أسعار الدواجن واللحوم اليوم 26 مايو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 26 مايو    متى تنتهي خطة تخفيف الأحمال؟ وزير المالية حسم الأمر    الجثث تفحمت، مصرع 27 شخصا بينهم أطفال في حريق ضخم بمتنزه هندي (فيديو)    أنطونوف: بايدن يهين الشعب الروسي بهجماته على بوتين وهذا أمر غير مقبول    مشهد بديع لشروق الشمس من قلب الريف المصرى فى الشرقية.. فيديو    الدبلومات الفنية 2024| اليوم.. استمرار الامتحانات داخل 2562 لجنة    اليوم بدء أعمال التصحيح لامتحانات الفصل الدراسي الثاني لإعدادية البحر الأحمر    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    نقع الأرز ل4 ساعات يخفض مستويات السكر في الدم    عاجل.. زلزال بقوة 6،3 درجات يضرب جزر فانواتو    مع اقتراب نهاية السنة المالية.. تعرف على مدة الإجازة السنوية وشروط الحصول عليها للموظفين    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني عبر موقع بوابة التعليم الاساسي    إيلون ماسك يحذر المستخدمين من سرقة رسائلهم على واتساب    حقيقة وفاة الداعية التركي فتح الله جولن    أدعية الصفا والمروة.. «البحوث الإسلامية» يوضح ماذا يمكن أن يقول الحاج؟    وزير البترول: وزارة الكهرباء تتخلف عن سداد فواتير الوقود ب 120 مليار سنويا    هل سيتم تحريك أسعار الأدوية الفترة المقبلة؟.. هيئة الدواء توضح    وزير البترول: ندعم وزارة الكهرباء ب 120 مليار جنيه سنويا لتشغيل المحطات    والدة مصطفى شوبير: وجوده مع الشناوي شرف.. وعزومة «حمام ومحشي» للاعبي الأهلي    المقاولون العرب يهنئ الأهلي على فوزه بدوري أبطال أفريقيا    «أصعب 72 ساعة».. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم وتحذر من تغير مفاجئ بالحرارة    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج العقرب    حظك اليوم برج السرطان 26/5/2024    "هرب من الكاميرات".. ماذا فعل محمود الخطيب عقب تتويج الأهلي بدروي أبطال إفريقيا (بالصور)    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    واجب وطني.. ميدو يطالب الأهلي بترك محمد الشناوي للزمالك    أسعار الذهب اليوم الأحد 26 مايو 2024 محليًا وعالميًا    نيابة مركز الفيوم تصرح بدفن جثة الطفلة حبيبة قتلها أبيها انتقاماً من والدتها بالفيوم    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الدلو    جورج لوكاس يتسلم "السعفة الذهبية" بحضور كوبولا في ختام كان السينمائي    قصواء الخلالى: الرئيس السيسى أنصفنا بتوجيهاته للوزراء بالحديث المباشر للمواطن    وزير الرياضة ل"قصواء": اعتذرنا عما حدث فى تنظيم نهائى الكونفدرالية    سلوى عثمان تنهار بالبكاء: «لحظة بشعة إنك تشوف أبوك وهو بيموت»    مشابهًا لكوكبنا.. كوكب Gliese 12 b قد يكون صالحا للحياة    حزب المصريين: الرئيس السيسي يتبع الشفافية التامة منذ توليه السلطة    رابطة النقاد الرياضيين تُثمن تصريحات الشناوي بتأكيد احترامه للصحافة المصرية    أطول إجازة للموظفين.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات للقطاع العام والخاص    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث.. وما يجب فعله للوقاية    العلاقة المشتركة بين سرطان الرئة وتعاطي التبغ    بيرسي تاو يُهادي جماهير الأهلي بعد التتويج بدوري أبطال أفريقيا (فيديو)    قطع المياه اليوم لمدة 6 ساعات عن بعض المناطق بالأقصر.. تعرف عليها    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    61 ألف جنيه شهريًا.. فرص عمل ل5 آلاف عامل بإحدى الدول الأوروبية (قدم الآن)    صوّر ضحاياه عرايا.. أسرار "غرفة الموت" في شقة سفاح التجمع    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    رئيس جامعة طنطا يشارك في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات    الأزهر للفتوى يوضح العبادات التي يستحب الإكثار منها في الأشهر الحرم    المدن الجامعية بجامعة أسيوط تقدم الدعم النفسي للطلاب خلال الامتحانات    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي العلمي للمقالات العلمية    وزير الأوقاف: تكثيف الأنشطة الدعوية والتعامل بحسم مع مخالفة تعليمات خطبة الجمعة    توقيع برتوكول تعاون مشترك بين جامعتي «طنطا» و«مدينة السادات»    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الازهر يكتب تاريخه
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 10 - 2011

‏ لم أتخيل يوما أن أكتب عن الأزهر الشريف‏...‏ولكنني أكتب عنه لأنه أكبر حائط صد مصري ضد كل من يريد سوءا بهذا البلد‏,‏ ولان الأزهر الشريف في أبسط تفسير هو تعبير عن صحيح الدين و الوطنية المصرية‏.‏ أما ما أعرفه تأكيدا أن الحديث عنه أحوج ما يكون إلي قامة تملكها كاتبة قديرة في حجم الدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله تعالي. ولكنني أكتب الآن حيث يصدر بعد أيام مشروعا توثيقيا يتناول تاريخ وتأثير الأزهر الشريف تتبناه مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مشيخة الأزهر الشريف ودار الكتب الأزهري والمجلس الأعلي للآثار ومتحف الفن الإسلامي.
فالتبرع بالحديث عن سيرة رجال في حجم قامات وتأثير علماء كالشيخ شلتوت والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ جاد الحق والشيخ الباقوري وغيرهم ممن تحفظ الذاكرة من الايام القريبة و ممن يمكن أن نضيف إليهم من كوكبة المشايخ الذين كانوا يمثلون تيارا فكريا منذ زمن الشيخ الدمنهوري والدمهوجي والشرقاوي يعد عبئا ثقيلا.
والقائمة طويلة وكثيرة هي الاسماء... كابن الهيثم وابن زولاق وابن الفارض وابن خلكان وابن دقماق وعبد الوهاب الشعراني وعمر مكرم ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني والشيخ عبد العزيز جاويش, وأما الاحداث التي عقدت رباطا بين مصر والأزهر علي مر تاريخه فأكبر أي حقبة من الزمن.
ومن أجل هذا لا يمكن الاكتفاء بتشبيه الأزهر الشريف برائحة المسك المصري, ولا بكل الايام التي شهدها أهل مصر منذ أكثر من ألف واثنين وأربعين عاما هو عمر القاهرة الفعلي, ولا بكل ما كتب المتنورون من المعممين والمطربشين من الافنديات المصريين منذ زمن محمد علي الكبير.
فالأزهر الشريف جزء أصيل من الجدران المصرية فهو الذي تبني يوما ثورة ضد تعنت المماليك وأصدر الفتاوي التي تحارب جورهم بعد أن قاد انتفاضة شعبية عام1795, وهو الذي قاتل نيابة عن المصريين عندما صعد الثائرون علي مآذن الأزهر لاعلان ثورة القاهرة الأولي ضد الفرنسيس. ومن الأزهر خلع خورشيد باشا العثماني ونصب محمد علي ودعم أحمد عرابي في ثورته أشخاص كشمس الدين الامبابي والامام محمد عبده, وأما ثورة1919 فقد شهدت هي الآخري إقتحاما للجامع من الجنود الإنجليز الذين صعدوا حتي الرواق العباسي وهو حادث ربما لا يتوقف عنده التاريخ كثيرا.
والأزهر في النهاية هو الذي أشعل مشايخه الكثير من المعارك الفكرية في المجتمع المصري وهو الذي عمل علماؤه في مطبعة بولاق.. أول مطبعة مصرية وأجازوا طبع القرآن الكريم وكتب السيرة والحديث والفقه... وأدخل في فتواه كل صغيرة وكبيرة والتي وصلت إلي شرب القهوة الذي أجازه العلماء بعد أن ظل مشكوكا في كونه أحد المسكرات.والأزهر الشريف هو الآن الذي يسترد زعامته للوصول إلي فصل الخطاب من خلال وثائقه في مجتمع تعلو أمواجه بشكل لم يكن متوقعا.
والحكايات لا تتوقف عند هذا الحد و أما الزمن فسنواته أصعب من أن تعد... ففي عصر الفاطميين ولد الأزهر كأول عمل معماري فاطمي عاصر تأسيس القاهرة.
ويقال والرأي للعالم الدكتور عبد الرحمن فهمي وهو رأي كتب في جريدة الاهرام في نهاية الستينات أن الأزهر الشريف قد اتخذ اسمه من اسم الزهراء لقب السيدة فاطمة رضي الله عنها ابنة الرسول صلي الله عليه وسلم التي سميت بأسمها مقصورة أقيمت في هذا الجامع, في حين يري بعض المؤرخين أن هذه التسمية تنسب إلي القصور الزاهرة التي بنيت حينما أنشئت القاهرة.
بينما يري البعض الآخر أنه سمي كذلك تفاؤلا بما سيكون له من الشأن والمكانة في إزدهار العلوم. فكثيرا ما تتشابه بعض الأسماء التي أطلقت علي مؤسسات في ذلك العصر مثل مدينة الزهراء في الاندلس التي تأسست عام325 هجريا. وأما السبب الاخير لهذه التسمية فيرجع إنشاء الأزهر الشريف كتعبير عن حسن السياسة وبعد النظر الخاص بالحكام الفاطميين الذين أرادوا إقامة جامع خاص بهم.
أهم مشروع مصري
وبعيدا عن التفسيرات التي تحملها كتابات آثريين ومفكرين, فإن ما يقدمه الآن مجموعة من الشباب بمكتبة الإسكندرية لتوثيق تاريخ الأزهر الشريف بالاشتراك مع مشيخة الأزهر الشريف هو إنجازا مشهود لهم.
فالأزهر بالاضافة إلي مكانته الدينية يقف كعلامة فارقة في المعمار المصري بين آلاف العمائر الاسلامية. وقد أقيمت أول صلاة فيه يحضرها الخليفة المعز لدين الله الفاطمي- أول خلفاء الفاطميين في بر مصر- في غرة شوال أي أول أيام عيد الفطر المبارك عام362 هجريا.
وأما البداية الحقيقية له فكانت يوم وضع حجر الاساس في يوم السبت الموافق الرابع والعشرين من جمادي الأولي عام359 هجريا الموافق يناير عام970 م, ليستمر البناء والتشييد حتي صليت فيه أول صلاة في اليوم السابع من شهر رمضان الكريم عام361 هجريا والموافق لشهر يوليو عام972 ميلاديا. وكان الائمة الفاطميين حين يصلون بالناس بالجامع الأزهر الشريف تترجل العساكر كلها وتقف بالرحبة التي أمام الجامع تجاه الباب البحري حتي يدخل الخليفة إلي الجامع.
ويشير مشروع توثيق الأزهر إلي حقيقة لا نعرفها وهي أن الجامع ظل لسنوات طويلة يحمل اسم القاهرة تيمنا بأسم عاصمة المعز الجديدة الا انه تحول فيما بعد إلي اسم الأزهر.
ويقال إنه نال كل الاهتمام طوال تاريخ الفاطميين في مصر بدليل تجديد الخليفة العزيز بالله للايوان الشرقي وزخرفته, وتجديد المئذنة في زمن الخليفة الحاكم بأمر الله الذي بقي من أعماله كما يؤكد الباحثون- باب خشبي ضخم محفوظ حاليا بالمتحف الاسلامي بالاضافة إلي بصمته الانسانية في ترتيب أول وقفية للجامع الأزهر. كما قام الخليفة الآمر بأحكام الله باقامة أول محراب خشبي من خشب الشوح التركي.
ويذكر علي باشا مبارك ان جوهر الصقلي جعل أمام الجامع رحبة كبيرة جدا, من السكة الجديدة الي التبليطة, وعرضها من باب الجامع البحري( يقصد باب المزينين) الي الخراطين الصنادقية, وقد بقيت تلك الرحبة الي عصر الدولة الايوبية ثم شرع الناس في عمارتها حتي لم يبق لها اثر.
والواقع أن الأزهر قد ارتدي أبهي حلية معمارية في عصر الفاطميين الا انه لم ينل نفس الاهتمام المعماري في عصر الأيوبيين الذي بدأ بحكم الناصر صلاح الدين الأيوبي فعين صدر الدين عبد الملك بن درباس قاضيا شافعيا فأفتي بعدم جواز إقامة خطبة الجمعة في الأزهر وأقرها في جامع الحاكم بأمر الله الذي يمتلك مساحة أكبر للصلاة.
فانزوي الأزهر الشريف بعض الشئ بعد أن انحسرت عنه الأضواء وإن كان هذا لم يمنع وجود علماء أجلاء للتدريس به مثل عبد اللطيف البغدادي الذي أستمر ست سنوات يدرس فيه علوم الطب.
المماليك والعثمانلية
ويستمر الأزهر كمدرسة للعلوم العقلية والنقلية حتي جاء زمن الظاهر بيبرس الذي اعتبر عصره تخطيط كامل لدولة المماليك في مصر بكل توجهاتهم السياسية, فقام بإعادة صلاة الجمعة إلي الأزهر بعد انقطاع وصل إلي ما يقرب المائة عام حتي ان اليوم الثامن عشر من ربيع الأول عام665 هجريا اعتبر يوما لا ينسي في حياة القاهرة بعودة هذا الجامع إلي سيرته الأولي.
و توالت في زمن المماليك أيدي الاصلاح فقام بيبرس بعمل طاقية خشبية للمحراب القديم وشرفات مسننة حول الصحن ومنبر لم يتبق منه سوي لوحته التذكارية. واسس الأمير بيلبك الخازندار مقصورة كبيرة رتب فيها فقهاء لقراءة الفقه علي مذهب الامام الشافعي.
وفي عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون ضرب مصر زلزال كبير كانت نتيجته تهدم وتأثر الكثير من العمائر الفخيمة كما شيد الأمير علاء الدين طيبرس نقيب الجيوش, المدرسة الطيبرسية في هذا الزمن وتحديدا عام709 ه وتقع علي يمين الداخل من باب المزينين الآن وبنيت علي شكل جامع صغير ملحق وتوجد بها ميضأة وحوض مياه لشرب الدواب وقبة ضريحية, وفي عام725 ه جدد القاضي نجم الدين محمد بن حسن الأسعردي محتسب القاهرة عمارة الجامع, كما شيد الامير علاء الدين أقبغا عبدالواحد المدرسة الاقبغاوية عام740 ه, وتقع الان علي يسار الداخل من باب المزينين وقد أدت إلي اختفاء جزء آخر من واجهة الأزهر الرئيسية وأنشئ بجوارها مئذنة وقبة ولها ثلاثة أبواب
وفي عصر المماليك الجراكسة استحدث منصب ناظر الأزهر للاشراف علي الجامع وكان هذا المنصب لزمن مقصورا علي أمراء المماليك وحاجب الحجاب ومنهم من وصل إلي السلطنة مثل السلطان جقمق.
وفي هذا العصر أنشئت أيضا المدرسة الجوهرية في الطرف الشرقي البحري من الرواق الشرقي القديم للجامع عند باب السر للجامع الأزهر علي أيدي الامير جوهر القنقبائي خازندار الملك الأشرف برسباي وهي تتميز بقبتها التي تعد واحدة من أصغر القباب الحجرية في مصر.
ويذكر ابن اياس ان النهج نفسه استمر في زمن العثمانيين. فبعد ان أحكم السلطان العثماني سيطرته حرص خلال أشهر الثمانية التي قضاها في مصر علي اداء صلاة الجمعة بالجامع وكانت آخرها الجمعة الموافق السابع عشر من شعبان923 ه الرابع من سبتمبر عام1517 م. وتتابع تجديد الجامع في ذلك الزمن علي أيدي الشريف محمد باشا في عهد السلطان العثماني محمد الثالث, كما عمر الوزير حسن باشا رواق الحنيفية وجدد الامير إسماعيل بك سقف الجامع. وقام السلطان أحمد الثالث بترميم الجامع بخمسين كيسا من الذهب.
وفي بداية القرن السادس عشر بني الامير عثمان كتخدا القزدوغلي زاوية يصلي فيها العميان سميت بزاوية العميان وكان يربط بينها وبين المدرسة الجوهرية ممر من الحجر. وجدد رواق الاتراك ورواق السلميانية الأفغان وزادوا في مساحة رواق الشوام. تعتبر أعمال عبدالرحمن كتخدا شيخ البنائين في العصر العثماني من أهم الأعمال المعمارية التي جرت في الجامع الأزهر عبر تاريخه فقد علق الجبرتي علي هذه الانشاءات قائلا: ولو لم يكن له من المآثر الا ما انشأه بالجامع الأزهر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك, فقد زاد عبدالرحمن كتخدا من مساحة الجامع, واضاف باب المزينين وباب الصعايدة, وباب الشوربة و قبة ضريحية, وسبيل وثلاث مآذن ذات قمة مدببة علي الطراز العثماني.
دخول الفرنسيس
وتتلاحق الاحداث حتي يأتي زمن الحملة الفرنسية. وفي ثورة القاهرة التي اندلعت بعد أشهر قليلة من وصول جنود نابليون في أكتوبر عام1798 دخل الفرنسيس الأزهر الشريف وضرب بالقنابل من فوق جبل المقطم في اليوم الثاني والعشرين من أكتوبر وحدث وكما يحكي المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي أن:
دخلوا الي الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل وبينهم المشاة وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالاروقة والحارات وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلي الأرض طرحوها بأرجلهم.
الأسرة العلوية
وفي عهد الخديو اسماعيل تم تجديد باب الصعايدة الكبير عام1865, وقام الخديو توفيق من بعده بترميم قبة الحافظ المطلة علي صحن الجامع وتجديد الأروقة التي أضافها عبد الرحمن كتخدا. وفي عام1891 قامت لجنة حفظ الآثار العربية بهدم المباني التي كانت قائمة في واجهة المسجد الغربية وبعدها بخمس سنوات ازالت كتاب عبد الرحمن كتخدا الذي يعلو باب المزينين ثم ازيل كل ما يشوه مدخل قايتباي.
ثم افتتح الرواق العباسي علي ايدي الخديو عباس حلمي الثاني في حفل كبير استقبله فيه الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر وألقيت فيه أبيات شعرية قدمها الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي أحد كبار علماء السادة المالكية.
وفي عهد الملك فاروق قامت لجنة الآثار العربية بترميم واصلاح مئذنة وقبة المدرسة الاقبغاوية وفرش الجامع بالسجاد اليدوي علي نفقته الخاصة. وقد استمر الأزهر علي حالته حتي تم انشاء الواجهة المطلة علي شارع الأزهر عام1970 قبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر.وتوالت الهدايا ونذكر منها ما قدمه رئيس باكستان الأسبق ضياء الحق من سجاد وما قدمته مصر من إهتمام خاص عام1998 لتدعيم أروقة عبد الرحمن كتخذا وحماية الأزهر من آثار النفق وهناك الكثير من الغرائب المعمارية لهذا الجامع ومنها تيجان الاعمدة والاسطورة التي تقول إن بالجامع طلسما وهو ما يجعله محرما علي سكني الطيور.
صوت النحل
وبنظرة إلي الداخل الأزهري فان مجتمعا من طراز خاص نشأ داخل الجامع وأكثر ما يلفت الانتباه الاحتفالات ومنها الاحتفال بالمولد النبوي الذي كان يركب فيه القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلي الجامع ومعهم أرباب تفرقة صواني الحلوي التي أعدت بالقصر لتفرق علي قاضي القضاة وداعي الدعة وقراء الحضرة والخطباء. ولم يكن شهر رمضان الكريم اقل حظا ففي الجمعة الثالثة كان يخرج الامام في موكب مرتديا ملابس بيضاء وحوله قراء الحضرة يرتلون القرآن والجنود يحملون الرماح وفي نهايتها أهلة من ذهب بينما يحمل مقدمو الركاب عن يمين الخليفة ويساره أكياسا تحوي أموال الصدقة.
وقد كان الأزهر منذ البداية معدا ليكون دار حكمة وكان أولي الحلقات خاصا بالقاضي أبو الحسن علي بن أبي حنيفة النعمان, وقد عاد المماليك بالأزهر إلي سيرته الأولي فأعادوا له الخطبة وجاءه علماء من أمثال ابن خلدون. وكان الشيخ غالبا ما يجلس بجانب عمود من الأعمدة ثم يتحلق الطلبة من حوله وقد قدر أوليا جلبيالرحالة التركي عدد الطلاب ب12 ألف طالب أصواتهم كصوت النحل منهم3000 من مكفوفي البصر.
وبالنسبة للأروقة فهو تعبير أزهري صميم يعني المكان المخصص كمقر سكني للطلبة وهو عبارة عن غرف متصلة بأسوار الجامع الأزهر وقد ابتدعها الخليفة العزيز بالله الفاطمي وعددهم19 رواقا و14 حارة حسب الجنس أو المذهب ومنهم: رواق الهنود والصعايدة والحرمين للطلبة من أهل المدينة المنورة ومكة المكرمة والدكارنة الغورية الخاص بأهل سنار ودارفور, والشوام والجاوة الخاص بأهل جزر الهند الشرقية والسليمانية المخصص لأهل أفغانستان وخراسان والجبرتية الخاص بأهل الصومال واليمنية لجنوب الجزيرة العربية والاكراد لشمال العراق والبغدادية لأهل العراق وكاونة صليح الخاص بتشاد. وكانت حارات الأزهر تخصص للأمتعة وأشهرهم حارة الجيزاوية والدكة والزهار.
أما الجرايات فلها قصة أخري ففي عهد أحد الفاطميين منح طعاما لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان. وفي زمن الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون خصص للمجاورين طعاما كل يوم. وأوقف مجموعة من المهتمين أوقافا منهم الامير ركن الدين عمر وفاطمة زوجة الامير الزيني شعبان والامير السيفي يشبك الدوادار والسيدة زينب بنت العلائي. ويذكر الرحالة أوليا جلبي أن الفقراء من الطلبة كانوا يحصلون علي صحن من الأرز والعدس ورغيف خبز وفي كل ليلة جمعة يقدم لهم الأرز واللحم. كما يذكر الجبرتي أن المجاورين قاموا باغلاق أبواب الجامع بعد صلاة الجمعة عندما ألغي خبز المجاورين عام.1785 وفي عام1929 استصدرت مشيخة الأزهر مرسوما ملكيا ياستبدال الجرايات بمرتبات نقدية وبلغت مخصصات الجرايات عام623001948 جنيه مصري.
مكتبة الأزهر
بطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن الأزهر دون الدخول إلي كتبه وعلمائه المشهود لهم, فبعد عشرين عاما من إنشاء الأزهر ولدت مكتبته في عهد الخليفة العزيز بالله ولكنها تعرضت للنهب عند قيام الجنود الأتراك بالعصيان ضدالخليفة المستنصر بالله.
وفي العصر المملوكي كانت هناك وثيقة الشيخ سليمان الابشادي الذي أوقف كتبا علي الفقراء القاطنين بالجامع الأزهر في أواخر دولة المماليك الجراكسة وقد ختمت بختم من نعم الله علي الابشادي المالكي. وقد قدرت خزائن الكتب بمائتي خزينة من سبع طبقات وأرفف ولها موظف مسئول باسم خازن الكتب وخصص جزء من ريع الاوقاف لشراء الكتب تحت إشراف الجهاز القضائي.
وكان موضع المكتبة في القرن السابع عشر خلوة بجوار منبر الظاهر بيبرس حتي هدمها عبد الرحمن كتخدا وفرق كتبها علي خزائن الأروقة وجامع العيني والفكهاني. وفي عام1897 تم اختيار المدرسة الاقبغاوية لتكون مقرا للمكتبة وأما صاحب الفكرة فكان الامام محمد عبده وقد امتنع أهل رواق الاتراك والمغاربة عن ضم مكتباتهم ولم تنضم مكتبة رواق المغاربة سوي عام1936 ورواق الحنيفية عام.1956 وفتح باب التبرع فدخل أشخاص أمثال سليمان باشا أباظة وحليم باشا, وشمس الدين الالباني والشيخ حسونة النواوي وعبد القادر الرافعي ونجيب المطيعي وأحمد باشا راشد. ووصلت مجموعات المكتبة عام1949 إلي80000 مجلد منها20000 م خطوط وفي عام1200001959 مجلد ومخطوط.
شارك في هذا العمل التوثيقي
د.خالد عزب محمد السيد حمدي
شيماء السايح محمد منير رعد الحسيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.