فى طابور الجوازات بمطار القاهرة وقفت أنتظر دورى ، حيث أبدأ رحلة قصيرة ، تأملت وجوه المسافرين كعادة الجميع دائما فى كل الموانئ ، الكل يطالع الكل ، جنسيات مختلفة ، لغات وملابس مختلفة أيضا ، لكن مالفت نظرى ذاك الوجوم المصاحب لكل العاملين بالمطار ، وعندما قدمت جوازسفرى للإضطلاع قالت الموظفة ..... شاعرة !! هكذا تقول الأوراق ثم أبدت إعجابها ، وقالت أنها تتذوق الشعر ، نعم فالشعر مرآة النفس ، بالشعر تتغير مسارات الأمم تذكرت أبو القاسم الشابى حينما قال : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر وكيف كانت لتلك الأبيات مفعول السحر على تونس العظيمة ، فقامت بثورة الياسمين التى أطاحت بنظام "ابن على " ووجدت أنه من اللائق أن أهديها ديوانا ، لكنى كنت أحمل نسخة من كتاب " مصر الى أين " فقدمته لها على سبيل التحية ، فإذا بالصوت الرقيق ينفعل بوجهى وسألتنى الا تعرفى مصر الى أين ؟ : مصر ذاهبة الى داهية هدأت من روعها ، فأردفت ، أصبحنا فى خطر حقيقى ليتدخل البعض فيوافقها الرأى ، قال البعض : نعم مصر تسرق والأمل مفقود ، كلنا نعرف مصر الى أين ..الى الخراب ...الى الدمار ، البلد تنهار فلم يعد لسؤالى محل من الإعراب ، الثورة فشلت وسنحيي ثورة جديدة ، مصر تنحدر الى الهاوية فى الحقيقة أن الوجع بأعماقى يفوق كل التصورات ، رغم مساحة التفاؤل التى تتضمنها أشعارى وكتاباتى ، لكن دولة دينية فى مصر تقمع الحريات ، سأكون أول المتضررين أنا وجموع الأقباط ، ونظرة خاطفة على من يمثل الأقباط فى لجنة الدستور ، ستة أعضاء فقط منهم نائب حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين ، الأحزاب الدينية تنظر للأقباط على أنهم أقلية ، وسنكون واهمين لو أطعنا هواجسنا بأن قانون دور العبادة الموحد سوف يرى النور ، أو حلمنا ببناء كنيسة جديدة ، فالتمييز فى عهد المخلوع ربما يكون أرحم من القادم الملبد بالغيوم ، وهاهى الفتن نيران تتأجج فى الضلوع كل يوم ، ولايطفئها إلا المشايخ فى الجلسات العرفية ، أما المواطنة فهى مفردة رائعة لاتتعدى حدودها الأوراق سأكون أول المتضررين ، كونى إمرأة لأن صوت المرأة فى شرع هؤلاء عورة ، المرأة ترتدى السواد لون الحشمة والوقار ، أما مكانها الطبيعى فهو البيت تراعى الأولاد ، ثم تجلس فى انتظار زوجها ليأمر فتطيع ، شأن كل الإماء فى دول الخليج لم يكن يحق للمرأ ة أن تدلى بصوتها ، أو ترشح نفسها فى الإنتخابات البرلمانية ، لكننا لاحظنا فى السنوات الأخيرة مساحة الحرية الواسعة التى منحت للمرأة الخليجية ، فشار كت فى الحياة السياسية والإجتماعية فهى لا تقل شأنا عن كل نساء العالم المتقدم ، طالبت بتحقيق ذاتها وإثبات وجودها وقدرتها ، بالإصرار والتحدى من أجل العطاء وخدمة البلاد ، المرأة ليست رقما ، فكان لها ماأرادت أما المرأة المصرية التى خرجت فى المظاهرات الى جانب الرجل ، فتمردت على النقاب ، على غطاء يحجب عقلها ، وطالبت بالمساواة قبل ان تستقل هذه الدول ، المصرية التى وصلت الى أعلى المناصب ، هاهى الأصوات الدينية ، تعلو ، تطالبها بالتقوقع فى ركن ضيق ، وأن تخفى عيناها ، فلم تعد ترى إلا من منظار أسود ، لأنها رأس الفتنة التى توقع الرجل فى شباكها فيقع فى المحظور ، وشيئا فشيئا سيتم حرمانها من قيادة سيارتها ، تناسوا أن المرأة لولاها مانجحت ثورة يناير العظيمة التى أعطتهم الفرصة للإنقضاض عليها أولا ، ثم سرقتها ، وثانيا تحطيم المرأة معنويا فماهى إلا وعاء للتناسل ، وبذلك نعود الى عصر الجوارى والحريم أنهيت تعاملاتى ثم جاء دور ختم المغادرة ، فلاحظت أن من يقف أمامى قد تسلم جوازه بطريقة خالية من الذوق والإحترام ، قلت فى نفسى ماذا أصاب الشرطية لماذا تقذف بالجواز بهذا الشكل ؟ لماذا تتعامل بهذا العنف ، أليست واجهه لمصر أمام العالم ، ليأتى دورى ، فقلت صباح الخير ، فلم تجب واكتفت بهز رأسها ، تفحصت الأوراق ، وما أن انتهت حتى ألقت بالجواز بنفس الأسلوب العنيف ، وشكرت الله أنها لم تلقيه أرضا ، وانتابنى حزن دفين فماذا أصابنا ؟ وأكملت الرحلة الى أن وصلت لإحدى دول الخليج ، ووقفت فى الطابور ثانية لأنهى معاملتى ، فإذا التكبر والإستعلاء والغرور الذين كانوا فى السابق من السمات المميزة تلك الدول مع المصريين تحديدا ، قد عادوا مرة أخرى ، نظرة تحمل الكثير من المعانى الرديئة التى محتها ثورة يناير ، لتعيد للمصرى كرامته ، وقلنا جميعا (ارفع رأسك فوق أنت مصرى ) لم نهنأ طويلا فسرعان ماتحطمت الأحلام على صخر الطمع والأهواء الشخصية ، للإنفراد بحكم البلاد ، ووضع دستور لن يحقق مطالب الثورة وإقصاء كل صوت ينادى بمدنية الدولة ، لنعود الى نقطة البداية وكأن الثورة لم تقم الآن..... عرفت إجابات كل الأسئلة ، عرفت لماذا الوجوم والحزن هنا ؟ ولماذا التشفى والشماتة هناك ؟