تمر مصر خلال هذه الفترة بعد قيام ثورة 25 يناير بأصعب أيامها، خاصة بعد حالة الفرحة والنشوة التي سيطرت علي مفجري الثورة منذ الإعلان عن تنحي الرئيس مبارك عن حكم البلاد يوم الجمعة 11 فبراير الجاري. وترجع صعوبة هذه الفترة إلي أن ثورة الشباب حينما قامت لم تكن تهدف فقط إلي تنحي مبارك، وإنما كان إسقاط النظام بأكمله المطلب الأول، مع إقالة الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وحل مجلسي الشعب والشوري، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أقرب فرصة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، بالإضافة لمحاكمة كل رموز الفساد والمستفيدين منه وحصر ثرواتهم ومصادرتها وإعادتها لخزانة الدولة، وإلغاء قانون الطوارئ الحاكم للبلاد منذ 1981م، وتشكيل لجنة من خبراء الدستور وأساتذة القانون وكبار القضاة للعمل علي صياغة دستور جديد، وتنفيذ كل أحكام القضاء التي أهدرها النظام السابق، وإعادة هيبة القضاة كسلطة مستقلة، وتوفير الحد الأدني للأجور 1200 جنيه لضمان حياة كريمة للمواطنين. صحيح أن »مبارك« رحل، لكن النظام القديم مازال باقيًا بكل مؤسساته وعدد كبير من رموزه مازالوا بمعني أنه تم قطع رأس النظام إلا أن الجسد مازال باقيا الآن، ما يعني أن الفساد مازال مسيطرًا وباقيًا متمثلاً في وجود أتباع النظام السابق ومازالت تربطهم علاقات الرئيس مبارك ويحتلون المواقع المرموقة في كثير من أجهزة الدولة ومؤسساته وبخاصة في وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة، وذلك يعني أنهم سيعملون حتي يظل النظام الذي أسسه مبارك قائما. وكذلك إصرار الرئيس المخلوع مبارك وعائلته علي البقاء داخل مصر بشرم الشيخ، دون القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، وعدم تقدم أحمد شفيق رئيس الحكومة للدول الأجنبية بأية طلبات لتجميد أرصدة عائلة مبارك في البنوك الدولية، وتجاهله لطلبات من عدة دول بتجميد أرصدة مبارك، والتي تجاوزت 70 مليار جنيه، وهو ما يشير إلي أن مبارك يحكم مصر بشكل غير مباشر ثم تأتي العودة غير المبررة والمثيرة للشك، لكل من زوجتي أحمد عز، وزوجة جمال مبارك. ثم إصرار المجلس العسكري علي بقاء أحمد شفيق- أحد الأصدقاء المقربين من مبارك- ورئيس الوزراء، علي رأس حكومة تسيير الأعمال والتي عينها مبارك قبل سقوط نظامه، هو رئيس الحكومة التي جاءت من رحم النظام السابق وأقسمت اليمين أمام مبارك علي الولاء لنظامه. »شفيق« هو من سخر من المتظاهرين في ميدان التحرير قبل سقوط مبارك، وأكد أنه لا يمانع في إحضار »البونبون والعصير« لهم، معتبرا وجودهم يشبه الهايد بارك في بريطانيا!، فبقاء حكومة شفيق هو استفزاز للشعب وتحد لمشاعره. وبدأت محاولات رجال النظام السابق من الالتفاف علي الثورة في محاولة لاجهاضها، فعلي الرغم من تقديم النائب العام لعدد من الوزراء السابقين ورجل الأعمال أحمد عز أمين التنظيم السابق بالحزب الوطني، وأحمد المغربي وزير الإسكان السابق، وزهير جرانة وزير السياحة السابق، وكذلك حبيب العادلي وزير الداخلية السابق، للمحاكمة بتهم مختلفة ما بين تسهيل الاستيلاء علي المال العام، وغسيل الأموال، إلا أنها إجراءات لم تكن كفيلة بإعادة الثقة للشارع المصري لأن هؤلاء هم من أقالهم مبارك قبل رحيله عن السلطة. فإن محاكمة العادلي بتهمة غسيل الأموال، جاءت أقل من الواقع فهناك مطالبات بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمي بعد إصداره أوامر بإطلاق النار الحي علي المتظاهرين وسحب قوات الشرطة من أماكنها، فتح السجون لترويع المصريين. وكذلك عدم اتخاذ إجراءات جديدة بعد تنحي مبارك ضد من حامت حولهم الشبهات خلال العهد البائد أمثال صفوت الشريف أمين تنظيم الحزب الوطني السابق ورئيس مجلس الشوري المنحل، وأحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المنحل أيضا، وزكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية المتنحي، ويوسف بطرس غالي وزير المالية السابق- الموجود حاليا بالعاصمة اللبنانية بيروت، وسامح فهمي وزير البترول الحالي والموجود حوله العديد من علامات الاستفهام، وحاتم الجبلي وزير الصحة السابق، وأحمد نظيف رئيس الوزراء السابق، ومحمد منصور وزير النقل السابق، ورشيد محمد رشيد وزير التجارة السابق، وسيد مشعل وزير الإنتاج الحربي، ومفيد شهاب وزير الدولة لشئون القانونية السابق، وفاروق حسني وزير الثقافة السابق والذي تلاحقه تهم الاتجار بالآثار، وعائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة السابقة، ويوسف والي وزير الزراعة الأسبق ومستورد المبيدات المسرطنة وأحد وزراء الاستيلاء علي أراضي الدولة، وعاطف عبيد مدير المصرف العربي الدولي وصاحب اختراع خصخصة القطاع العام، ومحمود محيي الدين وزير الاستثمار السابق التاجر الفاشل للقطاع العام، وعلي الدين هلال صاحب صفر المونديال عندما كان وزيرا للشباب والرياضة. وكذلك رجال الأعمال الذين تربوا في أحضان النظام السابق أمثال حسين سالم الصديق الشخصي لمبارك وصاحب صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، ومحمد أبو العينين رجل الاستيلاء علي ملايين الأمتار من أراضي المصريين بأقل الأسعار، ورجل الأعمال مجدي راسخ صهر علاء مبارك، وياسين منصور شقيق وزير النقل السابق محمد منصور، وابن خالة وزير الإسكان المحبوس أحمد المغربي وشريك الأخير في الشركة التي استولت علي 48 مليون متر من أراضي مصر، وإبراهيم كامل عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني أحد المناوئين لمشروع الضبعة النووي، وأول من دعم ملف توريث الحكم ودعمه ماليا، ومحمد شفيق جبر رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات أرتوك للاستثمار »مصر« والذي بلغت مديونيته للبنوك 2 مليار جنيه علي الرغم من كونه من أغني 50 شخصية عربية لعام 2009، ومحمد فريد خميس عضو مجلس الشوري المنحل ورئيس مجلس إدارة شركة النساجون الشرقيون وأحد أعضاء لجنة السياسات البارزين، والذي اتهم في قضية رشوة القضاة، وهاني سرور الذي كان وكيلا للجنة الاقتصادية بمجلس الشعب عام 2005 ورئيس مجلس إدارة شركة هايدلينا للصناعات الطبية المتطورة والذي اتهم في قضية أكياس الدم الملوثة، وجلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات المصرية ومصدر الملابس المصري الرئيسي للولايات المتحدةالأمريكية بالتعاون مع إسرائيل حسب اتفاقية الكويز، ورئيس شركة النيل للملابس، وإبراهيم سليمان والذي تلاحقه اتهامات بالفساد والتربح أثناء شغله وزارة الإسكان في الفترة من 1993 حتي 2005 كما أنه كان عضوا بمجلس الشعب عن دائرة الجمالية في الدورة البرلمانية 2005- 2010، وهشام طلعت مصطفي صاحب عقد مدينتي، ويحيي الكومي- صديق وشريك وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان أثناء توليه الوزارة- والذي خصص له قطعتي أرض في التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة مساحتهما نحو 200 ألف متر بالقرب من الجامعة الأمريكية بالرغم من تخصيصهما كحدائق عامة، وقد اشتراهما الكومي بثمن بخس وتبلغ قيمتهما السوقية 300 مليون جنيه، وسليمان عامر والذي خصصت الحكومة لشركة السليمانية التي يملكها »عامر« علي طريق مصر الاسكندرية الصحراوي 750 فدانا. وما يثير الشكوك بقاء رؤساء تحرير الصحف القومية أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام، وممتاز القط رئيس تحرير أخبار اليوم، ومحمد علي إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية، وعبدالله كمال رئيس تحرير روزاليوسف، ومجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة أكتوبر، وكذلك رؤساء مجالس تلك المؤسسات الذين مازالوا علي رأس الجرائد، مع قادة التليفزيون الرسمي، الذين ظلوا حتي النفس الأخير في عمر النظام السابق، يمجدون مبارك، في الوقت الذي وصفوا فيه الثورة والثوار بأبشع الصفات وأكثرها دناءة. ويؤكد وجود هؤلاء الذين تحولوا إلي النقيض تماما بعد انتصار الثورة، أن الخطر علي الثورة مازال قائما. وعلي الرغم من أن الرئيس مبارك قد تم خلعه من علي رأس الدولة وبالتالي أصبح الحزب الوطني فاقدا للشرعية، إلا أن أعضاءه يحاولون تجميع أنفسهم بوجوه جديدة داخل كيانات جديدة، وفي محاولة لتدارك الموقف، واستعادة النظام القديم، بهدف الإبقاء علي مصالحهم التي ارتبطت ببقاء النظام القديم وأيضا حماية أنفسهم من المحاسبة والمحاكمة فيما لو استمر نجاح الثورة. وبدأت قيادات الحزب في الالتفاف حول عدد من شباب الثورة لدعمهم في إنشاء حزب جديد تحت مسمي حزب 25 يناير، ليمثل اتحادا اشتراكيا جديدا. ويمتلك أعضاء الحزب الوطني الأموال والقيادات في كثير من أجهزة الدولة بما يمكنهم من ذلك، من خلال سيناريوهات خادعة تضع قناعا ثوريا وتخفي وراءه كل مفاسدها.