* الارتباك في الإذاعة والتليفزيون يؤدي إلي كارثة * لقاء »شرف« و»الجمل« مع المحتجين لم يحسم المشكلة * تصاعد الاحتجاجات لإقصاء جميع قيادات قطاعات الاتحاد الغضب المكبوت في صدور العاملين بالاذاعة والتليفزيون طوال سنوات القهر والقمع، انفجر في صورة وقفات احتجاجية واعتصامات وحوارات صاخبة حول الفساد والقيادات المتورطة في الفساد المالي والاداري والمهني. تعددت مجموعات الاحتجاج وتكاثرت مطالبها. في مواجهة هذه الاحتجاجات الصاخبة اتسم موقف المسئولين بالارتباك. وبدا واضحا أن المسئولين لم يقدروا حجم وعمق الغضب، وانهم أي المسئولين يجهلون الي حد بعيد طبيعة العمل بهذا الجهاز الحساس والعلاقات المتشابكة بين قطاعاته المختلفة وعمق الخلل الاداري وسيطرة الفساد المالي والمهني، فتعاملوا مع حالة الغضب الصاخبة باجتهادات غير موفقة. مشرف عسكري مؤقت كانت البداية تعيين اللواء طارق المهدي مشرفا علي اتحاد الاذاعة والتليفزيون. وبدأ الرجل في اتخاذ قرارات تتعلق ببعض مظاهر الفساد المالي الصارخة، خاصة تلك المتعلقة ببعض الأجور المبالغ فيها. ولقيت هذه القرارات ارتياحاً ملحوظاً. لكن الأمر توقف عند هذا الحد لأن السيد اللو اء طارق رغم حسن نيته ورغبته الصادقة في الاصلاح لم يكن باستطاعته أن يعالج »أصل الداء« وكانت قراراته رغم أنها في الاتجاه الصحيح قرارات قاصرة لاتعالج الا هوامش تافهة، ولا تقترب من العلاج الحاسم للقضايا الجوهرية في جهاز اعلامي بضخامة اتحاد الاذاعة والتليفزيون. وهذا القصور أمر طبيعي، فقد يكون اللواء المهدي قيادة عسكرية ممتازة، غير أن مؤسسة اعلامية في عصر تطورت فيه علوم وفنون الاعلام تحتاج بالقطع لخبرات اعلامية لايمكن ان تتوفر لأي شخص إلا بعد سنوات طويلة من الثقافة الموسوعية والدراسات المتخصصة والممارسة لمهنة الاعلام. رئيس اتحاد حائر وانتهت مهمة المشرف العسكري بتعيين الدكتور سامي الشريف أستاذ الاعلام بجامعة القاهرة رئيساً لمجلس أمناء اتحاد الاذاعة والتليفزيون وتوقع كل من له صلة باتحاد الاذاعة والتليفزيون ألا يكون حظ الدكتور الشريف أوفر من حظ اللواء المهدي. وليس في هذا انتقاص من مكانة الدكتور الشريف العلمية التي تؤهله لتدريس النظريات الاعلامية، غير أن موقع القيادة الأعلي بمؤسسة اعلامية يحتاج لمؤهلات ومواصفات لا تمثل فيها »الدراسات النظرية« الا نقطة في بحر متلاطم من الخبرات العلمية والعملية التي يجب أن تتوفر فيمن يتولي مسئولية القيادة العليا للاعلام الرسمي لدولة بمكانة مصر. واستمرت الاحتجاجات الغاضبة ولم يستطع الدكتور الشريف أن يتعامل مع هذه الاحتجاجات بأسلوب يقنع المحتجين انه قادر علي معالجة المشكلات المعقدة التي فجرت الغضب. واكتفي الرجل بكلمات وعبارات تحمل الكثير من الوعود المطاطة، واعتمد علي دعم بعض الاخبار التي تنشرها صفحات الفنون مزينة بصور سيادته وتتحدث عن ترحيب العاملين به. وكانت النتيحة الطبيعية تصاعد الاحتجاجات وبدء عمليات الاعتصام والتظاهر اليومية. وعاد اللواء الهدي الي المبني وأصبح الموقف بالغ الغرابة، فالجهاز تديره قيادتان. وبدا المشهد مرتبكاً ومشوشاً واستمر تصاعد الاحتجاجات. اللجوء لرئيس الوزراء ونائبه وبدأ المحتجون في البحث عن جهة تحقق مطالبهم، ورأوا أن يلجأوا الي الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء. واستقبل الرجل وفدا يمثل بعض المحتجين وانصت باهتمام بالغ الي مطالبهم وحاول أن يستكشف معهم اسلوب الحل الأمثل الذي يعالج المشكلات التي حركت غضبهم. واتسم الحوار بالموضوعية الي حد ما رغم أن حالة الغضب المسيطرة علي بعض المشاركين في الحوار كانت تجنح الي الشطط، لكن الدكتور عصام استطاع بسعة صدره أن يمتص الغضب وانتهي اللقاء بتحديد موعد يلتقي فيه الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء بوفد المحتجين هذا باعتبار الدكتور يحيي مسئولا عن »ملف الاعلام«. وتم اللقاء فعلا في اليوم التالي واستقبل الدكتور يحيي في منزله وفد المحتجين في مناخ أقرب الي اللقاء الأسري في محاولة ذكية من الدكتور يحيي لاشاعة مناخ من الحميمية الودودة يكسر حدة الغضب.. ويبدو أن بعض المشاركين في الحوار غلبه الغضب والحماس لكن الحوار استمر وبذل الدكتور يحيي قصاري جهده ليخرج الاجتماع باقتراحات عملية تفتح الطريق لتحقيق مطالب المحتجين، وانتهي الاجتماع بالاتفاق علي بعض المبادئ التي ترتكز عليها الخطوات العملية المطلوب بلورتها في مشروعات لقرارات وعد الدكتور يحيي عندما يتلقي هذه المقترحات المحددة بمناقشتها بكل الجدية والموضوعية وعرضها بعد ذلك علي السيد رئيس الوزراء واتخاذ الخطوات القانونية التي تستوجب الحصول علي موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وطمأن الدكتور الجمل الجميع بأنه مقتنع بمطالبهم بنسبة كبيرة وأن الأمل كبير في صدور القرارات التي تضمن تحقيق معظم المطالب المشروعة للعاملين علي أساس قواعد واضحة ومستقرة في ظل قيادة لاتحاد الاذاعة والتليفزيون تعتمد علي مبدأ »القيادة الجماعية« لمجلس أمناء له من الخبرة والكفاءة ما يضمن تحقيق المطالب المشروعة للعاملين بل ويتجاوز ذلك الي تطوير الاذاعة والتليفزيون ليحتلا المكانة اللائقة باعلام الدولة المصرية عربياً واقليميا. انتهي الاجتماع بتوافق علي المبادئ، غير أن الشباب المتحمس رفض ان يستغرق تنفيذ هذا الحل عدة أسابيع قد تصل بحد أقصي الي شهر كامل وهي الفترة الزمنية التي يمكن أن يستغرقها اعداد الاقتراحات المفصلة ودراستها وعرضها علي مؤسسات الدولة المختصة بإصدار القرارات التنفيذية. التصعيد مستمر وعندما عاد وفد المحتجين الي المعتصمين بمبني ماسبيرو وعرضوا عليهم ما تم التوصل اليه في اجتماعي رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء بدا واضحا أن حالة الحماس والتشدد هي الحالة الغالبة وقرر المعتصمون استمرار الوقفات الاحتجاجية والاعتصام. وانضمت اعداد كبيرة الي الوقفات الاحتجاجية خارج وداخل مبني ماسبيرو وبلغ الصخب ذروته يوم الأحد الماضي وتصاعدت دعوات بضرورة الاضراب عن العمل يوم الأربعاء اذا لم تتم تلبية مطلبهم الرئيسي وهو عزل جميع قيادات قطاعات الاتحاد ونوابهم ومعهم رئيس الاتحاد الجديد. وتحدث المحتجون عن »أثير صامت« وشاشة »سوداء« يوم الأربعاء إذا لم تتم الاستجابة لطلب عزل القيادات. وعندما علم المسئولون بهذا التصعيد تقرر أن يحضر الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء ليلتقي بهم ويحاول اقناعهم بمنح المسئولين الفرصة الطبيعية لتنفيذ المقترحات التي سبق وناقشها مع ممثلي المحتجين. وحضر الدكتور الجمل إلي مبني ماسبيرو واختار المعتصمون عددا من زملائهم ليحاوروا الدكتور الجمل. وفي هذا اللقاء كرر الدكتور الجمل ما سبق ووعد به من حاوروه في اللقاء السابق بمنزله. وطالب محاوريه بأن يقنعوا زملاءهم بفض الاعتصام والعودة الي العمل وعدم تعريض هذا الجهاز الحساس لمخاطر اضطراب لا يمكن قبولها. وعاد الوفد المفاوض الي المعتصمين ليبلغوهم بما تم في اللقاء وكان رد المعتصمين هتافات رافضة ومعلنة الاصرار علي استمرار الاعتصام. حاولت ان أنقل بأمانة حركة الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية وقد شاءت الظروف أن أشارك في الحوار استجابة لطلب الزميلات والزملاء الذين شاركوا في هذه الحوارات وتصوروا كرما منهم وبدافع من ثقة اعتز بها أن انضمامي لهم قد يفيد في تقديم خبرة تضيف الي خبرات الشباب. وقد حاولت جهدي أن اقنع الشباب بتعليق الاعتصام تعليقا مشروطا بتحقيق ما وعد به الدكتور الجمل فاذا لم تتحقق هذه الوعود في الموعد الزمني الذي حدده فلهم أن يعودوا الي الاعتصام والاحتجاج لكن هذا الاقتراح قوبل برفض غاضب من المعتصمين. الحلول المقبولة يبقي أن أشير الي أن الحلول التي عرضت ووافق عليها ممثلو المحتجين تتبلور في خطوطها الرئيسية حول هذه النقاط. * أولاً: تشكيل مجلس أمناء النسبة الأكبر من اعضائه من الاذاعيين »اذاعة وتليفزيون« ممن مارسوا المهنة في هذا الجهاز وتراكمت خبراتهم العملية وعدد من الشخصيات العامة الذين يمثلون الخبرات المتنوعة والمشهود لهم بالكفاءة المتميزة والنزاهة. وأن يكون لهذا المجلس السلطة الفعلية في اصدار جميع القرارات وتحديد السياسات ومتابعة الأداء. * ثانياً: ينظر هذا المجلس في أول اجتماع له في أمر جميع قيادات القطاعات ويتخذ القرارات الحاسمة لاستبعاد القيادات التي تورطت في فساد مالي أو اداري أو مهني ويتم هذا في أول اجتماع للمجلس. * ثالثاً: تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في جميع القطاعات فلا تترك القرارات لرئيس القطاع منفردا بل تناقش القرارات في لجنة قيادية تضم قيادات المستويات الادارية المختلفة بالقطاع. * رابعاً: تشكيل لجنة من فنيين وقانونيين للنظر في جميع الشكاوي والتظلمات التي يتقدم بها العاملون. وتلتزم هذه اللجنة بدراسة جميع ما تتلقاه من شكاوي واصدار الحكم فيما تضمنته وابلاغ صاحب الشكوي بمبررات القرار الذي انتهت اليه ليكون من حقه التظلم للجنة أعلي. رؤية لحل مقبول هذا المأزق الخطير لا يمكن علاجه بتصرفات خشنة ومتشنجة من أي طرف. وأثق كل الثقة في أن الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء والدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء كلاهما حريص أشد الحرص علي تحقيق المطالب المشروعة للمحتجين وأن كلا منهما لديه رغبة أكيدة في انقاذ اعلام الدولة الرسمي وتطويره. وبنفس القدر فإنني أثق كل الثقة في نقاء ضمائر المحتجين وأن غضبهم يحركه الضمير الوطني الذي يتطلع الي الارتقاء بالاعلام الرسمي للدولة وتخليصه من شوائب فساد بشع. بهذا الايمان العميق أري أن يتم حل الأزمة بهدوء علي النحو التالي. * أولاً: الابعاد الفوري لقيادات قطاعات الاتحاد ويمكن أن يتم ذلك بمنحهم »اجازات« لشهرين.. والخوف من فراغ غير وارد فكل قطاع به شخصيات يمكن أن يسند اليها الاشراف المؤقت حتي يتم اختيار قيادات دائمة. وهذا الاجراء سيمنع القيادات الحالية من انتهاز الفرصة لاتخاذ قرارات تلحق الضرر بالمحتجين، خاصة وقد حدث بالفعل أن اتخذ بعض هذه القيادات قرارات واجراءات انتقامية من بعض المشاركين في الاحتجاجات. كما أن هذا الاجراء سيطمئن المحتجين أن الوعود المبذولة لهم في الطريق للتنفيذ. * ثانياً: يباشر المسئولون دراسة المقترحات الخاصة بتشكيل مجلس الأمناء ويصدر قرار التشكيل خلال أسابيع.. ويقوم مجلس الأمناء باستكمال الخطوات التي تحقق مطالب المحتجين والتي ترسي قواعد تطوير الاعلام. أما اللجوء الي الأساليب المتوترة من أي جانب فستكون نتائجه كارثية حتي وان ضمن هدوءا ظاهرياً. كما أن الابقاء علي حالة الارتباك والتخبط التي سادت طوال الأسابيع الماضية فسوف تؤدي الي كارثة أكبر.