هناك وأنت على مشارف بوابة باب الفتوح ذلك الحصن الذي ضم بداخله عشرات المساجد والبيوت الأثرية لتكون شاهد من أهم الشواهد على عبق التاريخ الجاذب لسياح من شتى بقاع الأرض يحرصون على زيارة شارع المعز لدين الله الفاطمي كنموذج مصغر للقاهرة الفاطمية. يمكنك أن تقف منبهرا وأنت ترى على يدك اليمنى ثاني الجوامع الفاطمية في مصر إنه جامع الحاكم بأمر الله الذي أمر الخليفة الفاطمي العزيز بالله بإنشاءه سنة 380ه 990 م ، ليتم ابنه الحاكم بأمر الله بناءه 403ه 1012م. تأمل تلك الواجهة المميزة التي يتوسطها ويبرز عن سمتها بناء حجري يتألف منه المدخل الرئيسي للجامع، وتنتهي شمالا وجنوبا ببرجين يتكون كل منهما من مكعبين أجوفين يعلوا أحدهما الآخر، السفلي يرجع لعصر بناء الجامع، والعلوي من عمل بيبرس الجاشنكير. وتظهر روعة الفن الإسلامي في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله وما توصلت له من تقدم وازدهار بمجرد النظر إلى جدار البرج الجنوبي من الخارج حيث يحليه طراز رخامي محفور فيه آيات قرآنية كتبت بالخط الكوفي. ولأن الفنان المسلم كان يمزج بين روعة المعنار والوظيفة حرص بيبرس الجاشنكير على صبغ جامع الحاكم بالصبغة المملوكية حيث كان يؤدي وظيفة المدرسة لتدريس مذاهب الأئمة الأربعة، فأصبح مركزا لتدريس المذاهب السنية كما هو الحال مع الجامع الأزهر، بعد أن كان مركزا لتدريس المذهب الشيعي في العصر الفاطمي. ادخل وتنفس عبق التاريخ وتأمل تلك المساحة البيضاء الرحبة وانصت لصوت الآذان وتسبيح الحمام الذي يتسابق إليك في انتظار وجبة طعام مباركة. بمجرد النظر لصحن جامع الحاكم بأمر الله يمكنك أن تلاحظ الإضافات المعمارية لبيبرس الجاشنكير المتفقة مع الطراز المعماري المملوكي للمشآت الدينية وهو صهريج للمياه كان يملئ في كل عام من ماء النيل يُسقى منه الماء في كل يوم ويشرب منه الناس يوم الجمعه. ويتألف جامع الحاكم من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة مسقوفة ويشمل رواق القبلة على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أكتاف مستطيلة القطاع إستدارت أركانها على هيئة أعمدة متلاصقة. أما الرواقين الجانبين فيشمل ثلاثة صفوف، ليتكون رواق المؤخرة على صفين فقط، ويتوسط إيوان القبلة مجاز مرتفع ينتهي بقبة أمام المحراب وفي طرفي جدار القبة أقيمت قبتان. وبالنظر إلى أعلى تجد إزار جصي مزخرف بكتابة كوفية بديعة يفصل ما بين العقود وسقف الحاكم بأمر الله، وجميع الأكتاف والأعمدة من طوب داكن يشبه الطوب المستخدم في بناء جامع ابن طولون ويربط الأكتاف بعضها ببعض "ميد" أي أربطة خشبية مكسوة بألواح مزخرفة بنقوش في الخشب. لاحظ نهايتي حائط القبلة تجد قبتان محمولتان على مثمن، كما توجد قبة ثالثة فوق المحراب، أما المحراب الأصلي فلم يبقى منه غير تجويفه. ويهتم البهرة المنتمين لتلك الطائفة الهندية وهم أحد فرق الشيعة بمسجد الحاكم حيث يعدونه بمثابة قبلى لهم في مصر، ويسكنون في فندق خاص بهم في المنطقة المجاورة للجامع.