مع الاستعداد لاستقبال عام دراسي وجامعي جديد ، ما زال يعاني بعض ضحايا مذبحة تنسيق الثانوية العامة، فبالرغم من صدمتهم وشعورهم بخيبة الأمل بفقدان حلمهم بالدخول لكليات القمة التي طالما حلموا بالالتحاق بها وبذلوا الجهد لتحقيق هذا الحلم ، نجدهم يتعرضون لضغوط من أفراد الأسرة الذين يتعاملون معهم كما لو كانوا فاشلين لا مستقبل لهم على الرغم من حصولهم على أعلى الدرجات . تقول نورا حسين ، أنا رقم 3 في اخواتي ، كنت في ثانوية عامة السنة دى وحصلت على مجموع 95% لم يؤهلني إلا لكلية تجارة ، ولأن اخواتي اللي أكبر مني كلهم أطباء تغيرت معاملة بابا وماما لي ، شعرت إنهم كرهوني وأصبحوا دائمي المقارنة بيني وبينهم لدرجة إن بابا قالي "انا عيالي كلهم دكاترة وبس انتي فضحتيني !" وإلى الآن بيتجاهلوني لأنهم من النوع اللي بيحب يتفاخر جدا بالكليات ورافضين حتى شراء ملابس جديدة من أجل الكلية. بينما تقول نهلة السيد: هربت من البيت يوم إعلان نتيجة التنسيق ، أنا مجموعي 97 % ومع ذلك اتحرمت من دخول كلية الطب التي أخذت مجموع يزيد عن ال99%، المشكلة ان بابا وماما بدل ما يساندوني ويهونوا أزمتي بيشتموني وبيقولولي "يا فاشلة يا ريتك سقطي احسن" ، حسيت ان الدنيا اسودت ومستقبلي انتهى وإلى الآن زي ما يكون عندنا ميت في البيت . ويشكو أحمد ابو المجد بدوره من معاملة والديه قائلا: أنا بتعامل كالحيوان الأجرب في بيتنا بعد إعلان تنسيق الكليات ، مع ان مجموعي 98 % وبابا دكتور مخ وأعصاب وكان عايزني اكمل مشواره وأدخل طب ، ومن ساعة إعلان النتيجة انا محروم من المصروف ومن كلمة حلوة أو معاملة طيبة ، بالرغم من شعوري اني متدمر نفسيا لأني فقدت حلمي في أني اكون دكتور ، حزني زاد بسبب معاملة بابا السيئة وحزنه. شراء رضا الأهالي تعلق د. نعمة عوض الله ،أخصائي تربوي عام، على موقف الآباء مستنكرة أن يكون لهم رأى أصلا في اختيارات الأبناء فتقول : من المفترض على الأسرة لو رأت أن ابنها ذاكر واجتهد ولم يقصر في تأدية دوره أن تشجعه وتحترمه وتكافئه ، لأن كل انسان مطلوب منه تأدية دور في حياته والنتيجة تكون عند الله . وتوضح أنه لا يجب أن يشعر الطلبة الذين اجتهدوا وحصلوا على مجموع مرتفع بالإحباط ، لأن الامتحان لم يوضع كاختبار تربوي حقيقي ، فكان من المفروض أن يتم وضع 60% للطالب المتوسط و20% للطالب الضعيف و20% للطالب المتفوق حينها كانت ستترواح المجاميع من 80% : 90%، ولكن ما حدث من وضع امتحانات سهلة لشراء رضا الأهالي وحتى لا تنشر الجرائد عن صعوبة الامتحانات خاصة مع حالة الاضطراب السياسي التي تعاني منها البلد ، ساهم في حصول الطلاب على درجات نهائية أدت لارتفاع تنسيق الكليات. وتوجه د. نعمة عوض الله رسالتها للأبناء بأن الثانوية العامة لا تعني أي شيء فالطالب المتفوق يظل متفوق حتى في الجامعة ، خاصة وأنه توجد نسبة رسوب كبيرة في كليات القمة لأن الطالب التحق بالكلية بناء على نتيجة مرتفعة وهمية لا تؤهله لدخولها، وأنه لا داعي للإحباط ، ويجب على كل طالب أن يبدأ بالبحث عن الكلية التي سيتفوق بها وتناسب قدراته خاصة، وأن الدراسات والمهن المطلوبة عالميا تتمثل في الاقتصاد والإدارة والتسويق والكمبيوتر واللغات والكليات التطبيقية والفنية التي تلبي حاجات المجتمع مثل الغزل والنسيج ، وليست العبرة بأن يصبح الإنسان" دكتور" ويبدأ حياته ب400 جنيه راتب و يحصل على معاش 270جنيه في نهاية خدمته ، وعلى الجيل الجديد أن يكون أكثر وعيا في اختيار مستقبله. غش جماعي بينما توضح د. منى البصيلي ،أخصائي نفسي وتربوي عام، أن الأهل مهما كانت صدمتهم لا بد أن يعترفوا بالضغوط التي تعرض لها الأبناء ، فحالات الغش كانت كثيفة خاصة في الأقاليم مما أدى لارتفاع النتائج وظهر ذلك في كليات الصعيد ، وليس من المعقول أن يحاسب طالب نتيجته 97% على أنه فاشل ، بينما يكون الدورالمطلوب من الأسرة هو إعانة الأولاد في استكمال مشوار نجاحهم ،لأن الإنسان من الممكن أن ينجح في أي مكان لو قرر أن ينجح ، وعلى الأهل أن يحاولوا تغيير ثقافة كليات القمة من تفكيرهم وأنها كليات محترمة والطالب الذي يلتحق بها يشرف أهله، لأنه بالنظر لواقع سوق العمل يتضح أن طالب الطب بعد 8سنوات دراسة يحصل على راتب أقل من المحاسب الذي سبقه في التخرج بأربع سنوات ، ومن الممكن أن يتفوق طالب الكلية النظرية ويستكمل دراسته العليا بها. وتضيف البصيلي أنه على الأبناء أن يقدروا موقف أسرتهم الذين تكبدوا الإنفاق لمدة عامين على الدروس الخصوصية ووجدوا النتيجة سلبية ،كما يعتبرونها، وعلى الأبناء أن ينسوا حلمهم القديم ويفكروا واقعيا في المتاح أمامهم وكيف سيتفوقون فيه، لأنه ليس كل الناجحين أطباء أو مهندسين، بالإضافة إلى أن البلد لا ينقصها مهندسين وأطباء. إدمان وإحباط وتنبه د. عزة كريم ،بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية ، أن تعنيف الأسر ممكن أن يعرض الأبناء لانهيارات نفسية ، قد تؤدي بهم للهروب من الضغوط بممارسة سلوكيات سيئة قد تصل إلى الإدمان ، لأن الطالب في تلك الحالة يهرب من ضغطين أولهما ضغط مذاكرته ومجهوده الذي لم يؤهله للالتحاق بكليته ،وثانيهما ضغط الأهل الذين لم يشعروا بصدمته وقاموا بنقده وإهانته ، وهو تفكير غير سليم سيؤدي في النهاية لمشكلة أكبر للأولاد، والمفترض لكي ينجح أبناؤنا أن نشجعهم حتى لو حصلوا على مجموع بسيط والتحقوا بأقل كلية، لأنه لو نجح وتفوق بها سوف يصبح له مستقبل ومكانة رفيعة بالمجتمع ، فالتشجيع يؤدي لنجاح الأبناء أما الإحباط فيؤدي لمشاكل عديدة أبسطها الأمراض النفسية .