يا مصر الثورة، أخطأ الجميع في حقك، وأرى أن يقفوا أمامك في قفص الاتهام، فأخطاؤهم لا تعد ولا تحصى، وتجاوزاتهم فاقت كل الحدود، وأنانيتهم ونرجسيتهم غير مسبوقة، فالكل يبحث عن الأنا وليس مصلحة مصر أو شعبها، وحتى فإن البعض لا يريد الأنا ولا مصر، ولكنه يعمل لصالح المخلوع وعائلته وحاشيته مقابل فتات كان أو مازال يُلقى إليه، أو منفعة عابرة حصل أو يحصل عليها، والبعض يخدم مصالح الأجنبي إما مفتوناً به وبنموذجه المتفكك، أو عمالة له . ولنبدأ بالجماهير التي خرجت عن بكرة أبيها تأييداً للثورة، وضحت كثيراً من أجلها، فإن قطاعات منها تسابقت في ترك الساحة، والسعي لحصد ثمار الثورة قبل نضجها، فكثرت المطالب والقلاقل الفئوية الاجتماعية والمعيشية، فقطعوا الطرق، وعطلوا الهيئات والمؤسسات، وأدانوا الثورة، من غير محاكمة عادلة لها، ومن قبل أن تتمكن أو تغير أو تحكم، يضللها في ذلك إعلام الفلول وخداع المثقفين . وأخطأ الثوار في ترك معقلهم في ميدان التحرير، قبل تحقيق كل أهدافهم، ونصبوا حلقات الزار في الردح والمجادلات لمن يخالفوهم في الرأي والفكر والعقيدة، دون مراعاة لحضارية الحوار وأدب الاختلاف، وضيعوا وقتاً غالياً في مناكفات ومساجلات جانبية لا طائل منها، ودون هدف واضح، يعملون على تحقيقه، وتفتتوا وتشرذموا وانقسموا إلى مئات الائتلافات والاتحادات، يشجعهم على ذلك من يموّلهم ويسحرهم الإعلام الذي حولهم إلى نجوم، وملأ جيوب البعض منهم بالمال، وأصبح ميدان التحرير وسيلة للحصول على مكاسب لهم، وليس غاية لتحقيق أهداف الثورة . وأخطأ المثقفون في تعاليهم وانعزالهم عن الناس، وامتهانهم للشعب، ووصفه بأنه فقير وجاهل وأمي لمجرد أنه قد أعطى صوته في انتخابات نزيهة لمن رأى صواباً أو خطأً أنه يخدم مصالحه، وكفروا بالديموقراطية والحرية، والتي طالما كانوا يروّجون لهما، وحاولوا ويحاولون فرض الوصاية على الشعب، ونسوا ما كان يصفهم به وزير الثقافة السابق فاروق حسني بأنه قد أدخلهم الحظيرة، بل إن كثيراً منهم قد وانقادوا لغريزة المنفعة ورغبات المخلوع والخواجاية في توريث الكوتوموتو. وأخطأ اليسار المصري لاعتباره الإسلام عدوه الرئيسي، وليست الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة، بل إنه نسق مع ممثليها في تحالف مُهين ومُشين ومُسيء له ولتاريخه النضالي، وكيف يمكن أن نبرر تحالف أقصى اليسار والشيوعيين و التقدميين، مع الدراويش، أو مع حزب يدّعي أنه ليبرالي، تكلف كل عضو انتُخِب منه لمجلس الشعب، 2 مليون جنيه، حسب ادّعاءات مموّله الرئيسي والمشكوك في نزاهته، وفي كيفية حصوله على ثروته وعائلته، والتي بلغت حسب تقديرات مجلد فوربس حوالي سبعين مليار دولار، كوّنها في أقل من عشر سنوات، بخلاف ما يُشاع عنه من ارتباطات مشبوهة بالموساد والمخابرات الأمريكية، ومشاريع تخدم الاحتلال الأمريكي، ومن اتهامات بالتعاون والتجسس لإسرائيل وازدراء الأديان، وتصريحاته المعلنة التي تستقوي بالأجنبي وتستدعيه، وتنادي بتقسيم مصر، ومع ذلك يتم اختياره لعضوية مجلس استشاري المجلس العسكري . وأخطأ الإسلاميون بأطيافهم المختلفة في سعيهم للمغالبة، رغم رفعهم شعار المشاركة، وحشدهم أعضاء في مجلس الشعب، بعضهم لا خبرة له ولا كفاءة بالعمل البرلماني، بل إنهم لم يكلفوا أنفسهم تدريبهم وتأهيلهم للقيام بهذا العمل، كما أخطأوا في ابتعادهم عن القوى الثورية الأخرى، وترك الساحة لليسار المتطرف، ولأصحاب المشروع الغربي، ولبعض الناصريين الحاقدين، كما أنهم أخطأوا في لجوئهم في أحيان كثيرة إلى المساومة والمهادنة والحل الوسط، ومن أخطاءهم القريبة تولي سعد الكتاتني رئاسة لجنة إعداد الدستور، بجانب رئاسته لمجلس الشعب، وكان يمكن في ضوء الموقف الملتهب حول هذه اللجنة إسناد رئاسة اللجنة إلى شخصيات أخرى كفؤة ومخلصة، ومتوفرة في اللجنة، والتي كان يكفيهم منها 30% أو 40% لعضويتها، وأخطأوا بتسرعهم في طلب تطبيق الشريعة دون إعداد المجتمع لها، وقبل تحقيق أسس الحرية والعدالة والمواطنة . وأخطأ مرشحو الرئاسة في تكالبهم على المنصب، وسعيهم للسلطة، وتصرفات بعضهم الصبيانية، وعدم توحدهم، كأن يتوحد اليسار في جبهة واحدة، واليمين في جبهة أخرى من رئيس ونائبين لكل منهم، منعاً لتشتيت الأصوات، والتي لن يستفيد منها سوى مرشحي الفلول من أعلن ترشحه منهم ومن سيترشح . وأخطأ رجال الأعمال الذين تكوّنوا وترعرعوا في ظل النظام البائد، وجمعوا ثرواتهم الحرام من استيلائهم على الأراضي بأبخس الأسعار، وبيعها بأعلاها، وحاربوا الثورة بدون هوادة، وصرفوا في سبيل ذلك بدون حدود أو قيود، لقتل الثورة ومطاردة الثوار، وأنشأوا وسائل إعلام من صحف وقنوات فضائية لتضليل الجماهير، وفتنتها في ثورتها، كما أن الكثير منهم قد أقفلوا مصانعهم، وكفوا أيديهم عن الاستثمار، للمساهمة في التخريب المتعمد للاقتصاد، وتعقد الأزمات . وأخطأ المجلس العسكري، والذي ورث السلطة من المخلوع مبارك، في محاولته لإعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، استخرجها من الأرشيف، عاتية في السن، عالية في عدائها للثورة، كما أنه أخطأ في محاولاته لتشويه الثورة وبلطجتها، ومحاولة القضاء عليها، دون استيعاب لدروس التاريخ واختلاف الظروف، وذلك بالمماطلة والتأخير في تحقيق أهدافها، وإجراء محاكمات بطيئة وهزلية لرموز الفساد في العهد البائد، كذلك بعدم تصديه للانفلات الأمني المتعمد، والتخريب الاقتصادي المقصود، وإبقائه على فلول مبارك ورجاله في المؤسسات والهيئات والبنوك والمناصب السيادية ومفاصل الدولة الرئيسية، يعيثون فيها فساداً، وتشريعه لمراسيم وقوانين ونظم انتخابية تتضمن كثيراً من الألغام والقنابل الموقوتة، والتي مازالت تثير كثيراً من الجدل والخلافات، كما أخطأ في الإهانات والإساءات والانتهاكات الممنهجة ضد الثورة والثوار، من سحل الحرائر، ورمي جثث الشهداء في مقالب الزبالة، وكشوف العذرية، والتبول عليهم في منظر غير حضاري أو إنساني، وحتى في التجاوزات اللفظية، والتصريحات النارية، والتهم غير المؤيدة بأدلة ضد شرفاء الثورة ورموزها، بالحصول على تمويل أجنبي، ووصفهم بالبلطجة، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، في حين يحاكم القتلة والمفسدون أمام محاكم مدنية. هذا ما أمكنني أن أحصره في هذه المقالة المحدودة، وهناك غيره الكثير والكثير .. ما أعرفه وما لا أعرفه، ومع ذلك فإني أعترف أننا جميعاً مخطئون ومقصرون في حق مصر وثورتها، وكلنا متهمون أمامها، حتى نثبت براءتنا ونثبت لها الولاء والوفاء . http://www.facebook.com/pages/Zakaria-Matar-essays/297006830364906