وجه الاستعمار الغربي ضربة قوية للعالم العربي في الأسبوع الأول من مارس مرت دون أن تتأوه أو تئن منها الضحية المضروبة، فعلي طريق مخطط تقسيم العالم العربي وشرذمة دوله الي دويلات متنافرة أصغر حجما يسهل علي الغرب السيطرة عليها في حراسة الشرطي الإسرائيلي كلب الحراسة الغربي في المنطقة نجحت أمريكا في تقسيم السودان الي دولتين متعاديتين في شماله وجنوبه.. وهناك احتمال جدي بتقسيم الشمال بانتزاع ولاية دارفور منه في صورة دويلة جديدة وقد سبق لأمريكا النجاح التام في تقسيم العراق الي شمال كردي مستقل حتي في قواته المسلحة من كتائب البشمرجا وجنوب شيعي يسيطر علي الأقلية السنية ولا يربط بين القسمين إلا رباط واهٍ اسمه الدولة العراقية. ويقترب الغرب جدا من النجاح حاليا من تمزيق سوريا الي دويلات بعد الانتهاء من الحرب الأهلية الدموية المنتظرة بفضل الجرائم المنكرة في حق الشعب السوري والمذابح التي يجريها مجرم الحرب الديكتاتور بشار الأسد وعصابته من الأقلية العلوية الحاكمة. وفي الأسبوع الأول من مارس تلقي العرب الضربة الجديدة في صورة إعلان ولاية برقة الليبية وعاصمتها بنغازي استقلالها الذاتي بعد اجتماع حاشد من قبائل الشرق الليبي انتهي الي إعلان الحكم الذاتي في الشرق والانفصال عن الغرب الليبي حيث توجد العاصمة طرابلس واختيار أحمد السنوسي حفيد ملك ليبيا السابق رئيسا للإقليم، والقسم الشرقي من ليبيا بالمناسبة هو القسم الأغني كثيرا بمنابع النفط، وغني عن البيان أن القسم الغربي حيث توجد العاصمة طرابلس لن يسعده ضياع الجزء الأكبر من إيراد النفط الليبي الهائل، والنتيجة الطبيعية أن يتجه القسمان الليبيان الي الحرب الأهلية، وهنا يبرز شيطان الاستعمار الغربي عارضا خدماته علي الجانبين ومزودا كليهما بالسلاح اللازم للحرب الأهلية ومنتهيا الي خراب واستنزاف القسمين، وفي النهاية استسلامها لإملاءات غيلان الغرب وتوقيع أكثر العقود إجحافا في بيع النفط الليبي للغيلان. لماذا يحدث لنا كل ذلك؟ لأننا ببساطة شعوب استسلمت طويلا لحكم عملاء لا تربطهم بشعوبهم رابطة ولاء أو وطنية أو حتي إنسانية. لا يجمع بين الشعوب والعملاء الذين يحكمون بها إلا ما يجمع بين البقرة الحلوب والجزار الذي يجلبها ثم يذبحها في النهاية عندما يجف ضرعها من اللبن. نشرت جريدة «لوس انجلوس تايمز» في 5/3 مقالا للكاتب «آرون داڤيد ميلر» يقارن فيه بين تراجع ثلاث دول عربية هي: مصر والعراق وسوريا مقابل تقدم ثلاث دول شرق أوسطية هي: إيران وتركيا وإسرائيل، ونعرض هنا لقارئ «الوفد» والألم يملؤنا ملخص هذا المقال. يقول ميلر: إنه طوال معظم القرن العشرين كانت هناك ثلاث دول عربية هي: مصر والعراق وسوريا تسيطر علي السياسة في الشرق الأوسط بالنسبة للحرب والسلام وتشكل علاقة المنطقة بالقوي الكبري في العالم. ولكن هذا الوضع انتهي الآن، فالتغيرات التي تجتاح العالم العربي حاليا قد ضخت حياة جديدة في السياسة ولكنها في نفس الوقت قد زلزلت قدرة الدول العربية الرئيسية علي الحركة الفعالة علي المسرح الإقليمي، فالدول غير العربية وهي: إيران وإسرائيل وتركيا هي التي يتزايد دورها حاليا علي مسرح الشرق الأوسط خيرا وشرا علي السواء، ومهما طالت فترة التراجع العربي فإنها ستحمل نتائج مهمة للشرق الأوسط ولمصالح أمريكا به. فلعقود طويلة كانت مصر والعراق وسوريا تتعاون أحيانا وتتنافس أحيانا أخري علي النفوذ في المنطقة وكانت تشكل سياسة العالم العربي تجاه الشرق والغرب، تقيم التحالفات وتسبح بالسياسة العربية لتحديد مسارها خاصة تجاه إسرائيل وأصبحت هذه الدول الثلاث واجهة العالم العربي. كان بيد مصر مفتاح السلام مع إسرائيل، وكان بيد العراق مفتاح الاستقرار في الخليج، وبيد سوريا المفتاح بالنسبة للبنان، واضطرت أمريكا للاعتماد بشدة علي مصر، ودخلت حربين ضد العراق وتأرجحت سياستها بين الصداقة والعداء مع سوريا للحد من طموحاتها وباستثناءات قليلة كانت المنطقة تتمتع باستقرار شاذ. لم يكن استقرارا مثاليا،ولكن خاصة بعد حرب العراق وسقوط صدام حسين استقرار يمكن التعايش معه بالنسبة للعرب وللغرب. ولكن كل هذا ضاع الآن، فخلال سنة - وهي فترة تافهة في تاريخ المنطقة -خرجت هذه الدول عن الخط نتيجة الإعصار الذي يجتاح المنطقة ففي حالة العراق فمنذ فترة وهي تتحول الي دولة فاشلة يستمر فيها العنف ولا تستطيع الوصول الي شرعية سياسية، فالأغلبية الشيعية المسيطرة علي الحكم خاصة من السنّة سيستمرون في التصارع بما يمنع الوصول لحكم فعال وإدارة متماسكة. أما مصر فمشغولة بترتيب بيتها من الداخل وتحاول الاستقلال عن النفوذ الأمريكي، وربما تأمل في دور طموح بالمنطقة ولكنها قد لا تستطيع ذلك فاقتصادها منهار ونظامها السياسي أسير للمنافسة بين القوي الإسلامية وبين العسكر وكلا الطرفين يبدو أنه يريد النفوذ دون تحمل مسئولية الحكم، وقد خلق هذا التنافس فراغا يبدو أنه سيستمر بما يمنع قيام حكومة فعالة تواجه الكوارث الاقتصادية وتجري إصلاحات حقيقية، سيظل صوت مصر عاليا في انتقاد إسرائيل وأمريكا ومحاولة الوساطة بين الفلسطينيين أما تأثيرها فسيكون محدودا جدا. وبالنسبة لسوريا فمهما كان مصير بشار الأسد فقد فقدت تأثيرها الإقليمي وعجزت عن الاحتفاظ بنفوذها في لبنان أو تحرير الجولان من إسرائيل ويبدو أن المستقبل مظلم لها خاصة في ظل خطر اندلاع حرب أهلية بها. وبعكس هذه الدول العربية فإن نجم غير العرب في صعود فكل من إيران وتركيا وإسرائيل تملك جيوشا قوية ونظما سياسية واقتصادية متماسكة وشعورا قويا بقوميتها وأهدافها وأهم من ذلك أن كلا منها مستقرة داخليا وقادرة علي الدفاع عن نفسها وعن مصالحها ولكل منها حلف قوي مع قوي عظمي أوأكثر علي الساحة الدولية. فإسرائيل لديها اقتصاد مزدهر وجيش جبار وحلف قوي مع أمريكا،وإيران استفادت جدا من سقوط صدام حسين وضعف العراق ومستمرة في تطوير قدرتها النووية. أما تركيا وبعكس الدول العربية فقد نجحت في الوصول لتوازن بين الإسلام والحضارة بما يمكنها من إقامة ديمقراطية ونظام تنافسي ناجح جدا ودور إقليمي حيوي بالنسبة للعالم العربي والإسلامي والغرب علي السواء. إن أفول نجم العرب لا يقدم لأمريكا سوي ايجابيات قليلة، فمصر ستصبح شريكا يقل الاعتماد عليه، والعراق يبدو أن العنف فيه سيستمر ولن يستقر ولن يكون عنصر توازن مع طموحات إيران وسوريا، وبذلك تجد أمريكا نفسها في بيئة جديدة مجهولة غير مستقرة يهددها سباق تسلح نووي. وإلي هنا ينتهي عرض ميلر المقارن بين العرب وغير العرب في المنطقة وبعد أن أقمنا الأفراح بسقوط معمر القذافي أحد أحط الطغاة العرب وتحرر ليبيا ها نحن نري ليبياعلي وشك التمزق والبلقنة.. رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حيث قال عن سقوط دولة الخلافة بعد انتصار أتاتورك علي اليونان: عادت أغاني العرس رجع نواح ونعيت بين معالم الأفراح كفّنت في ثوب الزفاف ووردة ودفنت عند تبلّج الاصباح ----------- نائب رئيس حزب الوفد