى الحرب العالمية، وأين كانت الهند؛ وأين كانت دول النمور الأسيوية؛ كلها دول استطاعت أن تفهم طبيعة التقدم العلمى والحضارى فقفزت قفزات سريعة حتى أصبحت منافسة، وبدلا من أن العالم كان فى حالة تنافس وصراع بين قوتين كبريين أصبح الآن هناك العديد من الدول العظمى، إذن عملية اجتياز الفجوة ليست صعبة ولكن تحتاج إلى إرادة أولا، فالله سبحانه وتعالى يقول: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فنحن نحتاج ثورة فى التعليم وأدواته، نحتاج ثورة فى الأخلاق، والعودة إلى الأخلاق الحميدة وأخلاقيات العلم والبحث العلمى بصورة خاصة؛ ونحتاج قدرا من الثقافة الموسوعية حتى نستطيع أن نحيط بما يحدث فى جميع المجالات.
تؤكد دائمًا أن العلم صناعة ثقيلة فما مفهوم هذه الصناعة؟
نعم العلم صناعة ثقيلة تحتاج إلى إعداد وصناعة العالم الحقيقي التى تكاد تكون غائبة فى مجتمعنا العربي والإسلامى تحتاج إلى إعداد على مدى طويل، فهذه الصناعة لا تأتى بثمارها إلا بعد جيل أو جيلين؛ لكن المهم أن نبدأ البداية السليمة، ونعد القاعدة السليمة للتفوق الحضارى وليس لمجرد مواكبة علوم العصر، لأننا نحتاج إلى التفوق، فنحن أصبحنا فى زمن العولمة، عالم التنافس الحقيقي، فنحتاج لأن نحتل مكانة مرموقة تليق أولا بتاريخنا الحضاري المجيد؛ وبانتسابنا إلى الإسلام عقيدة وتاريخا؛ ففى هذا العصر ينبغى أن نسعى إلى أن يحتل العلم مكان القوة، فبهذا العلم ندافع عن أمننا وندافع به عن قيمنا وعقيدتنا.
وما أهم مشروع علمى تحتاجه مصر فى رأيكم؟
أتصور أن تكون هناك «خارطة طريق» لرؤية العالم «الرؤية الكونية» ولفقه الواقع؛ على ألا يغفل هذا المشروع التمييز الواضح بين ثوابت الدين ومتغيراته دون مساس بالقسمات الرئيسية للهوية الإسلامية المتمثلة فى العقيدة واللغة العربية والرصيد الحضارى، كما يتطلب الأمر قراءة الواقع المعيش قراءة صحيحة وسليمة حتى يتسنى التخطيط للمستقبل وسرعة التكيف مع كل ما يستجد فى هذا العالم المتغير .
نظرية «العلم الإسلامية» من أشهر النظريات التى تتحدث عنها فماذا عنها؟ وماذا عن إمكانية الاستفادة منها فى واقعنا الراهن؟
عندما ننظر إلى قضية العلم –على سبيل المثال- نجد أن كلمة العلم مصطلح له فى ثقافتنا الإسلامية معنى؛ وهو الإدراك السليم لحقائق الأشياء، ولهذا يكون لدينا العلوم الطبيعية المتمثلة فى الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وكذلك العلوم الإنسانية مثل التاريخ والجغرافيا وغيرهما والعلوم الدينية؛ مثل التفسير والحديث، لكن فى الغرب كلمة علم مقصورة على العلوم الطبيعية مثل الفلك والطب؛ إذن هنا كلمة علم نفسها تحتاج إلى إيضاح؛ فيجب ألا ننساق دون تفكير وراء كل ما يأتى إلينا من ثقافات أخرى، ويجب أن ندقق ونتحرى المصطلحات التى تنسجم وتتوافق مع الفكر الخاص بنا؛ وهنا يحدث تواؤم بين الفكر والواقع وحتى نأخذ الدرس من أسلافنا العظماء الذين فهموا تعاليم القرآن الكريم حق الفهم، دعانا الإسلام إلى العلم والبحث العلمى وإعمال العقل والتفكير فى ظواهر الكون والحياة والقرآن يؤكد ذلك فى كثيرٍ من الآيات مثل قوله تعالى « أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج» ( ق:6).
إذن كانت التعاليم الإسلامية من القرآن والسنة وكان المستقبل من جموع المسلمين على موجة واحدة واتفاق مهيئين لاستقبال التعاليم، لهذا حدث التقدم، وعندما انفصلت هذه العلاقة حدث التخلف الذى طالت فترته خلال القرون الماضية وتسربلنا فيه زمنا طويلا؛ ومن هنا فإن نظرية «العلم الإسلامية» تنادى
بأن نسرع بتكوين رؤية فلسفية تشمل علاقة الإنسان بخالقه وعلاقة الإنسان ببنى جنسه وكونه، وهنا يكون العلم مجموعة علوم منها منهجيات العلم وتاريخه وفلسفته واجتماعياته؛ وهذا تخصص يهمنا نحن أكثر من غيرنا، وهذه النظرية تدعو إلى تأسيس تصور جديد لرؤية كونية تقوم على الأسس والمفاهيم الإسلامية الرشيدة؛ وأن من يسارع ويقول : هل هناك علم إسلامى؟ أقول له إن هذه التساؤلات فات وقتها ونحن نتكلم بموضوعية ومن واقع التاريخ والحال، ونستشرف آفاق المستقبل، فهى ليست نظرية معطلة بل طموحة تأخذ فى الاعتبار السيرة الكونية كاملة. وإذا أخذنا بهذه النظرية فسيكون مردودها عظيما لإنقاذ هذه الأمة من مستنقع التخلف الذى سقطت فيه زمنا طويلا وتلحق بركب الحضارة المعاصرة وتستعيد أمجادها ورصيدها الذى نتفاخر به حتى يومنا هذا، فالبعض يسمونه تراثا على أنه شيء انتهى مفعوله، لكن التراث هذا بما فيه من قيم ومبادئ وأدلة هو كنز مهم جدا نستفيد منه فى حاضرنا ومستقبلنا.
ما ردك على المزاعم التى يطلقها البعض بأن الإسلام يقف حائط صد ضد التنوير والحداثة؟
التنوير فى الأساس أصوله عربية إسلامية، فالقرآن الكريم جاء لينقذ الأمة من تخلفها؛ ولذلك فإن القرآن نور والرسول صلى الله عليه وسلم نور، وقبل ذلك كله فالله عز وجل نور؛ والتنوير أصلا كمصطلح من الضرورى أن يؤصل له من تاريخ نزول الإسلام ومع بدء انتشار اللغة العربية، ومفردات وآثار الحضارة الأوروبية كلها تشهد على هذه الحقيقة وكذلك يشهد كل المنصفين من مؤرخى العلوم والحضارة والمستشرقين المنصفين على اختلاف جنسياتهم، ولهذا فإن مشروعى العلمى والفكرى فى «إسلامية المعرفة» هو جزء من الرد العملى على منكرى التنوير الإسلامى؛ حيث بدأت أؤصل له وأحدد معالمه على أن يكون العلم مدخلا لكل العلوم وأنواع المعرفة؛ وأن يكون الإسلام هو المرجعية لكل أنواع المعرفة، فتحدثت عن نظرية العلم الإنسانية وعن النموذج الإسلامى للمعرفة والتقدم الحضارى، لأن التفكير فريضة إسلامية منذ أول كلمة نزلت فى القرآن وهى «اقرأ» كما أن الإعمار الحضارى فريضة إسلامية بنص القرآن « هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب»، إذن كل المقومات اللازمة لاحتضان هذا المشروع متوفرة ومن إنتاجى العلمى الذى تخطى المائة كتاب بين التأليف والترجمة والتحقيق ويثري هذه الفكرة حتى أصبحت واقعا يشمل قبول من يسمون أنفسهم النخبة فى هذا العصر.
وماذا عن كتابكم«فى التنوير العلمى».. ما الرسالة التى تريد إيصالها من خلال أفكاره؟
أحاول جاهدا تفنيد شبهة أننا أعداء التنوير مؤكدا أنه وصل ذروته فى ظل حضارة الإسلام التى يعد النور اسما من أسماء الله الحسنى ومن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:« الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولاغربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الأمثال للناس والله بكل شئ عليم». والكثير من الآيات التى تؤكد أن التنوير الحقيقي فى الإسلام رغم أنف التغريبيين وأعداء الدين الذين يشيعون الأكاذيب ضده لتشويه صورته.
تحقيق التراث العلمى يمر بحالة من الفوضى الآن فما السبيل إلى التخلص من هذه الحالة؟
عندنا تراث علمى غنى وثري بملايين المخطوطات التى تكتظ بها معظم مكتبات العالم، أحصاها البعض بأكثر من ثلاثة ملايين مخطوطة؛ هذه المخطوطات كلها أمهات للأفكار العلمية الصائبة التى بني عليها سواء فى الحضارة الإسلامية أو فى عصر النهضة الأوروبية الحديثة ما جعل العلم يصل إلى الحالة التى نعلمها الآن والتى تجنى البشرية ثمارها اليوم؛ هذه الأصول التى رعتها هذه البيئات المتقدمة فى العصر الإسلامى هى ما يجب الكشف عنه حاليا لعدة أسباب: أولا لإثراء المدخل التاريخى فى تدريس العلوم، وتنمية الحس النقدى والثقة بالنفس لدى الناشئة، والوقوف على طبيعة التطور العلمى ومنهجية البحث والتفكير فى العلوم المختلفة؛ ثانيا: تصحيح تاريخ العلم يكشف حالات الغش الفكري والقرصنة العلمية التى حدثت من جانب بعض المؤرخين والنقلة والمستشرقين فى حق تراثنا العربي والإسلامى وأعلامه الرواد؛فكثير من النظريات والابتكارات العلمية منسوبة إلى غير أصحابها الشرعيين فى تاريخ العلم والتكنولوجيا؛ ثالثا: التأصيل الجيد لمختلف فروع العلم المعاصر( البصريات- الصوتيات – الوراثة- البيئة – الشفرة – الجيولوجيا- الفلك- إلخ).رابعا: الكشف عن المزيد من النظريات والاختراعات المتقدمة فى التراث الإسلامى مثل قوانين الحركة والجاذبية التى اكتشفها البيرونى وابن ملكا البغدادى والحسن الهمدانى قبل نيوتن بعدة قرون.
كيف ترى قضية التجديد فى الفكر الإسلامى وهل واقع الأمة الإسلامية يحتاج إلى التجديد الآن؟
لدينا إشكالية خطيرة جدا تصيب تقريبًا كل المجتمعات خاصة النامية منها؛ وهى ضبط المصطلحات، فنحن لم نحرر وندقق تعريف المصطلحات حتى لا يحدث أى خلافات؛ وهذا من الأمور التى غرسها الآخر بدهاء فى ثقافتنا ومجتمعاتنا وأوقعنا فى فخ الثنائيات؛ وهذا هو لب المشاكل، ومن هنا يأتى التطرف لكن بالإقناع هناك دائما حل وسط لكل قضية من القضايا؛ فالتجديد إذا كان بمعنى أن تبتكر وتخترع شيئًا جديدًا؛ فمعنى ذلك أنك تريد أن تبتكر وتستحدث دينًا جديدًا؛ وهذا غير وارد على الإطلاق؛ أما الجديد فهو أن تجدد ما عندك من أفكار؛ فهناك أفكار ثابتة وأخرى قابلة للتغيير، فالدين الإسلامى وأى دين فيه ثوابت ومتغيرات؛ المشكلة كيف نحدد الثوابت وكيف نحدد المتغيرات؛ وكيف نقتنع بأن المتغيرات متعلقة بالفكر البشري، ولذلك نقول تجدد الفكر البشري، لأن التجديد لا يتم مرة واحدة؛ فهذه قضية تحتاج إلى تجدد كل مقومات الفكر المعاصر فى حدود أهل الاختصاص؛ لكن لا نقدس تراثًا ولا أشخاصًا؛ فالقداسة لله سبحانه وتعالى، والقرآن والسنة الصحيحة هما الثابتان الأساسيان وما عداهما اجتهاد بشري قابل للخطأ؛ حتى الفقهاء وأصحاب المذهب، إننا نخطئ ونصيب، ولا نأخذ القضية كفرق متصارعة، فلابد أن نفهم فقه التجديد وهذا شئ مهم، والفقه بمعناه اللغوى جدت مستجدات تتطلب استيعابها وفقه أيضا بمعناه الشرعى إذا كان شيئا يتطلب التعديل فبها ونعم.
بصفتك أحد أعضاء مجمع اللغة العربية، ما ردك على من يرون أن المجمع ينكفئ على ذاته ولا يقدم شيئا يخدم المجتمع ؟ وأن اللغة العربية جافة تعانى التقعر والصعوبة؟
تأسس مجمع اللغة العربية لخدمة وتكريم لغة القرآن وتنميتها والحفاظ عليها، لكن المجمع كيان محدود الطاقة والإمكانات ولذلك يجب تكاتف الجهود المخلصة ماديا ومعنويا، لأن المجمع لا يملك أن يتخذ قرارا بعيدا عن الجامعات والسياسة العليا للدولة، فاللغة هى الهوية وأى تفريط فى كفاءتها وجهدها أمر غير محمود رغم أنها محفوظة بالقرآن الكريم، لكن القرآن ليس كل اللغة العربية، فهناك مصطلحات وعلوم مختلفة لابد من احتضانها والمجمع يقوم بجهد كبير جدا فى ذلك ولا ينكفئ على نفسه كما يدعى البعض؛ إضافة إلى أن اللغة العربية من اللغات العالمية والأساسية يجب الحفاظ عليها والعمل على خدمتها ورعايتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.