ما يجري في مصر حالياً لافت للانتباه ومثير للشك، ويطرح كثيراً من الاستفسارات وعلامات التعجب على تصرفات تبدو بريئة في ظاهرها، ولكنها خبيثة في باطنها، أو أنها كلمة حق يراد بها باطل، وليس ذلك قصراً على أحد، بل يستوي الجميع فيما يقومون به من مزايدات والتفاف، بحثاً عن مصالح ذاتية وآنية، دون وفاء أو ولاء لمصر أو لشعبها. وعلى رأس القائمة، فإنني أضع المجلس العسكري، والذي أراه الآن يقفز مرة في الهواء، وفي أخرى يرسل رسائل من تحت الماء، له أهداف يستميت في الحصول عليها، مهما كان الثمن، أو التبعات، متبعين كل الوسائل مهما كانت، على قاعدة أن (الغاية تبرر الوسيلة). وهي تفصيل دستور على مقاسه، يضمن له وضعاً متميزاً ككيان فوق المساءلة، مع حماية مشاريعه التجارية، وثروات ونفوذ الجنرالات، مع الخروج الآمن من السلطة، حتى ولو تطلب ذلك إعلان الأحكام العرفية، والمواجهة مع الشعب، والتي لا يعلم إلا الله ماذا تكون نتائجها؟ إضافة إلى ضرورة تنصيب رئيس جمهورية كرتوني، يتم تحريكه من خلف الستار، وفقاً لما يريدون، وذلك من خلال لجنة تنصيب رئيس الجمهورية، والتي تم تحصينها وتزويدها برموز ومواد قانونية مباركية، وضعت أصلاً من أجل الوريث، ويتضح ذلك أيضا من خلال التدخل السافر في تشكيل هيئة إعداد الدستور، والعدوان على اختصاصات واستحقاقات مجلسي الشعب والشورى المنتخبين، ومن خلال الاستعانة بأحزاب وتجمعات وشخصيات كرتونية وصفرية لا وزن في الشارع المصري، وتمثل الأغلبية الإعلامية من خلال الإعلام الرسمي وإعلام الفلول، وليس من خلال الأغلبية الشعبية، وقد يتطلب الأمر لتحقيق ذلك مخالفة ما تم الاتفاق عليه من تسليم السلطة في نهاية شهر يونيو إلى رئيس منتخب، وربما تعيين رئيس مؤقت، بدستور مؤقت، ومجلس رئاسي مؤقت، تفصيل وعلى مقاس العسكر، لفترة انتقالية لا يعلم الله متى تنتهي . وليس ما يجري خارج مصر ببعيد عن ما يحدث بداخلها؛ حيث أشم رائحة المناورة والمداورة والالتفاف، واللعب بمشاعر الشعب وعواطفه الوطنية، مثل هذا الإعلان الكوميدي عن القطع التجاري لتصدير الغاز لإسرائيل، والذي هو مقطوع أصلاً، ويعتبر مطلب شعبي منذ أن عقدت هذه الصفقة الفاسدة، ثم تخرج علينا الوزيرة المباركية الجنزورية، والتي كان يجب أن يشملها قانون العزل السياسي، لتفاجئنا بأنه يمكن إعادة ضخ الغاز إلى العدو الصهيوني بعد التفاوض وتعديل الأسعار، وكأن الأمر ليس أمناً قومياً، أو كرامة مصرية، أو وفاء لأرواح الشهداء . وإن كنت أستشف من هذه العملية أنها تهدف إلى رفع أسهم العسكر التي انخفضت إلى الحضيض، كما تستفز إسرائيل لاختراق الحدود تحت أي مبرر، مثل إطلاق الصواريخ من سيناء، مما يمكن معه أن تعلن الأحكام العرفية، والتي يطيل بها العسكر مدة بقائهم في السلطة. كذلك كان هذا التلاعب بالترشيحات الرئاسية وإدخال عمر سليمان كطعم، ثم إخراجه ومعه صيدين ثمينين من أقوى المرشحين الإسلاميين، وبعد ذلك الموافقة على مضض لإخراج أحمد شفيق من السباق، نزولاً على رغبة الشعب، ليبقى مرشح العسكر وأمريكا وإسرائيل ودول الخليج المعادية لمصر في السباق، عمرو موسى ليتم تنصيبه بدعم غير محدود، وتزوير غير مطعون عليه. ولا يجب أن ننسى ذلك السجل المسيء للمجلس العسكري منذ أن استلم السلطة من المخلوع، دون تفويض شعبي، وعمل جاهداً على تشويه الثورة وملاحقة الثور، وإهانتهم ومحاكمتهم عسكرياً، وانتهاك الأعراض بكشف العذرية، والإصرار على بقاء رموز العهد السابق، غير المرتبطين بالتوريث في مفاصل الدولة، والإبطاء والامتناع عن تحقيق أهداف الثورة، بل وإحداث انهيار اقتصادي وانفلات أمني متعمدين، وتزامن ذلك مع ما يجري حالياً من مناورات تطلق من خلالها التصريحات النارية التي لا تؤدي إلى التهدئة، بل تساعد على إشعال نار العنف والفتنة . وليست المناورة والالتفاف مقصورة على العسكر، فإن هناك العديد من القوى تمارس نفس السلوك والتصرفات، فأنا لا أجد تفسيراً لما يقوم به حزب الأغلبية في البرلمان، من مهادنة ومساومة وحل وسط، وتنازلات، أدت إلى خروج قانون العزل السياسي منقوصاً، دون أن يتضمن أعضاء لجنة سياسات الوريث (الكوتوموتو)، ووزراء مبارك المفسدين، مما جعله قانوناً مشوهاً وقاصراً، لا يحقق الغرض منه، كذلك الإصرار من الإخوان وحزب الحرية والعدالة على وجود مرشح لهم في انتخابات الرئاسة، رغم وعودهم السابقة بعدم ترشيح أحد منهم، وهو ما يؤدي إلى تفتيت الأصوات، خاصة إذا ما تذكرنا عقدة النرجسية والفرعونية، عند مرشحي الرئاسة، وعدم إنكارهم لذاتهم، وتفضيل مصلحة الوطن في التنازل، منعاً لوصول الفلول إلى هذا المنصب، فإذا كان الحشد الجماهيري الاستعراضي الذي يقوم به الإخوان دافعاً لهم على ذلك، فما هو الدافع للمرشحين الآخرين، الذي يقلون عنهم في القدرة على الحشد الشعبي. هذا، وإذا تذكرنا أن المواد المشينة وسيئة السمعة، والتي يشتكون منها الآن هم أول من عملوا على بناءها، كما أن سلوكهم أثناء تشكيل هيئة إعداد الدستور، كان سبباً لتعقيد الموقف، خاصة بعد أن بالغوا في تمثيل أعضاء البرلمان بالهيئة، ثم قاموا بتعيين رئيس مجلس الشعب رئيساً لها، وهو ما ساعد على تعقيد الموقف، وإعطاء مبررات للآخرين بالتدخل والمزايدة . إن أعلى الناس ضجيجاً هم من يصفون أنفسهم بالليبراليين، ودعاة الدولة المدنية، والشيوعيون، وهم في الحقيقة دعاة المشروع والقيم الغربية، وهم يسيطرون على الإعلام، ولهم مصادر تمويل هائلة، مشكوك فيها، وكانوا أول من نادوا ببقاء العسكر لمدة أطول، ثم هم الذين تبنوا وثائق السلمي فوق الدستورية، ويحيى الجمل، وعبد العزيز حجازي. كذلك كانوا أول من هتف بسقوط العسكر، ثم لجأوا إليهم ليتدخلوا في إعداد الدستور، وإطالة المدة الانتقالية لحين الانتهاء منه، هم باعة المواقف والولاءات والمتنقلون بين قنوات الفلول الفضائية لا ولاء لهم لمصر ولا لشعب مصر، فهم الذين أهانوا الشعب عندما صوّت في انتخابات البرلمان لغيرهم، ووصفوه بالفقر والجهل، وهم من أعطوا الفرصة للعسكر ليشوّهوا الثورة، ويقضوا عليها. الكل متلاعبون ومتربصون، كل يبحث عن نصيبه في جسد الضحية، والتي هي ثورة مصر الذبيحة، دون وفاء أو ولاء لهذا الشعب الذي عانى ويعاني، والذي ينتظر أن يرى أهداف الثورة التي ضحى من أجلها الشهداء في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بعد أن وثق بهم. ولكني أؤكد أن هذا الشعب لن يخدع، ولن تسلب إرادته، أو تضيع ثورته، والأيام بيننا. http://www.facebook.com/pages/Zakaria-Matar-essays/297006830364906