وسط الحديث عن المليارات المنهوبة علي أيدي الكبار، وسط الحديث عن عمليات نهب أراضي الدولة في عهد الرئيس المخلوع.. مازالت طوابير من المطحونين واقفة في العراء بانتظار جنيهات معدودة تلقي بها الحكومة في وجوهم كل شهر، ليتمكنوا من بقاء - غير آمن بالمرة - علي قيد الحياة.. إنهم أصحاب المعاشات الذين سقطوا من حسابات مبارك، ومازالوا خارج حسابات المسئولين في هذا البلد. أمام مكتب بريد أبوالعلا.. شاهدتها واقفة.. عواطف شبل محمود »80 سنة« تسكن بمنطقة روض الفرج.. تتقاضي معاش السادات ال91 جنيهاً.. تعاني الأمرين لكي تحصل علي هذا المعاش الضائيل.. هي تشكو لهبدلة الموظفين لها، وطول الطابور، وتقول: لما إمسك الفلوس بإيدي بتلف بي الدنيا.. وأسألهم: دول هيقضوا إيه ولا إيه، فأنا احتاج لقسطرة بمبلغ 55 جنيهاً، وباحزن وأنا في هذه السن أني ابتهدل. شكرية عبدالمنعم مغربي تقيم في إمبابة وتحصل علي 195 جنيهاً كجزء من معاش والدها والذي تتقاسمه مع زوجته، تقول: ليس لي دخل آخر، أعاني الزحام في طابور المعاش وبألعن اليوم الذي ولدت فيه.. والله أخذت حقنة مسكنة قبل ما آجي علشان أقدر أواصل.. وتضيف: أي حد يحط نفسه نكاني وياخد الفلوس ولا ياكل ويشرب ويدفع إيجار ومصاريف الحياة والكهرباء.. إزاي! وتصرخ: زهقت حياتي كلها طوابير، والمفروض يحسوا بينا شوية، سمعت عن المليارات التي اتسرقت من البلد وبقول حسبي الله ونعم الوكيل. مكي عبدالسلام بركات محمود.. معاشه 500 جنيه يتقاضاه بعد قضاء 30 عاماً في التربية والتعليم، والأطباء نصحوني بعدم أخذ أدوية التأمين الصحي لأنها ضارة وتسد دعامة القلب، كما أن زوجتي تعاني ضعفاً بالنخاع الشوكي ويتم حجزها بالثلاثة أشهر في قصر العيني دون دواء، وعلاجها يتكلف 42 ألف جنيه، وقالوا لنا أخرجوا، ولما يتوفر العلاج تعالوا. دعوتي »ربنا يتم الثورة علي خير« عشان نخلص من هذه المعاناة هو يؤكد: ساعات أفكر أروح اتظاهر عند ماسبيرو، لكن أرجع وأقول بلاش علشان العملية تمشي وربنا يصلح الحال. روحية حسن.. تعيش في السوق القديم بشبرا، مطلقة لكنها تحصل علي 125 جنيهاً معاش والدها لتنفق منها تقول: أضيع يوماً كاملاً علشان القبض.. أنا ما ليش أي دخل غير الفلوس دي وليس لي أي دخل غيرهم، وأبيع مشابك الغسيل أمام البيت حتي أسد باقي احتياجات بنتي الصغيرة، ولا عندنا تأمين صحي ولا غيره وعايشة في حجرة في بيت والدي. تقول والدموع تملأ عينيها: لما قامت الثورة عيطت من الفرحة بالتغيير والأمل في الكرامة في بلدي، لأن الناس تعبانة وأغلبها ينام من غير أكل. سيدة محمد سيد أحمد، أرض أبوالسعد بشبرا الخيمة، تتقاضي 146 جنيهاً معاشاً تنفق منها علي ابنها الطالب بالمدرسة.. »الواحدة بتكره حياتها.. الأيام طويلة وكلها ديون« حتي تلخص ما تعانيه بسؤال: فين حقي من كل ده.. مش أنا مصرية وعايشة في البلد دي يعني معقول لا كرامة ولا شبع ولا أمان. هانم أحمد أحمد مصطفي المقيمة في حي المنيرة، تقول: اتقاضي تأمين سواق »معاش متوفي« 140 جنيهاً وليس لي أي دخل آخر.. والحياة ماشية يا دوب علي الحرف لحد ما ابني كبر واشتغل نقاش ولكن يوم 28 يناير أصيب أمام قسم شرطة إمبابة بكسر في عظمة الفخذ وتم تركيب مسمار له وضفيرة سلك وقمت بالاتصال بالخط الساخن فلم يسأل فينا أحد إلي الآن ويعلم الله بحالنا وحاله. إن العشرات من أصحاب المعاشات يشكون.. من بهدلة طوابير المعاشات ومن تدني نسبتها.. الكل يطالب بالرحمة والحرية والعدالة الاجتماعية.