منذ منتصف فبراير الماضى، ترددت أنباء عن تطعيمات لشلل الأطفال قاتلة ومجهولة، ولم يستطع أحد أن يقف على حقيقة الأمر، فقد نشرت العديد من الصحف ذعر وهلع المواطنين فى بعض محافظات مصر؛ بسبب مرور مجهولين على منازلهم، وإعطاء أطفالهم تطعيمات لشلل الأطفال، أكدوا فسادها؛ تحت زعم أن الأطفال الذين تم إعطاؤهم هذه الأمصال قد أصيبوا بارتفاع فى درجة الحرارة وقىء وإسهال، ومن أمثلة ذلك تلقى قسم مطروح بلاغًا من أحد المواطنين يدعى محمد عبد السلام حماد، حيث أثبت فى محضر رسمى أن مجهولين أجبروا ابنه فايز، على التطعيم بمنطقة حى الدولار، وتم نقل الطفل على إثر ذلك لمستشفى مطروح العام، وبعد إجراء الكشوف الطبية على الطفل الذى كان يرقد بحجرة رقم(7) بالدور الثالث، تم عمل غسيل معدة له، وإرسال التحاليل اللازمة إلى وزارة الصحة للبت فيها، وجراء ذلك انتشر الذعر بين المواطنين فى مختلف محافظات مصر شمالها وجنوبها، وترددت أنباء عن إصابة أربعين طفلاً بمركز ديرمواس محافظة المنيا، وكذلك حالات وفيات أطفال جراء التطعيمات الفاسدة، وحيال ذلك سارعت وزارة الصحة إلى إصدار بيان تكذّب فيه فساد أمصال الوزارة، وأنه لم يتم الإعلان عن حملة تطعيمات خلال هذه الفترة عبر وسائل الإعلام، وبعبارة أخرى هناك من يقوم بذلك من خارج وزارة الصحة بإعطاء لقاحات فاسدة، وناشدت المواطنين بعدم إعطاء أطفالهم التطعيمات إلا من خلال الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة، كما نفت وجود أى حالات وفيات بالمرة فى أى من محافظات مصر، وأغلق هذا الملف الخطير الذى يتعلق بأرواح فلذات أكبادنا الأبرياء على هذا النحو الغامض دون الوقوف على حقيقة الأمر. الأقدار وحدها هى التى ألقت بهذه المستندات المهمة والخطيرة التى تكشف حجم الفساد، وإهدار المال العام، ومدى الاستهانة بأرواح الأبرياء من أطفالنا فى هيئة الرقابة الدوائية، لتتلقفها أيادى اثنين من أعضاء الهيئة وهما الدكتور شعبان عبد اللطيف، رئيس شعبة اختبار المواد بهيئة الرقابة الدوائية، والدكتور حسن السبيرى عضو هيئة الرقابة الدوائية، حيث وجدا هذه المستندات مبعثرة فى إحدى السيارات التابعة لهيئة الرقابة الدوائية ليحلا لنا - بعد دراسة واعية ومستفيضة- طلاسم ذلك الملف الغامض الذى يشكل خطرًا محدقًا على أطفال مصر الأبرياء، و"المصريون" لا تهدف من وراء نشر هذه المستندات، إحداث نوع من الذعر والبلبلة والهلع للمواطنين على فلذات أكبادهم، أو تحقيق مكاسب إعلامية رخصية بأبخس الأثمان، فالظرف الدقيق الذى تعيشه مصر لا يحتمل مثل هذا، وإنما قصدت بذلك عين الحقيقة وإظهار الحق، والقيام بمسئوليتها الاجتماعية تجاه الوطن، وحماية أطفال مصر الأبرياء من فساد ممن لا يخافون الله، ويستهينون بأرواحهم من تحقيق مكاسب مادية، حتى ولو مصوا فى سبيل ذلك دماء الغلابة، وقتلوا الأبرياء، فقد ساقت الأقدار إلينا هذه المستندات التى تكشف لنا مدى الفساد فى هذه المؤسسة المهمة والحيوية والتى تلعب دورًا خطيرًا يتعلق بحياة المواطنين وأرواحهم، والتى تتبع وزير الصحة مباشرة، لتقول لنا من واقعها: إنه بتاريخ 5/1/2012 دخلت عينات أمصال(mmr)، وهى عبارة عن 13 تشغيلة بكمية(294,750) فيال 2 جرعة من لقاح إم إم أر والمقسمة إلى عدد خمس تشغيلات بتاريخ انتهاء صلاحية 7/8/9/2013 إلى الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية؛ وذلك لتحليلها وبيان مطابقتها من عدمه، من أجل توريدها إلى الوزارة ضمن البرنامج الموسع للتطعيمات، إلا أنه من واقع المستندات تحت زعم استعجال الوزارة لاستخدام هذه الأمصال سريعا جراء نقصه من السوق المصرى باستخدام عبارة "للحاجة الحرجة" من قبل الوزارة، وعلى إثر ذلك خرجت العينات من الجهة المذكورة آنفًا تفيد بمطابقة المنتج وصلاحيته للاستخدام، وذلك بتاريخ 19/1/2012، وهو ما يعنى خروج هذه العينات فى أقل من شهر، وهو ما يعنى أيضًا أن الاختبارات التى تمت على هذه العينات كانت اختبارات سطحية، لا تمس صلاحية المنتج من عدمه من قريب أو بعيد، وبالتالى فكل ما تم حيال هذه العينات - على حسب مصادر مطلعة بالهيئة - كما أيدت ذلك المستندات، هو الكشف الظاهرى للعبوة(visual inspecthon)، والكشف عن درجة الحامضية للمستحضر بعد إذابته فى المذيب الخاص به(ph)، وأضف إلى ذلك مراجعة خطوات تحضير المستحضر من هذه التشغيلة على الورق، وأكد الدكتور شعبان عبد اللطيف، رئيس شعبة اختبار المواد بهيئة الرقابة الدوائية، أنه من واقع المستندات التى حصلت" المصريون" على نسخة منها، أنه على الرغم من أن هذا المستحضر من المستحضرات الفيروسية الأصل؛ إلا أنه لم يتم إجراء أى اختبار فيروسى للنظر فى كفاءة هذا المنتج، ولم يتم إجراء اختبارات الأمان، لبيان مدى أمان المستحضر على المتطعمين، ولم يتم إجراء اختبار العقامة والذى يتم إجرائه فى 21 يومًا ، ولفت رئيس شعبة اختبار المواد بالهيئة أنه حتى ولو كان المستحضر من المستحضرات المعتمدة، فإن لوائح منظمة الصحة تنص على تحليل تشغيلة واحدة على الأقل تحليلاً شاملاً، وهذا لم يتم، وتمت مخالفة ذلك والاكتفاء بالتحليلات السطحية، مضيفًا أن هذه الإشكالية تتعلق بعدد 13 تشغيلة، تم التوزيع منها من منتصف شهر فبراير الماضى، ولم يتم إيقاف صرف هذه الطعوم إلا دماء الأطفال فى مختلف محافظات مصر، على الرغم من أن العاملين فى الشئون الوقائية اكتشفوا وجود أجسام غريبة شبيهة بعفن الخبز فى خمس تشغيلات أثناء تسلمهم للتموين الطبى التابع لوزارة الصحة، والموجود بمبنى فاكسيرا، وقد تم تحريز هذه التشغيلات الخمس، وقد أكدت لجنة الفحص الفنى المشكلة من الإدارة العامة لمكافحة الأمراض المعدية، والإدارة العامة للتموين الطبى فى خطابها الموجه للدكتور محسن عبد العليم رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة، أنه تم القيام بفحص كمية(294,750) فيال 2 جرعة من لقاح إم إم أر من إنتاج شركة(gsk) والمقسمة إلى عدد خمس تشغيلات بتاريخ انتهاء 7/8/9/2013 والموجودة بمخازن الطعوم والأمصال التابعة للإدارة العامة للتموين الطبى ومن واقع المستندات ما نصه" وقد تبين أثناء الفحص الفنى للقاح وجود جسم غريب ملتصق على الجزء العلوى من الجدار الداخلى لبعض الزجاجات يختلف فى لونه وشكله عن البودرة المكونة للقاح كما تلاحظ وجود جسم معلق على غطاء بعض الزجاجات من الداخل بنفس لون البودرة المكونة للقاح مع العلم بأن تلك الكميات صادر لها شهادات مطابقة لكل تشغيلة من الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية، تفيد المطابقة وصلاحية المنتج للاستخدام، بالإضافة لصدور شهادات منشأ لكل تشغيلة من شركة(gsk) تفيد صلاحية استخدام هذا اللقاح، وعليه قامت اللجنة بعمل محضر إثبات حالة لهذه الملاحظات وذلك يوم الأحد الموافق 25/3/2013 "، وأكد عضو هيئة الرقابة الدوائية أنه يوجد حتى الآن فى مخازن التموين الطبى تشغيلات أخرى من مستحضر(mmr) مازال يتم الصرف منه للمحافظات، وهى طعوم فاسدة تصل إلى دماء الأطفال الأبرياء فى مختلف ربوع مصر، وعلى الرغم من ذلك فلم يوصى رئيس هيئة الرقابة الدوائية بتحليل العينات المحرزة بشأن أى شكوى واردة للهيئة من خلال قسم ترصد ما بعد التسويق خاصة إذا وجد بها أجسام غريبة، أسوة بعينات الإفراج التى إن وجد بها أجسام غريبة فلا تحلل؛ لتكون دليلاً على الشركة، بينما فى حالة عينات قسم "ترصد" ما بعد التسويق، للوقوف على ما إذا كان ذلك غشاً أم سوء تصنيع، والسبب فى رفض التحليل هو ما ورد عن الهيئة من شهادة مطابقة أدت إلى الإفراج، وثم تتمسك الهيئة بعدم تحليل العينات، حتى لا تدين نفسها، ومن واقع المستندات طالبت رئيس قسم الإفراج عن التشغيلات فى خطابها الموجه منها إلى مدير عام التفتيش على المستحضرات الحيوية، بتاريخ 16/1/2011، وكان ذلك ردًا على خطاب الإدارة المؤرخ بتاريخ 26/10/2011 والذى جاء فيه طلبات الإدارة للتفتيش فى حذف عبارتين كانت الهيئة تستتر فى ظلهما وهما "للإدارة المركزية حق الإفراج عن المستحضر من عدمه طبقًا للقواعد واللوائح" و"الهيئة غير مسئولة عن ذلك"، وبالطبع حذفت العبارة الأولى لأن الهيئة هى التى تقوم بالتحليل، أو لا تقوم، أما العبارة الثانية لأن الإدارة عملها يرتبط بالشأن الإدارى، وليس الفنى من حيث التحليل، ومعرفة تقارير المعامل، وذلك أيضًا لأن إفراج الهيئة يعد إذنا قانونيا بالإفراج لإدارة الصيدلة، وطبقًا للمستندات أوضحت رئيس قسم الإفراج فى الخطاب ذاته" أن مسئولية الهيئة القومية للرقابة على المستحضرات الحيوية هى أن تقوم بتحليل العينات التى تم تحريزها من قبل إدارة التفتيش على المستحضرات الحيوية كما تقوم الهيئة بمراجعة ملخص البروتوكول المرسل مع العينات المحرزة وتحديد مدى مطابقتها مع ما ورد بملف التسجيل الخاص بالمستحضر، وبناء على نتائج التحليل ومراجعة البروتوكول يقوم قسم الإفراج عن التشغيلات بالهيئة باتخاذ أحد الإجراءين التاليين وذلك طبقًا لإجراءات منظمة الصحة العالمية الخاصة بالإفراج عن التشغيلات وهذا يعنى أن الإفراج يتم بناء على الأمرين، التحليل ومراجعة البروتوكول، وبالتالى لم تشر منظمة الصحة العالمية إلى الاستناد إلى أحدهما، كما تضمن الخطاب أن تقوم الهيئة بإصدار شهادة مطابقة للإفراج عن التشغيلة، طبقًا لمتطلبات منظمة الصحة العالمية، وذلك فى حالة استيفاء المتطلبات الآتية للإفراج عن التشغيلات، والمتفق عليها بموجب القرارين التنظيميين بين الإدارة المركزية لشئون الصيدلة، والهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية والمؤرخين بتاريخ13/10/2011 وينصان على: أن يكون المستحضر مسجل فى مصر وسارى تسجيله، وأن يكون المصنع حاصلا على شهادة مطابقة لمواصفات ممارسة التصنيع الجيد، وأن تكون التشغيلة مطابقة من حيث التحليل ومن حيث مراجعة البرتوكول، وهنا أكد رئيس شعبة اختبار المواد بهيئة الرقابة الدوائية أنه لم يتم التحليل للعينات الواردة، بل تم اختيار تحاليل ليست ذات أهمية للمستحضر السابق ذكره، وتم الاكتفاء بعمل البرتوكول "مجرد أوراق" وتم إرسال نتيجة مطابقة تحليل كاملة، واتهم رئيس شعبة اختبار المواد بهيئة الرقابة الدوائية رئيس الهيئة ورؤساء الأقسام بسوء القصد، والسعى إلى تربح الشركة وذلك من خلال المخالفات الإجرائية فى اختبار العينات؛ تحت زعم أنهم كانوا على علم بفساد تلك المستحضرات لحظة دخولها الهيئة، لافتًا أن الثلاجات بحالة جيدة، وحاصلة على شهادة الجودة العالمية، كما أنه كانت هناك توصية خاصة جدًا بشأن هذه المستحضرات من دون غيرها بسرعة الإنجاز، تحت زعم أن الشركة صاحبة المنتج ذات سمعة طيبة، ولا تحتاج إلى تأكيد تحليل يعطل الإفراج عنها، عن طريق التعليمات الشفهية للمرؤسين، وحذر عضو الهيئة الرقابية للدواء من باقى العينات المتواجدة فى غرفة التبريد الخاصة بالهيئة من أنها تحتوى على نفس الأجسام أى العفن، كذلك باقى العينات المحرزة من قبل التفتيش الصيدلى من التموين الطبى، لأنه بعد تسليم الشركة جزءًا من العينات تتواجد فى قسم "ترصد" بالهيئة، وأكد عضو الهيئة الرقابية أن دائرة السوء على علم كامل بفساد هذه الأمصال لدرجة أن إحدى العضوات بالهيئة سألت عن موعد تطعيم لإحدى قريباتها فردت عليها صديقتها: انتظرى أربعة أشهر لحين نفاد الأمصال الفاسدة، أما الأمر الآخر الذى يتعلق بالمستحضرات التى لم يتم تحليلها، وفيها يتم إلقاء الكرة فى ملعب الإدارة، فلا يمكن للإدارة أن تفرج إلا بناء على تقرير الهيئة، وبالتالى فى كلتا الحالتين لا تستطيع الإدارة الإفراج إلا بموجب موافقة الهيئة. فيما طالب الدكتور حسن السبيرى، عضو هيئة الرقابة الدوائية بضرورة استقلال الهيئة عن وزير الصحة، ونقل تبعيتها للبرلمان، وإضفاء الصفة القضائية على رقابى الهيئة، وأعضاء هيئة تدريسها من أجل تحصين حيادية العمل الرقابى من تدخل فى شأن تقاريرها فيما يتعلق بمطابقة الأدوية من عدمها، وكذلك إعادة هيكلة الهيئة بما يتمشى مع الوضع العالمى للرقابة على الأدوية، وأيضًا تفعيل دور البحث العلمى ورفع شأن رقابى الهيئة ماديًا ومعنويًا، فلا يعقل أن تكون صحة المواطن المصرى فى يد مواطن يتقاضى بضع جنيهات، وكذلك إعادة تبعية هيئة المستحضرات الحيوية إلى سابق عهدها تحت مظلة الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية إداريًا وفنيًا.