مصطفى بكري: اتحاد القبائل العربية جمعية أهلية وسيكون لنا مقرات في كل المحافظات    كنيسة روما تحتفل بيوم الصداقة بين الأرثوذكس والكاثوليكية    رئيس جامعة العريش: لا حرمان لأي طالب من دخول الامتحانات لعدم دفعه المصروفات    جامعة الإسكندرية تستقبل 3 فرق من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم.. للتأكد من تطبيق المعايير    «الهجرة» تستعرض جهودها في رعاية المصريين بالخارج    سعر الدولار يتراجع لأقل من 47 جنيها للشراء بالمركزي اليوم الاثنين    رئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية يزور ميناء دمياط    وزير الصحة يبحث مع نظيره اليوناني فرص التعاون في تطوير وإنشاء مرافق الرعاية الصحية والسياحة العلاجية    طريقة حجز الوحدات السكنية للمصريين في الخارج.. الخطوات والأوراق المطلوبة    اشتعال النيران في مبنى الهلال الأحمر شمالي رفح الفلسطينية    حماس: ندين تصريحات السيناتور الأمريكي بشأن ضرب الاحتلال غزة بقنبلة نووية    قديروف يعلن مشاركة قوات شيشانية في تحرير منطقة "أغورتسوفو" في مقاطعة خاركوف    "قد لا يكون بالمنتخب".. عمر مرموش يصدم حسام حسن    "مع ميسي" .. جيرو يعلن رحيله عن الميلان    حكم القمة سابقا.. فينتشيتش حكما لنهائي دوري أبطال أوروبا بين ريال مدريد ودورتموند    بعد تراجعه عن الاستقالة.. طارق العشري يُعلن قائمة الاتحاد لمواجهة سموحة    نشاط للرياح وشبورة مائية.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الثلاثاء بدرجات الحرارة    "هشَّم رأسه ببلاطة سيراميك".. تفاصيل مقتل عجوز على يد شقيقه الأصغر بالجيزة    أشرف زكي عن مشكلته مع طارق الشناوي: بيتهمني في شرفي    الفيلم القصير سن الغزال يشارك في مهرجان كان السينمائي    القاهرة الإخبارية: آليات إسرائيلية تتقدم تجاه مخيم جباليا شمال غزة    الكشف على 165 حالة في قافلة كلية طب الوادى بقرى بولاق    استشاري يحذر من الملح الطبي «الهيمالايا»: خطر جدًا (فيديو)    10 يونيو.. النطق بالحكم على المتهمين بقتل عامل بالتجمع الخامس    مدرب توتنهام: 99% من جماهيرنا تريد الخسارة أمام مانشستر سيتي    السجن المؤبد للمتهم بقتل زوجته لتقديمها قربانا لفتح مقبرة أثرية بالفيوم    وزير التعليم يحضر مناقشة رسالة دكتوراه لمدير مدرسة في جنوب سيناء لتعميم المدارس التكنولوجية    كروس يتخذ قراره النهائي حول مصيره مع ريال مدريد    سيارات بايك الصينية تعود إلى مصر عبر بوابة وكيل جديد    برلماني: السياسات المالية والضريبية تُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    سفير واشنطن لدى إسرائيل ينفي تغير العلاقة بين الجانبين    «عباس»: الهيئة تتخذ استراتيجية مستدامة لميكنة دورة العمل بالنيابة الإدارية    مدير التأمين الصحي بالشرقية يعقد اجتماعا لمكافحة العدوى    لماذا سميت الأشهر الحرم بهذا الاسم؟.. الأزهر للفتوى يوضح    «التعليم» تنبه على الطلاب المصريين في الخارج بسرعة تحميل ملفات التقييم    افتتاح أول فرع دائم لإصدارات الأزهر العلمية بمقر الجامع الأزهر    تنطلق السبت المقبل.. قصر ثقافة قنا يشهد 16 عرضا مسرحيا لمحافظات الصعيد    لافروف: مؤتمر سويسرا حول أوكرانيا يهدف إلى إصدار إنذار نهائي لروسيا    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 في الجزائر؟    مناظرة بين إسلام بحيري وعبد الله رشدي يديرها عمرو أديب.. قريبا    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. الإفتاء توضح    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    محافظ سوهاج ورئيس هيئة النيابة الإدارية يوقعان بروتوكول تعاون    وزيرة التضامن تشارك في أعمال المنتدى الدولي لريادة الأعمال ومبادرة العيش باستقلالية بالبحرين    خلال 12 يوم عرض بالسينمات.. فيلم السرب يتجاوز ال24 مليون جنيه    توقعات برج العقرب من يوم 13 إلى 18 مايو 2024: أرباح مالية غير متوقعة    الرئيس السيسي: الدولار كان وما زال تحديا.. وتجاوز المشكلة عبر زيادة الإنتاج    بدءا من 10 يونيو.. السكة الحديد تشغل قطارات إضافية استعدادا لعيد الأضحى    معهد الاقتصاد الزراعي ينظم ورشة للتعريف بمفهوم "الزراعة بدون تربة"    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    رئيس الغرفة التجارية: سوق ليبيا واعد ونسعى لتسهيل حركة الاستثمار    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    فضل الأشهر الحرم في الإسلام: مواسم العبادة والتقرب إلى الله    أرتيتا يثني على لاعبي أرسنال    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    "أوتشا": مقتل 27 مدنيًا وإصابة 130 في إقليم دارفور بغربي السودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس مجمع اللغة العربية: لتوظيف ثوابت التراث في حياتنا المعاصرة
نشر في نقطة ضوء يوم 16 - 11 - 2015

الدكتور حسن الشافعي؛ رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، وعضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، شخصية علمية باذخة، وصاحب مشروع علمي يستهدف تكوين عقلية علمية مرتبطة بأصولها الفكرية الإسلامية، وفي الوقت نفسه تتعاطي مع متغيرات العصر الذي نعيش فيه. هو من مواليد العام 1930، حصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة لندن عام 1977، عمل أستاذاً للفلسفة في كلية دار العلوم، وتدرج حتى تولى رئاسة قسم الفلسفة في الكلية نفسها، وعمل أستاذاً زائراً للفلسفة بعدد من الجامعات العربية والأجنبية، وتولى رئاسة الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد.
أثرى المكتبة العربية بالكثير من الكتب ما بين التأليف والتحقيق والترجمة منها: «غاية المرام في علم الكلام للآمدي»، «المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي»، «المدخل إلى دراسة علم الكلام»، «فصول في التصوف»، «مقدمة في الفلسفة العامة»، «لمحات من الفكر الكلامي»، «نصير الدين الطوسي وكتابه تجريد الاعتقاد»، «في المنطق ومناهج البحث»، «التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية»، «دراسات إسلامية في اللغة والفكر»، «دراسات وبحوث في العقيدة والفكر والعربية»، «في الفلسفة: منهج وتاريخ».هنا حوار معه:
- في الماضي كانت الفلسفة أم العلوم، واليوم تراجعت كثيراً، ما السبب؟
الفلسفة في الأساس لم تكن مرجعية، ولكنها تدريب عقلي على الفكر والتفلسف بمعنى التساؤل. ولكل فلسفة طابعها الخاص، فالفلسفة الإغريقية يغلب عليها الطابع الفكري، والفلسفة الرومانية يغلب عليها الطابع القانوني، والفلسفة المسيحية يغلب عليها الطابع الأخلاقي، والفلسفة الإسلامية يغلب عليها الطابع العلمي التجريبي. والحضارات غير الإسلامية المرجعية عندها ليست عقدية، ولكنهم يلجأون إلى علوم مختلفة، فالمرجعية بمعنى الالتزام فكرة لم تنشأ في حضارات غير دينية مثل الشيوعية. أما في أمة حضارتها تقوم على وحي سماوي، فالأمر يختلف، وهي ليست مسألة فلسفية، وإنما الأدلة الممزوجة من الوحي والعقل كليهما، والفكر الإسلامي يتردد بين هذين القطبين: قطب يبالغ في تمجيد العقل، والآخر لا يرضى بغير الوحي بديلاً؛ مثل الاتجاهات السلفية.
- ما الذي يمكن أن تقدمه الفلسفة في زمن الثورات والتحولات المتسارعة؟
عادة تنشأ الثورات عندما تزداد القوى الضاغطة على المجتمع، وأيضاً كل الثورات يحدث فيها نوع من الفوضى بسبب حيرة في العقل أو نوع من السيولة الاجتماعية، فالثورة الفرنسية كانت دموية، وحدث قتال بين الثوار أنفسهم، ولذلك فإن دور الحكيم أو الفيلسوف هو مجابهة الحيرة الاجتماعية وتحديد مشكلات الأمة وتحفيز نزعة التفكير الجماعي، وأن تضع الأمة هذه الأسئلة أمام ذاتها، وهذا في حد ذاته إسهام تحتاجه الثورات. فإذا فرض أن الفيلسوف لم يتمكن من تقديم حلول، عليه أن يدعو غيره للمشاركة في هذه المعضلات، ومن ثم، فالفلسفة أو الحكمة، كما قلنا، تعني التأمل العقلي في حضارتنا، والتأمل المزدوج الذي يجمع بين الجانب العقلاني والوحي مستمر، وتشتد الحاجة إليه في ظروف الحيرة الاجتماعية، وأظن أن دور الحكماء المصريين جوهري، والحكمة المصرية مدعوة لمواجهة ما نحن فيه الآن.
- ما رأيك في المقولة الشهيرة: من تمنطق فقد تزندق؟
هذه المقولة ليست صحيحة على الإطلاق، وعموماً أقول: إن أكثر الناس انخداعاً أو يتأثرون بالفلسفة في شكل سلبي هم الجاهلون بها، في المقابل، أكثر الناس مناعة ضد الأحكام المغالية أو المنحرفة فلسفياً هم العالمون بها. أما في ما يتعلق بالمقولة السابقة أقول: إن دخول الأفكار الوافدة على أي بيئة أشبه بعملية جراحية لزرع الأعضاء، وعادة ما يرفض الجسم العضو الجديد ما لم تتخذ إجراءات احترازية لاستمراره في موضعه الجديد. هذا الوضع يشبه المنطق ابتداء من الحضارة اليونانية، وكان للمسلمين منطقهم الخاص لدى الأصوليين والمتكلمين والمحدِّثين، وكان من الطبيعي أن يحدث صراع، هذا الصراع مرَّ بأدوار متعددة ولخَّصه الإمام السيوطي في كتابه «صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام» فقال: وينخدع بهذه العبارات أحياناً من لا يُحسن معرفة التراث الفلسفي أو الحكم عليه. بل إن ابن الصلاح الفقيه أصدر فتوى: من تمنطق فقد تزندق. واستفز السلطة لكي تعاقب سيف الدين الآمدي لاشتغاله بعلم المنطق، وتطرده من رئاسة المدرسة العزيزية في دمشق. لكن ابن تيمية – وهو من هو – قال إن سيف الدين الآمدي كان من أعرف الناس في زمنه بالعلوم الفلسفية والكلامية، وكان من أحسن الناس إسلاماً.
- إذا كانت الفلسفة هي معجزة اليونان، فما هي معجزة العرب؟
الفلسفة ليست يونانية المنشأ، لا بالميلاد ولا بالتاريخ. فالفلسفة الهندية مثلاً سبقت الفلسفة اليونانية، وظهرت الفلسفة في الصين ومصر القديمة قبل اليونان، وهناك الكثير من الأدلة التي تؤيد ذلك؛ أحدثُها الكتاب الشهير لمفكر يوناني إغريقي معاصر عنوانه «أثينا السوداء» حيث يقصد أثينا التي تعلمت من أفريقيا، والتاريخ يسجل أن أفلاطون تلميذ سقراط، وأستاذ أرسطو جاء إلى أسيوط وعين شمس لكي يتعلم من الرهبان المصريين، حيث تلقى عنهم حكمة الحضارة المصرية. وبالتالي، فالادعاء بأن الفلسفة معجزة إغريقية لا يسانده التاريخ. اذن فالفكر شركة بين الناس، والعقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس. فالتفكير الفلسفي لا يرتبط بلون البشرة. وإذا أردتَ أن تعرف معجزة العرب الحقيقية فهي تتمثل في الشعر الجاهلي. أما معجزة الحضارة الإسلامية فهي القرآن الكريم.
- ظلت اللغة العربية تصنع الفكر والثقافة من دون أن يصنعها الفكر والثقافة طوال أربعة عشر قرناً، فبقيت بذلك الجزء الأكثر تراثية أو أصالة، إلا أنها تعاني الجمود اليوم، لماذا؟
اللغة العربية لا تعاني الجمود؛ بدليل أنك لو تصفَّحتَ إحدى المجلات الثقافية التي صدرت قرب نهاية القرن التاسع عشر، مثل مجلة «الهلال» وقارنتَ بين الأعداد الأولى والأعداد الأخيرة في زمننا ستجد التطور الكبير والمرونة الواضحة والأسلوب السلس الذي يتفاعل مع تطورات العصر، وأصبحت اللغة العربية أكثر استجابة لاحتياجاتنا العلمية المختلفة، كما أصبحت إحدى اللغات الست في منظمة الأمم المتحدة. المشكلة ليست جموداً، ولكنها تكمن في علاقة الشبيبة العربية بلغتهم الأم المتدهورة حيث يقبلون على تعلم اللغات الأجنبية باعتبارها دلالة على التحضر، كما أنها توفر فرصة عمل مضمونة، والسبب في هذا هو تدهور مستوى التعليم في معظم البلدان العربية. معرفة اللغة تستلزم معرفة الحضارة، خصوصاً أن اللغة العربية مضمَّخة بالتراث الحضاري الإسلامي.
- ما هي رؤيتكم لتحديث التراث؟
فكرة تحديث التراث تبدو ملتبسة، لأن التراث ينتمي إلى ظروف موضوعية تختلف تماماً عما نحن فيه الآن. معظم محاولات استحضار التراث التي تمَّت هي محاولات غير ناجحة، وتحديث التراث لا يتم من خلال إعادة نشره كما هو، ولكن يجب توظيف القيم والأفكار والثوابت الموجودة في تراثنا في ترشيد حياتنا المعاصرة. ففكرة إحياء التراث تتضمن نشره كما هو بأساليب التحقيق العلمية، ولكن إحياء التراث يتم من خلال إعادة توظيفه في حياتنا المعاصرة، وهذا لن يتم إلا على أيدي المتمكنين في معرفة هذا التراث، كلٌ في مجال تخصصه والإلمام بظروف وأطوار الحياة العلمية المعاصرة.
- ما هي رؤيتكم لتطوير أداء مجمع اللغة العربية في القاهرة، وهل هناك تنسيق بين المجامع اللغوية في العالم العربي؟
يوجد تنسيق تام، فهناك اتحاد المجامع اللغوية العربية ومقره في القاهرة، ويحظى برعاية خليجية خصوصاً من قِبَل الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.وفي ما يتعلق بتطوير مجمع القاهرة أرى أن من أهم أهداف المجمع هو ربط الشبيبة العربية بلغتهم الأم وحضارتهم الزاهرة. والدور الذي يقوم به مجمع القاهرة في هذا الصدد مهم جداً، سواء بإصدار المعاجم المتخصصة وعددُها يزيد على الثلاثين معجماً، وأكثرها شيوعاً المعجم الوسيط الذي طُبع أكثر من مئة مرة، وكذلك المعجم الوجيز. كما يتم الإعداد حالياً لمعجم الطفل العربي الذي يحوي الكلمة والرسم الدال على معناها والنطق المصاحب لها. فهذا المعجم مُصوَّر ناطق، ونرجو أن يكون إسهاماً قليلاً تتبعه إسهامات أخرى، سواء من قِبَل مجمع القاهرة أو من قِبَل مؤسسات أخرى تريد المشاركة، فنحن نرحب بكل خطوة من شأنها إثراء الساحة الثقافية والعلمية العربية مبتدئين من مرحلة الطفولة، ثم مرحلة الصبا، فمرحلة الشباب. أما المعجم الكبير للغة العربية؛ وهو أوفى وأغنى وأكبر معجم في تاريخ اللغة العربية، فقد صدر منه ثمانية مجلدات، وخلال خمس سنوات من الآن سيكتمل هذا المعجم.
- برأيك، كيف يمكن حل إشكالية المصطلح العلمي في ظل طوفان المعلومات المتدفق بدلاً من اللجوء إلى التعريب؟
في مجمع القاهرة 25 لجنة، بعضها علمي يختص بالطب والزراعة والصيدلة والجيولوجيا... الخ، والبعض الآخر ثقافي يبحث في حقول الفلسفة وعلم الاجتماع والآداب والفنون وألفاظ الحضارة. هذه اللجان تتابع، بل تلهث وراء المصطلحات العلمية على مدار الساعة تقريباً. ولا بد، لكي نربط الفكر العربي المعاصر بحركة العلم والثقافة العالمية، من تعريب المصطلح، وهذا ينال من جهود المجمع حظاً كبيراً، لكن المتخصصين في البلاد العربية، سواء كانوا مترجمين أو أكاديميين أو مفكرين، لا يلمون بهذه الجهود، ومن حقهم أن يطلبوا منا تلك المعاجم، ونحن مستعدون لإمدادهم بها.
وأذكر في هذا الصدد أن باحثاً مصرياً حصل على الجائزة العالمية في الترجمة التي تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين، جاء إلينا وقدم لنا نسخاً من العمل الفائز قائلاً: لولا استنادي إلى جهود مجمع اللغة العربية في تعريب المصطلح، لما استطعت الحصول على هذه الجائزة الكبيرة، لذلك جئت لأنسب الفضل إلى أهله. وأنا أؤكد أن مجمع القاهرة على أتم استعداد لإمداد من يرغب بتلك المعاجم، وهناك جهود مماثلة في المجامع اللغوية في العواصم العربية المختلفة، وهي بجانب مجمع القاهرة تمثل جسراً للتواصل مع الثقافات العالمية والحركة العلمية الدولية.
- كيف تقيِّم موقف المثقفين العرب من التراث اليوم؟
إذا كان التراث يحتل مركزاً مهماً في ثقافتنا المعاصرة، إلا أن أغلب المثقفين العرب يسعون إلى إحداث قطيعة معه، وتجاوزه، وليس التواصل معه، محاولين في ذلك اتباع النهضة الأوروبية الحديثة التي سعت إلى إحداث قطيعة مع الفكر اليوناني، خصوصاً فِكر أرسطو، ومن ثم حاولت أوروبا تصفية حسابها مع تراثها، ولكن الدول العربية رغم انتمائها إلى الشرق إلا أنها لم تحذو حذو الدول الشرقية مثل اليابان والصين ودول جنوب شرقي آسيا، والتي ما زالت تحترم تراثها، ولم يشكل التراث معوقاً لها في التقدم، بل أصبحت تنافس الحضارة الغربية في التقدم التقني، ولم يمنعها التقدم من التواصل مع تراثها. ولكن يبدو أن اقتراب العالم العربي جغرافياً وثقافياً من أوروبا قد جعل الحضور الأوروبي في حياتنا أقوى من حضور الشرق، وهذا ما أكده طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر».
ومع هذا نستطيع القول بأن هناك اتجاهات في عالمنا العربي تؤكد أهمية التواصل مع التراث، أي أنها تؤكد المنحى الشرقي، واتجاهات أخرى تؤكد أهمية القطع مع التراث، أي اتباع المنحى الغربي، ومع هذا فلم تتحدد ملامح نهضتنا حتى الآن؛ هل هي تتجه شرقاً؟ أم أنها تتجه غرباً؟ وينبغي أن ندرك أن التراث لا يتضمن بالضرورة حلولاً جاهزة، لا كلية ولا جزئية للعصر، فالحلول تصوغها الجماعات في كل حقبة، وذلك من خلال التفكير في المشكلات التي تواجهها، ولا تستمدها من التراث، إن التراث لم يكن سبباً في تخلف العرب وتأخرهم، وهو ليس سبباً في تقدمهم. والنهضة الثقافية لا تعني مطابقة التراث للثقافة، ولكن نهضة الواقع تبدو من نقد معوقات تخلُفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.