تعد ثورة 1919 مرحلة مهمة في تاريخ مصر القومي، ولاتزال الأساس لكل التطورات التي أدت إلي تطور الأفكار، واتساع المدارك وارتقاء أساليب الحياة، والنهضة الأدبية والعلمية والصحفية، والنهضة النسوية التي شهدها المجتمع المصري، فظهر العباقرة من كل نوع، ففي الأدب ظهر جيل العمالقة أمثال طه حسين، وعباس العقاد والمازني وعبدالرحمن شكري وسلامة موسي ومصطفي صادق الرفاعي وأحمد حسن الزيات.. وغيرهم، ومن الشعراء ظهر حافظ إبراهيم شاعر النيل الذي هز بأشعاره الوطنية أعماق القلوب، وأحمد شوقي شاعر القصر الذي أوجد لنفسه مكاناً مرموقاً في الفكر العربي بما أدخله من أفكار تجمع بين الرقة والجمال. ومن حواري الإسكندرية ظهر »سيد درويش« منشداً شعبياً يتطرق إلي موضوعات تمس الأسرة المصرية وعاداتها إلي ملحن عظيم ومؤلف أوبرا ومجدد حقيقي للموسيقي المسرحية يتوقف تاريخ الموسيقي طويلاً أمامه، لما أحدثه من تطور كبير في الألحان التي أبدعت فناً غنائياً، وكانت تعبيراً لمشاعر المصريين خلال ثورة 1919، وبما نقل به فن الغناء إلي أبعد من مجرد الطرب لدرجة أن أصبحت الأناشيد الوطنية هي صوت الشعب المصري، و»بيرم التونسي« الذي كتب الأزجال بشكل اهتزت له أفئدة الجماهير وأغضب السلطان فؤاد والإنجليز معاً، مما أدي إلي نفيه من مصر أكثر من مرة. ومن باب الشعرية يخطو إلي عالم الفن »محمد عبدالوهاب« تلك القمة الشامخة التي تطل بألوان من الابداع. وتروي تاريخاً لتطور الأغنية العربية مع موهبة فريدة قل أن يجود الزمان بمثلها، فقط امتلك عبدالوهاب ناصيتي الابداع الموسيقي والغنائي لفترة غطت القرن العشرين كان خلالها البلبل الصداح الذي حرك أوتار القلوب بصوته العذب، وألحانه البديعة، وأنغامه الجميلة، والذي استطاع أن يثبت أن الصوت البشري يعد من أعظم الآلات الموسيقية سحراً. ومن كوم الزهايرة مركز السنبلاوين دقهلية، تأتي إلي القاهرة »أم كلثوم« تلك الفلاحة التي تلبس العقال وترتدي ملابس الرجال لتبدأ رحلتها مع الغناء، وتستطيع بموهبتها المقترنة بثقافتها التي كونتها بجهدها وإصرارها مواجهة الصعاب التي وقفت في طريقها، وتمكنت بجمال صوتها وروعة أدائها من أن تستولي علي قلوب معظم المتحدثين بالعربية، وحول »أم كلثوم نشأ جيل عظيم من الموسيقيين يتصدره القصبجي والسنباطي وزكريا أحمد، كما نشأ جيل عظيم من الشعراء أبرزهم أحمد رامي والذي كان لاتصاله بأم كلثوم أكبر الأثر في النهوض بالأغنية المصرية، وأمير الشعراء أحمد شوقي الذي وجدت أم كلثوم في شعره معيناً سلسبيلاً، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، ومن الاقتصاديين الذين أفرزتهم ثورة 1919 »محمد طلعت حرب« الذي أسس البنوك والمصانع وأنشأ بنك مصر، وفي الفن ظهر »محمود مختار« ذلك المثال الذي استوحي من مصر القديمة فناً مصرياً جديداً استطاع أن يبهر به الدنيا، وفي الإسكندرية ظهر الرسام العبقري »محمود سعيد«. وفي مجال المسرح ظهر »يوسف وهبي« مع عزيز عيد وروزاليوسف وفاطمة رشدي ونجيب الريحاني وغيرهم، وفي هذا الجو الابداعي تنشأ جماعة الديوان التي التزمت بأدب الواقعية والصدق والابداع، ونقلوا الفكر الغربي وزرعوا أشجاره في عالم العروبة، ثم تحول بعضهم إلي كتاب إسلاميين يكتبون في العبقريات الإسلامية والسيرة النبوية فظهر »محمد حسين هيكل« الذي اتجهت كتاباته إلي مثل هذه الدراسات، وعبدالحميد جودة السحار وخالد محمد خالد وغيرهم من المبدعين، أما عن القصص التي صورت حياة الناس بما فيها من واقعية وصدق، فظهر توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيي حقي ويوسف إدريس ومحمود تيمور وغيرهم. وإلي جانب كل هذا ظهر في الجانب الصحفي »محمد التابعي« بأسلوبه الصحفي الممتع، وفكري أباظة، وأمينة السعيد، وعلي ومصطفي أمين، وأحمد بهاء الدين.. وغيرهم من أعلام الصحافة. وفي النهاية يمكن القول إنه خلال ثورة 1919 كانت مصر حبلي بالعديد من أبنائها المبدعين، الذين تفجرت فيهم جوانب العبقرية فأعادوا لمصر وجهها الرائد في شتي المجالات.