لم تعد وزارة الصحة اسما على مسمى، ولم يعد أمامها بد من أن تغير اسمها ليصبح «وزارة المرض»، أو «وزراة الكذب»، بعد أن استهانت بحياة الملايين من الأطفال الأبرياء وهددتهم بالقتل بالأمصال الفاسدة، ثم كذبت فى بيانات رسمية لتدارى على جريمتها فى حق المصريين. فمنذ حوالي شهر، سادت حالة من الارتباك والذعر بين المصريين، بسبب ما تردد عن وجود أمصال فاسدة تتسبب في وفاة الأطفال عقب التطعيم، وهو ما نفته الوزارة في بياناتها الرسمية وقالت: إنه شائعة لا أساس لها من الصحة، ثم اتبعتها ببيانات أخرى تؤكد أنها لم تطرح تطعيمات من الأصل، مؤكدة أن هناك أشخاصاً مجهولين يحملون كارنيهات مزورة يمرون على المنازل من أجل تطعيم الأطفال، بأمصال متعفنة! ورغم هذه البيانات التى أرادت من ورائها وزارة الصحة أن تخلى مسئوليتها من فضيحة هذه الأمصال، فقد حصلت «الوفد» علي مستندات تؤكد كذب وتواطؤ المسئولين بوزارة الصحة والهيئة القومية للبحوث والرقابة علي المستحضرات الحيوية وهيئة الرقابة الدوائية والادارة المركزية لشئون الصيدلية بالإضافة إلي شركة جلاسكو للأدوية الضلع الخفي في معظم الفضائح الطبية التى تجرى في مصر منذ الإعلان عن توريدها مصل انفلونزا الخنازير, والتى طرحت مؤخرا كميات فاسدة من المصل الثلاثي للأطفال «mmr» الذي يعالج الغدة النكافية والحصبة الألمانية والحصبة العادية. أما الفضيحة الجديدة التى تتعلق بالأمصال الفاسدة، فتؤكد مدى الاستهتار بكل ما يتعلق بصحة المواطن المصري، وأن الاتجار بالمرضى والتربح من آلامهم والتلاعب بحياتهم بات شعار الكثير من شركات الأدوية ومسئولي وزارة الصحة في قطاع الشئون الوقائية والمتوطنة. رقابة على الورق القصة بدأت وقائعها مع بداية العام الحالي وتحديدا في 5 يناير الماضي، حينما تم ادخال عينات 13 تشغيلة - التشغيلة بمثابة كمية من الأمصال صنعت في ظروف واحدة في خط إنتاج واحد- من أمصال «mmr» من انتاج شركة جلاسكو GSK» إلي معامل الهيئة القومية للبحوث والرقابة علي المستحضرات الحيوية، لتحليلها وبيان مطابقتها من عدمه، ثم توريدها لوزارة الصحة لتدخل ضمن برنامجها الموسع للتطعيمات. إلا أن الهيئة اتبعت أسلوبا غريبا لا يحدث إلا في مصر، حيث اعتمدت علي السمعة الطيبة للشركة المنتجة للأمصال ولم تقم بواجبها بتحليلها تحليلا كاملا، واكتفت بإجراء التحاليل الشكلية لها «بما يعنى مراجعة خطوات التحضير للتشغيلة علي الورق فقط» من خلال الكشف الظاهرى للعبوة، والكشف عن درجة الحمضية للمستحضر بعد اذابته في المذيب الخاص به، بالإضافة الي مراجعة أوراق التشغيلات. ولأن الشكل الخارجى وأرواق المستحضر لا يمكن أن تثبت وجود أخطاء في المنتج، فإن الهيئة أقرت بصلاحيته للاستخدام والتداول عبر الوزارة وتمت مطابقته، والسماح بتداوله في 29 يناير الماضي لأن مسئولي الوزارة استعجلوا خروجها لاحتياجها الشديد للأمصال!! واعتمدت الهيئة الكميات وقالت: إنها صالحة للاستخدام وبالفعل تم السماح بتداول 8 تشغيلات من أصل 13, وزعتها الوزارة علي المحافظات في بداية فبراير الماضي لتبدأ برنامجها الموسع للتطعيمات لكن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن حيث وقعت عدة اصابات بين الأطفال وكذلك حالة وفاة نفتها الوزارة بسرعة شديدة.
أمصال متعفنة وتؤكد المستندات التى حصلت عليها الوفد أن أمصال التطعيمات التى أصابت الأطفال خرج منها بالفعل 8 تشغيلات وبقيت 5 تشغيلات أخرى موجودة بمخازن التموين الطبي بالعجوزة وتقدر بحوالي 600 ألف جرعة مصابة «بعفن يشبة عفن الخبز»، وأكد الفحص الفنى لها «وجود جسم غريب ملتصق علي الجزء العلوى من الجدار الداخلي لبعض الزجاجات ويختلف في شكله ولونه عن البودرة المكونة للقاح، كما اثبت الفحص أيضا وجود جسم معلق علي غطاء بعض الزجاجات من الداخل بنفس لون البودرة المكونة للقاح». هنا أدرك مسئولو وزارة الصحة أنهم أمام جريمة مكتملة الأركان، فالتطعيمات فاسدة وأوراقها الرسمية تؤكد صلاحيتها والاصابات بين الأطفال أصبحت أمراً واقعا، ولكن بدلا من اصدار قرار بإعدام الكمية أو التحفظ عليها وتحويل كل من تسبب في تداول الأمصال الفاسدة بين أطفال مصر الي النائب العام لفتح تحقيقات بشأنها، لجأ مسئولو الوزارة الي الأسلوب الأسهل فقاموا بلملمة الموضوع وتستيف الأوراق حتى يتم التستر علي الفضيحة. وقام الدكتور عمرو قنديل رئيس قطاع الشئون الوقائية بالوزارة بمخاطبة الجهات الرقابية علي الدواء لسحب عينات من التشغيلات الخمس المتبقية لإعادة تحليلها وجاء ذلك في الخطاب المؤرخ في 28 مارس الماضي وموقع من قنديل والدكتور محمد جنيدى مدير عام الادارة العامة لمكافحة الأمراض المعدية إلي الدكتور محسن عبد العليم رئيس الادارة المركزية لشئون الصيدلة لمطالبته بإعادة تحليل العينات للفصل فيها، لأنه من المقرر استخدام تلك العينات ضمن برنامج الوزارة الموسع للتطعيمات لأن الرصيد حرج للغاية!! فما كان من إدارة التفتيش علي المستحضرات الحيوية، إلا أن خاطبت رئيس قسم ترصد ما بعد التسوق بالهيئة القومية للبحوث والرقابة علي المستحضرات الحيوية لتحديد يوم الاثنين 2 أبريل الجاري موعدا للجنة الفحصالجديدة التى ستقوم بسحب عينات من التشغيلات الخمسة والتى تحتوى علي 600 ألف جرعة والتى مازلت موجودة بمخازن التموين الطبي بالعجوزة.
كارثة كبرى أما الكارثة الكبرى فقد كشفها خطاب آخر لنفس الادارة بتاريخ 4 إبريل الجاري تطالب فيه بالسماح للشركة المنتجة للأمصال» باستعادة العينات الفاسدة الموجودة بالمخازن في وجود مفتش الإدارة المركزية للشئون الصيدلية حتى يمكن للشركة عمل التحريات الأزمة للأمصال. وقد تمثلت هذه الكارثة في تأكيد رئيسة قسم الرقابة الفيروسية بالهيئة القومية للبحوث والرقابة علي المستحضرات الحيوية، علي عدم وجود خلايا للتجارب علي كفاءة المستحضرات الواردة للهيئة منذ أكثر من عام وهو شيء معلوم لرئيسة الهيئة، وهو ما يقودنا بديهيا إلي الكشف عن مفاجأة أخرى تمثلت في عدم خضوع أمصال شركة جلاسكو لأي اختبارات فيروسية لبيان مدى كفاءة المنتج وأمانه علي المستخدمين، حيث إن الأصل في الأمصال المتداولة أنها مستحضرات فيروسية وبالتالي لابد من خضوعها لاختبار الفيروسات, بالاضافة الي ذلك فانه لم يتم إجراء أي اختبارات لعقامة الأمصال والتى تفيد ان كان المصل يحتوى علي فيروسات أخرى أم لا، علما بأن شركة جلاسكو هى من قامت باستيراد مصل انفلونزا الخنازير وأيضا قدم العديد من النشطاء في مجال الأدوية بلاغا للنائب العام لاكتشاف أخطاء في ادويتها.