لا يخلو طريق أو شارع جانبى أو حارة من كلب يتجول دون رقيب.. وكثير من المارة يخشون السير فى الشوارع الموجود بها كلاب، ومرات أخرى ينطقون الشهادة ويتمتمون ببعض العبارات التشجعية حتى يكتمل مرورهم من الطريق بسلام دون خوف من عقر محتمل. مشهد طفل مدينتى شرق القاهرة يهرول هربًا من الكلبين قبل أن يهجما عليه ويعقرانه، أثار فزع العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعى وغيرهم من الأهالى. وحادث طفل مدينتى، نقطة فى بحر من مئات عقر من الكلاب الضالة أو حتى الكلاب المُرباة فى البيوت، فدائرة الخطر يومًا بعد يوم تتسع وتتزايد لتضم ضحايا جددًا قد يتعرضون فى أى لحظة للأذى، فحسب الهيئة العامة للخدمات البيطرية حوالى مليون و360 ألف حالة عقر تمت خلال الأربعة أعوام الماضية، و398 ألف حالة تعرضوا للعقر خلال العام الماضى، منهم 65 شخصًا توفوا على الفور! حسب الإحصائيات الرسمية احتلت عدة محافظات المراكز الأولى فى حالات العقر، فجاءت محافظة البحيرة فى المرتبة الأولى بحوالى 39 ألف حالة فى العام، والجيزة فى المرتبة الثانية بحوالى 27 ألف حالة، والشرقية فى المرتبة الثالثة بحوالى 26 ألف حالة، والقاهرة والمنوفية احتلتا المركز الرابع بحوالى 23 ألف حالة، والدقهلية فى المرتبة الخامسة بحوالى 21 ألف حالة، وأيضًا الإسكندرية بحوالى 21 ألف حالة. خطورة السعار قدر عدد الكلاب الضالة فى الشوارع بحوالى 15 مليونًا، طبقًا للجميعات العامة للرفق بالحيوان، لكن لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان أعلنت أن عددها تجاوز ال 18 مليون كلب، أى بواقع كلب لكل 7 مواطنين، ووصل حجم الإنفاق الحكومى على أمصال علاج هذه الكلاب حوالى 80 مليون جنية سنوياً. مشكلة كثرة أعداد الكلاب، ترجع حسب دكتور مبروك رمضان طبيب بيطرى بوحدة البيطرية بأواسيم إلى زيادة عدد مواليد الكلبة فى السنة، حيث تلد من 10 – 14 مولودًا خلال دورة حياتها، حيث تلد مرتين خلال العام الواحد، مشيرًا إلى أن هذه الزيادة فى المواليد جعلت كل شارع أو قرية لا يقل عدد الكلاب بها من 300 ل 400 كلب. وأشار إلى أن الأزمة الأكبر هى سعار هذه الكلاب وليس فى زيادة مواليدها، موضحًا أن الطعام الملوث الذى تتغذى عليه الكلاب فى الشوارع يزيد لديها السعار، وهو عبارة عن ميكروب فى لعاب الكلب يظهر نتيجة عدم تحصينه وإعطائه التطعيمات اللازمة مثلما يحدث مع الكلاب التى يتم تربيتها فى البيوت والتى يتم تطعيمها من سن 6 سنوات ويعاد هذا التطعيم كل عام, وتابع: «تزداد خطورة الشخص الذى تعرض للعقر عند قرب المنطقة المصابة من المخ مثل الذراعين أو الجزء العلوى من الجسم، والذى يكون قريبًا من المخ، أما لو العقر فى الجسم السفلى من الجسم تكون الخطورة أقل لبعدها عن المخ، مشيرًا إلى أنه عند عض الكلب المصاب الشخص ينتقل الميكروب لجسم الإنسان ويسرى من الأعصاب، وقد يسبب شللاً فى جميع أعصاب الجسم وحالة من الصرع وشللاً فى الأحبال الصوتية. وأشار د. سامى عباس طبيب بيطرى إلى أنه هناك العديد من التعليمات الواجب اتباعها فى حال تعرض أى شخص للعقر، منها غسل الجرح جيدًا بالماء والمطهر، أو الصابون، ثم الذهاب فورًا إلى المستشفى لإعطاء المريض «حقنة التيتانوس» والتى تؤخذ فى اليوم الأول، وهو نفس اليوم الذى تعرض فيه المريض للعضة، أما الجرعة الثانية فتؤخذ فى اليوم الثالث للعضة، والجرعة الثالثة فتؤخذ فى اليوم السابع، وعن الجرعة الرابعة فإنها تؤخذ فى اليوم الرابع عشر، أما الجرعة الأخيرة والخامسة فتؤخذ فى اليوم الثامن والعشرين، وذلك عكس ما كان يحدث فى الماضى، حيث كان الشخص يأخذ من 20 إلى 21 حقنة فى يوم واحد. ومن جانبه قال، محمد الحسينى عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب: «إن أزمة الكلاب الضالة انتشرت بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث كانت تستخدم الخرطوش للتخلص من الكلاب المسعورة على الفور، ولكن توقفت هذه الطريقة بعد الثورة ولم يعد يستخدم الخرطوش مرة أخرى، رغم أنه أقل كُلفة على الدولة من الطرق الأخرى. وأشار إلى أنه فى الفترة الحالية يعتمد قطاع الطب البيطرى على مادة الأستركتين للتخلص من الكلاب المسعور بعد زيادة الشكاوى منهم، لافتًا إلى أن هذه مادة يتم استيرادها من الخارج ويقدر ثمن الكيلو منها بحوالى 14 ألف جنيه. وتابع: 2 جرام من مادة الأستركتين تكفى لقتل كلب، والكيلو من هذه المادة يقتل حوالى 500 كلب، ولكن مشكلة هذه المادة تمكن فى أنها باهظة الثمن، حيث قدر تكلفة المطلوب من هذه المادة للقتل كلاب الشوارع المصابة بالسعار حوالى مليار و500 مليون جنيه. طرق جديدة للحل قدم العديد من الأشخاص وجمعيات الرفق بالحيوان مبادرات لحل أزمة الكلاب الضالة.. اقترحت مارجريت عازر وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان بتصدير الكلاب إلى الدول التى تأكلها مثل كوريا الشمالية، وذلك بعد أن يتم جمعها بواسطة هيئة القطاع البيطرى. بينما قدمت وزارة الزراعة وجمعيات الرفق بالحيوان مبادرة لمواجهة ظاهرة الكلاب الضالة، تتمثل فى إجراء عمليات خصى وتعقيم لها لمنع تكاثرها، وبالفعل نفذت مديريات الطب البيطرى بمختلف المحافظات هذه المبادرة وقاموا بملاحقة الكلاب الضالة وإجراء عمليات إخصاء لها وتعقيم الأناث. كما تم توقيع بروتوكول تعاون بين جمعية الرفق بالحيوان وجميعات الرفق بالحيوان فى سويسرا لتدريب الأطباء البيطريين والتعاون لإجراء عمليات إخصاء للكلاب، والتدريب على كيفية التعامل مع الكلاب المسعورة ومعالجتها. بينما اعتمد بعض الأهالى على طرق التسمم التقليدية للتخلص من الكلاب، حيث يتم وضع سموم فى الطعام ويتم إعطائها للكلب والذى يلفظ أنفاسه فور تناوله الطعام، هذه الطريقة انتقدتها العديد من جمعيات، منها جمعية الرفق بالحيوان والتى رأت أن ظاهرة تسميم الحيوانات مريعة وليست آدمية. الرعاية.. هى الحل فى مصر أكثر من 360 مكان لرعاية الحيوانات، منها الفنادق الفخمة، وجميعات الرفق بالحيوان، أشهرها الجمعية المصرية للرفق بالحيوان، والتى أعلنت على صفحتها الرسمية تم إنشاؤها فريق عمل لنشر الوعى لمواجهة المعاملة الوحشية للحيوانات. ومن جانبها ترى جمعيات الرفق بالحيوان، حل هذه الأزمة فى تجميع أكبر عدد من الكلاب ووضعها فى الأماكن المخصصة لها، فالجمعية المصرية على سبيل المثال تستقبل معظم حيوانات عاشت فى ظروف مريعة فى الشوارع والطرق العامة، فضلًا عن تعرض الكثير منها لمعاملة سيئة وللتعذيب من الناس عندما تحاول تتقرب منهم. ويتمحور الهدف الرئيسى للجمعية فى توفير مساكن دائمة للحيوانات، فضلًا عن وضع خطط لتسهيل عمليات التبنى من الخارج لكى يساعدوا فى تسكين أكبر عدد ممكن من القطط والكلاب فى بيوت هادئة ومريحة. على جانب آخر، فى قرية مترامية الأطراف، على طريق سقارة توجد جمعية «أسمى» المتخصصة فى رعاية وحماية كلاب الشوارع، والتى تعتنى بالعديد من الحيوانات الضالة وتضم عيادة بيطرية لعلاج الحالات الحرجة وتقدم الدواء المناسب لها، كما يوجد بها عاملون مهامهم الرعاية الكاملة بالكلاب وتقليم أظافرها ونظافتها، والاهتمام الكامل بالمريض منها. وتضم الجمعية عددًا كبيرًا من الكلاب المتواجدة على أراضٍ مفروشة بالبطاطين، فضلًا عن وجود أخرى فى حجرات تفصلها عن بعضها أسوار حديدية تتوسطها أبواب لدخول العامل الذى يتولى تنظيفها ووضع الأطعمة اللازمة لها. وتقول الدكتورة منى خليل المشرف على الجمعية: «لا توجد ثقافة فى مصر للاعتناء بصحة الحيوانات، فالكثير من الأفراد يعاملونها بطريقة سيئة، فضلًا عن تعذيبها، مشيرةً إلى أن هدف الجمعية هو إنقاذ حياة الحيوانات. ولفتت «خليل» إلى أن أهم أولويات الجمعية هو منع استخدام القسوة كليًا ضد الحيوانات وتعقيمها لمنع تكاثرها فى الشارع، فضلًا عن إيواء الكلاب المعذبة والجائعة وعلاجها ورعايتها حتى تكون مؤهلة للذهاب إلى منازل من يريد إيواءها. وأكد «محمد دسوقى» رئيس مجلس إدارة الجمعية، أنه بإمكان أى فرد التقدم بطلب لتبنى كلب، ولكن هناك شروطًا لقبول طلبه منها أن يكون لديه منزل مناسب ليعيش فيه الحيوان، فضلًا عن توفير الرعاية اللازمة له. وأوضح: «أن الجمعية تستقبل نزلاء من الكلاب للإقامة مقابل 50 جنيهًا لليلة الواحدة وهو سعر رخيص للغاية مقارنةً بالفنادق والجمعيات الأخرى». وأشار إلى أنهم يقومون بعمل نزهة للحيوان كل أسبوع لينبعث فيه الأمل والروح من جديد. وأكد «محمود حسن» عامل بالجمعية: «إنه يتقاضى 1200 جنيه نظير عمله، مشيرًا إلى أنه يأتى إلى العمل فى 9 صباحًا ويقوم بتنظيف حجرات الكلاب، ثم يحضر لها الطعام، وأخيرًا يقوم بإعطاء الدواء للحيوانات المريضة. كما خصصت الجمعية يومًا فى الأسبوع لاستقبال الزوار والأشخاص الأجانب المحبين الحيوانات، حيث يأتون كل يوم جمعة لنزهة الحيوانات واصطحابها لجولة فى الشوارع لمدة ساعة تقريباً، ولا يقتصر الأمر على الأجانب فقط، بل يأتى أطفال من القرية للعب مع الكلاب وإطعامها. وقالت إحدى الزائرات للجمعية وتدعى كرستيانا، إن التخلص من الكلاب ليس حلًا للأزمة، ولكن لا بد من الاعتناء بها واتباع الإرشادات الخاصة بعلاجها وتطعيمها، مشيرًا إلى أنها تربيت فى بيت ملىء بالحيوانات.. واعتدت منذ صغرى على التعامل مع الحيوان والعطف عليه، وأشارت إلى أنها تأتى كل أسبوع إلى الجمعية لإطعام الكلاب وإخراجها فى نزهة. شروط التربية فى البيوت رغم أن هناك خلافًا من الناحية الشرعية حول إباحة تربية الكلاب فى البيوت، حيث أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تقول: إنه لا يجوز اقتناء الكلاب إلا لأغراض مشروعة مثل الحراسة بشكل عام، والصيد المباح، وأما اقتناؤها لغير حاجة فيحرم ولا يجوز، ومع ذلك لم تتوقف محاولات العديد من الأشخاص لاقتناء كلب، كما كرسوا أوقاتهم من أجل الاهتمام بها، بل اعتبروها وسيلة أيضًا لحماية الكلاب من المخاطر التى تتعرض لها فى الشوارع. وبعيدًا عن الناحية الدينية، فإنه من الناحية القانونية والتى لا يلتزم الكثير بها، لا بد أن يتم ترخيص الكلاب لحماية أصحابه من المساءلة القانونية فى حال اعتداء الكلب على غريب، وهذا الترخيص عبارة عن حلقة معدنية تعلق فى طوق على رقبة الكلب الذى تم تطعيمه التطعيمات الخاصة بالكلاب بشكل كامل، وأهمها تطعيم السعار، ويتم استلام هذه الحلقة المعدنية من مديرية الطب البيطرى، مقابل دفع رسوم بسيطة جدًا». ومن جابنها، تقول «مى عبدالرحمن» إحدى مربيات الكلاب، إنها قامت بتجهيز حديقتها لكى تضع بها عددًا من الكلاب تحتاج إلى رعاية ولتحميها من برد الشتاء وحر الصيف.. وتقول إنها تعتنى بالحيوانات بشكل جيد، وربت بناتها على العطف عليها، وإذا رأت حيوانًا يتألم فى الشارع أو به مكروه لا تتأخر فى مساعدته.. مشيرةً إلى أن الكلاب والقطط فى أمس الحاجة إلى العناية بها، خاصةً بعد الحوادث البشعة التى حدثت مؤخرًا من قتل وتعذيب لها. أما «رشا توفيق» فرأت أن اقتناء الأشخاص الكلاب الضالة يساعد فى حل الأزمة، مشيرًا إلى أنها تقوم بتربية عدد من الكلاب فى منزلها وتتعامل معها بكثير من الاهتمام والرحمة، كما تعتنى بها ولا تبخل فى شراء كل ما يلزمها، فهى تعتبرها مصدر ألفة لها. وأشارت إلى أنها تتبع الإرشادات المطلوبة للاعتناء وتربية الكلاب، منها إطعامها الطعام الجيد على فترات منتظمة، وإعطاء الماء المناسب، وإجراء عملية الإخصاء لها من عمر 6 أشهر عند طبيب بيطرى.