لا شك أن إهانة (المصري) خارج بلده يعود فى الجزء الأكبر منه إلى كونه يهان أصلاً فى بلده، وكرامته غير مصانة، على النقيض مما يحدث للعديد من الشعوب الأخرى، إلا أن ثمة أسباباً أخرى تفسر الإهانات المتتالية للمواطن المصرى خاصة فى الدول الخليجية التى تطبق (نظام الكفيل) اللعين، وهو نظام عبودية وإذلال وسخرة، ولا علاقة له بالإسلام الذى حفظ كرامة المسلم وقدسها، ولعل ما يجرى للمصريين فى مملكة آل سعود هو أبلغ مثال على مباذل هذا النظام المسمى ب(الكفيل)، ولدى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان مئات الحالات الخطيرة للمصريين بالسعودية، الذين يتعرضون للإذلال وامتهان الكرامة باسم هذا النظام البغيض، والذى يزداد بغضه عندما يطبق بقسوة على المصريين وحدهم دون غيرهم، نتيجة عقدة الكراهية التاريخية المتجزرة لدى آل سعود ضد الشعب المصرى منذ هدم محمد على باشا عام 1818م أول إمارة سعودية وهابية اسمه (إمارة الدرعية)، وبسبب هذه العقدة التاريخية وما تلاها من أحداث وسياسات ضد فساد وتبعية آل سعود لواشنطن خاصة أيام عبد الناصر، زادت الكراهية الدفينة لكل ما هو مصري، اليوم نقدم نموذجين حديثين جداً لهذه الإهانة للمصريين فى مملكة آل سعود، لعل فى نشرهما ما يحرك وزارة الخارجية المصرية وحكومة أحمد نظيف النائمتين فى عسل النفط السعودى ورشاوى أمراء الأسرة الحاكمة: الواقعة الأولى: نشرتها صحيفة الدستور المصرية فى صدر صفحتها الأولى يوم 1/9/2009 (11 رمضان 1430ه) جاء فيها: تحتجز السلطات السعودية حالياً لليوم العاشر على التوالى ما يقرب من 3 ألاف مصرى داخل مصلحة الجوازات فى جدة بحجة مخالفتهم قانون الكفالة والعمل وتفاقمت أزمة المحتجزين بعدما تجاهل المسئولون من السلطات السعودية نظراً لانشغالهم بموسم عمرة رمضان حيث يتوافد الملايين من جميع دول العالم بالإضافة إلى الخوف من انتشار وباء انفلونزا الخنازير فى البلاد فضلاً عن أن السفارة المصرية بجدة غائبة تماماً عن هذه القضية ورغم الاستغاثات التى نادى بها المحتجزون وأرسلوها إلى السفارة المصرية فلم تحرك ساكناً من أجل البحث فى هذه المشكلة، خاصة أن السلطات السعودية تشن حملة فى هذه الأيام بقصد مطاردة الأفراد الذين يتخلفون من عمرة شهر رمضان بقصد العمل الحر دون لجوء إلى الطريق الصحيح وقانون الكفالة، وعلمت (الدستور) أن عدداً كبيراً من الأفراد المحتجزين فى جدة يحملون جوازات سفر وتصاريح عمل لكنهم يعملون فى خارج الكفالة الخاصة بهم رغم اتفاقهم مع الكفيل الأساسى بقصد أن يستفيد مادياً منهم. أما الواقعة الثانية: فهى تمس كرامة أى مصرى حر، وتجرح كرامته، وتتمثل فى قيام نجل أميرة سعودية (من الجيل المدلل الفاسد بسبب النفط) باحتجاز سيدة مصرية منذ عامين وإجبارها على عدم السفر لمصر (وأيضاً باسم نظام الكفيل اللعين) فلقد كشفت صحيفة "الأسبوع" المصرية المستقلة يوم 24/8/2009 (يعنى منذ أكثر من شهر ولا تزال الجريمة قائمة) عن مأساة حقيقية تعيشها سيدة مصرية فى السعودية مات زوجها منذ عامين ولكنها حتى الآن ممنوعة من السفر بأوامر من نجل إحدى الأميرات والذى كان كفيلاً لزوجها بزعم اتهامها بالاحتفاظ بأوراق ومستندات تخص معاملات زوجها فى عمله بمكتب الخدمات. وقالت "الأسبوع": إن السيدة المصرية (أحلام عباس رضوان) 55 عاماً منذ أن توفى زوجها محمد طنطاوى عبد الرحمن فى شهر نوفمبر عام 2007 حيث كانت تعيش معه فى المملكة العربية السعودية وبالتحديد فى السليمانية بمدينة الرياض لا تستطيع مغادرة المملكة والعودة إلى مصر. وتضيف: إن الزوج كان يعمل فى مكتب خدمات لاستخراج التأشيرات وتجديد الإقامات وجوازات السفر منذ أكثر من 15 عاماً وهو مكتب خاص بأميرة سعودية، ونظراً لكثافة العمل ظل فى السعودية طوال السبع سنوات الأخيرة قبل رحيله دون أن يعود لمصر، واضطرت زوجته السيدة أحلام أن تسافر له منذ نحو أربع سنوات. وتابعت: كانت الأمور تسير بشكل طبيعى إلى أن توفة الزوج فى 13 نوفمبر 2007 فقررت السيدة أحلام العودة إلى وطنها مصر بعد أن وجدت نفسها وحيدة هناك وبدأت تحزم حقائبها وأوراقها لترحل فى شهر أبريل 2008 بعد انتهاء فترة عدتها إلا أنها فوجئت بطلب استدعاء من قسم شرطة منطقة "العريجاء" بالرياض وذهبت دون أن تعرف سبب الاستدعاء، وهناك تم حجز جواز سفرها لمنعها من السفر بعد أن اتهمها الكفيل "نجل الأميرة" بأنها تحتفظ بأوراق ومستندات مهمة عبارة عن عقود عمل تخفيها تخص معاملات زوجها فى عمله بمكتب الخدمات. وحُرمت تلك السيدة من العودة إلى وطنها حتى الآن حيث فشلت توسلاتها واستغاثاتها المتكررة للقنصلية المصرية بالسعودية فى حل أزمتها ونجحت منذ نحو شهر فى مقابلة القنصل العام المصرى الذى أبدى تعاطفه معها لكنه لم يستطيع مساعدتها وطلب منها عدم التوجه للقنصلية مرة أخرى نظراً لأنها "تزعجه" على حد تعبيره، وانتهى خبر الواقعة الثانية. والآن .. وبعد إيرادنا لهاتين الواقعتين الجديدتين نسأل: أين وزارة الخارجية المصرية المحترمة؟ ولماذا لا يتحرك وزير خارجيتنا أحمد أبو الغيط وهو رجل ناعم الصوت، هادئ النبرات إلا فيما يتعلق بالمقاومة فى غزة ولبنان، ساعتها يتحول صوته الضعيف إلى صوت أسد هصور يقطع الرقاب ويقصفها! أين هو؟ وما هى وظيفته الحقيقية؟ إذا كان غير قادر هو ورجاله فى القنصلية والسفارة السعودية بالرياض على الفعل المحترم الذى يليق بمصر وبالمصريين؟ وإذا كانت شكوى إمرأة مصرية مظلومة تزعج القنصل العام فى جدة التابع لهذا الوزير الضعيف .. فلمن تلجأ؟ ثم أين هم كتبة آل سعود فى صحافتنا وإعلامنا من هاتين الواقعتين ولماذا صمتوا؟ وأين هم زوار صالون هشام الناظر (السفير السعودى بالقاهرة) من المثقفين اليساريين والناصريين والإسلاميين، لماذا لا يثيرون مثل هذه القضايا فى حضره السفير؟ هل هو النفط الذى يملأ الأفواه والقلوب، أم هو الخوف والجبن والتفاهة التى تملأ العقول والإرادات؟! ثم دعونا نسأل أخيراً .. متى يتوقف هذا المسلسل غير الأخلاقى وغير الإسلامى لمباذل وجرائم نظام الكفيل الذى هو المرادف الطبيعى لنظام العبودية كما كان يطبق قبل الإسلام الحنيف! لا أجد إزاء هاتين الواقعتين وتجاه مئات الحالات الأخرى، سوى القول أن الصمت صار عاراً، وأن حتمية معاملة آل سعود وطابور الوهابيين التكفيريين القادمين لمصر للسياحة أو للعمل، بالمثل، أضحت ضرورة، وواجب شرعى ووطني، وذلك هو الرادع الوحيد فى ظني، لهؤلاء (الأجلاف) والذين تجاوزوا كل الأعراف فى إهانة مصر والمصريين. والله أعلم E-mail: [email protected]