المرضى يفترشون الطرق.. والأطباء: الإمكانيات محدودة العيادات الخارجية تشبه السوق.. وصراخ وعويل فى الممرات الانتظار ساعات طويلة وسط دخان السجائر والقطط الضالة والباعة الجائلين مئات الأسر عاجزة عن علاج أبنائها بسبب الإهمال مرضى ملقون داخل الطرقات، صراخ وعويل فى الممرات، عشرات الأسر تبكى على إهمال وعلاج أبنائهم وذويهم تكاد تنطق أكبر مستشفى فى مصر من شدة الألم، والعيادات أشبه بالأسواق ومواقف السيارات؛ بسبب الزحام والتكدس والانتظار لساعات طويلة وسط أدخنة السجائر، وانتشار القطط والباعة الجائلين. وحتى لا نكون ناكرين الجهد المبذول، يمكن القول إننا لمسنا نوعاً من النظافة فى الطرقات، ولكن جولتنا أكدت أن هذه النظافة داخل المبنى فقط حوائط وممرات، أما مكون وضمائر العاملين فما زالت قاتمة السواد، تعانى الرغبة فى الابتزاز والاستغلال. بجوار الباب الرئيسى للمستشفى يتكدس العشرات من النساء، أمام العيادات الخارجية، يقفن بالعشرات بأطفالهن فى طوابير تحت أشعة الشمس الحارقة ينتظرن كثيراً؛ بسبب الروتين؛ أملاً فى استكمال مراحل العلاج. دقت الساعة العاشرة صباحاً، كنا نفكر كيف ندخل ونتجاوز رجال الأمن، ولكن عملاً بالقاعدة «ادفع تعدى»، كان الأمر سهلاً للغاية، فأفراد الأمن لا يدققون كثيراً عند وصول المعلوم إلى أيديهم. شاهدنا طوابير المواطنين يحاولون الدخول، بعضهم مريض يريد الخضوع للكشف الطبى وتلقى العلاج، وبعضهم يسعى لزيارة الأقارب والأصدقاء الذين يتلقون العلاج داخل المستشفى، ومع العلم أن مواعيد الزيارة الرسمية تبدأ منذ الساعة ال2 ظهراً، لكنَّ الأفراد المسئولين عن أبواب الأقسام والعيادات يعملون بالمثل القائل «نفع واستنفع»، من خلال دخول المواطنين للزيارة فى أى وقت، مقابل الحصول على الأموال. دقائق وجاء دورنا فاوضنا أحد أفراد الأمن عن المبلغ المطلوب مقابل دخولنا، فقال «أنتم ثلاثة هاتوا 10 جنيه وهوفر عليكم ثمن التذكرة التالتة»، دفعنا المطلوب فسمح لنا بالدخول، دون أن يتأكد لمن سندخل ومتى سنخرج بل ولم يقم بتفتيشنا، ولا حتى سأل عن سبب زيارتنا المستشفى وإصرارنا على الدخول. تخطينا الحاجز الحديدى، ووصلنا الممرات الطويلة المؤدية إلى العيادات المختلفة، شاهدنا عدداً من المرضى جالسين فى طرقات، تشهد ألواناً مختلفة لتعذيب المرضى، أدخنة السجائر تتصاعد هنا وهناك، بكاء وعويل وصراخ سيدات يزرفن الدموع على أبنائهن، يشكين الله إهمالهن وعدم الرعاية الصحية اللازمة لذويهن الملقين على الأرض فى انتظار الأطباء لساعات طويلة، حتى يحن عليهم أحد لإجراء الكشف الطبى وتقديم العلاج، المرضى هنا يشعرون بأنهم تائهون، لا يعلمون توقيت الكشف على ذويهم، ولا مواعيد وصول الأطباء، أو حتى من هو الدكتور الذى سيتولى الكشف. لا يختلف الأمر كثيراً أمام حجرات العنابر الخاصة بالمرضى المحجوزين داخل المستشفى لانتظار المتابعات الطبية أو العمليات، يخرجون أمام العنابر الخاصة بهم هروباً من زحمة الغرف والروائح، يفترشون الأرض ويجلسون ليقضوا باقى ساعات اليوم مع ذويهم، دون مراقبة طبية لوضع الحالة. فى كل أدوار المستشفى بل كل الممرات ستجد باعة أكشاك صغيرة تجعل المنظر العام مشوهاً للغاية، دون معرفة سبب وجودها من الأساس، خاصة أن المستشفى يحوى أكثر من كافيتريا، ويلتف حولها المدخنون يتناولون القهوة والشاى، والشىء نفسه فى جميع الممرات المؤدية للعيادات والعنابر، وكأنه مكان لزيادة ألم المرضى وليس علاجهم. أثناء مرورنا رأت «الوفد» إحدى السيدات ملقاة على سرير، أمام العيادات وسط حالة من الزحام نتجت عن كثرة المرضى، وعدم تواجد الأطباء، وانعدام التنظيم بالمستشفى، تنظر حولها فى ترقب ولا تفهم شيئاً، هى فقط تنتظر من يحنو عليها ويأتى لمعرفة ما بها، ومريضاً آخر يفترش الأرض وسط الممر، وفى قدمه جهاز طبى والوضع برمته يجسد حالة من الفوضى والعبثية تزيد من آلام المرضى بشكل كبير بدلاً من التخفيف عنهم وعلاجهم. داخل عيادات الباطنة، غرف منعزلة كالمتاهة، لا تعرف طريقاً للوصول إليها إلا عن طريق دليل يأخذك من يدك ليقوم بتوصيلك مباشرة إلى مكان علاجك، أو تسأل كل نصف دقيقة حتى تصل، عندما تجد العيادة تريد الانصراف من المكان والعودة مرة أخرى إلى منزلك؛ بسبب التكدس وعدم وجود أطباء كافيين.. صخب وضجيج يحيط بك من جميع الاتجاهات، عشرات المرضى داخل غرفة صغيرة لا تتعدى الخمسة أمتار، ودكتور واحد فقط وسط كل هؤلاء لا تعرف كيف سيداوى كل هؤلاء فى الوقت المناسب. فجأه.. تصرخ إحدى المريضات.. العلاج هنا أكبر معاناة، إهمال وعدم اهتمام وروتين تجاوز حدوده فى الإجراءات.. تسكت برهة ثم تعود... الناس من قلة الفلوس والفقراء تأتى للمقبرة هنا برجليها... عينى على الغلابة، وتضيف لو كان معى ثمن العلاج عند دكتور خاص ما جئت هنا إلى هذه المقبرة. وتابعت: «منذ عدة شهور وأنا أتردد على قصر العينى لتلقى العلاج؛ بسبب كسر فى القدم، وحتى الآن لم يتم علاجى بالكامل؛ بسبب الإهمال». وتواصل قائلة، «الأطباء لا يلتزمون بالمواعيد المحددة لعلاج المرضى، ما يسبب العديد من المشكلات». وأضافت، نحتاج إلى نظرة رحمة قولوا لوزير الصحة.. قم بزيارة إلى هنا.. لكى يحصل الغلابة على أبسط حقوقهم فى العلاج بأسعار تتناسب مع ظروفنا السيئة التى يعانى منها معظم فئات الشعب المصرى. التقينا مريضاً يبلغ من العمر (40 عاماً) يحتاج لعملية غدة، قال بانكسار: «أقاربى نصحونى بالتوجه إلى مستشفى خاص لإنجاز العملية قبل تفاقم الأمر، والدخول فى مشكلات صحية عديدة بدلاً من اللجوء لقصر العينى، والانتظار لوقت كبير دون اهتمام، ولكننى لم أستجب، ويا ليتنى سمعت كلامهم». ويضيف: «دخلى لا يسمح بإجراء العملية فى مستشفى خاص علشان كدة لجأت لقصر العينى، فالعلاج هنا أرخص كثير وفى متناولنا نحن الفقراء». ويواصل: «قد نجلس شهوراً، ولكننا نعيش على وهم العلاج ولو شهوراً.. بصراحة المكان هنا يحتاج إلى ناس عندها ضمير تحس بالغلابة اللى مثلنا والأطباء هنا لا يشعرون بالناس». وقبل أن نتركه عاد الرجل ليؤكد أن الخدمة الطبية فى قصر العينى سيئة جداً، والمعاملة لا ترقى إلى المستوى المقبول، متسائلاً «إلى متى سيظل الحال هكذا الحال فى المستشفيات الحكومية»، مشيراً إلى أن بعض التخصصات غير متوفرة، مطالباً بضرورة وضع حلول جذرية لمشاكل المستشفيات، قائلاً: «المستشفيات الحكومية وإن كانت ضخمة من الخارج إلا أنها سيئة من الداخل، ويكفى أن الشخص يدخلها مريضاً ويغادرها أكثر مرضاً». فى عيادة النظر استوقفنا مريضة أصيبت فجأة بألم فى العين اليمنى وانخفاض الرؤية، أخبرتنا أنها تنتظر من شهور لمتابعة وإجراء التحاليل الطبية اللازمة للعلاج، مشيرة إلى أن أحد أطباء قصر العينى شخَّص الحالة على أنها مياه بيضاء، ونصح بضرورة إجراء عملية جراحية فى أسرع وقت ممكن، وأعطى لها خطاباً إلى المستشفى الخاص الذى يعمل به، لافتة إلى أن المستشفيات الحكومية تحتاج إلى إعادة هيكلة ورقابة صارمة على الرقابة على كيفية العمل بها حتى يتم القضاء على الإهمال الطبى الذى نراه كل دقيقة داخل هذا المستشفى الحكومى العام دون رقابة أو ضمير من المسئولين على العمل. تلك سيدة أخرى أصيبت بغيبوبة، ونقلت إلى المستشفى، وتم علاجها وبعد أن أفاقت من الغيبوبة وجدت تورماً فى ذراعها وزرقة فى اللون تؤلمها بشدة، فقرر الأطباء أن هذا العرض والألم طبيعى؛ بسبب الكانيولا وضيق الأوردة، وصرحوا لها بالخروج وبمجرد وصولها البيت ازداد الألم والورم واكتسى ذراعها باللون الأسود، وبعودتها إلى نفس المستشفى قرروا ضرورة دخولها العناية المركزة، ولكنهم لم يجدوا سريراً خالياً، فأسرع زوجها بنقلها إلى أحد المستشفيات الخاصة، تبين أن المريضة كان يتم حقنها بطريقة خاطئة أدت إلى هذا التورم، وتسببت فى إصابتها بغرغرينا أدخلتها فى دوامة. وهذا شاب يبلغ من العمر 35 عاماً يعالج بالكيماوى بعد استئصال ورم بالقولون، يقول إنه خضع لعملية جراحية وخلال العلاج شعر بألم شديد وتورم مكان العملية، وبعد عمل جميع التحاليل والأشعة اللازمة، قرر الطبيب حدوث ارتجاع للورم بنفس المكان. مصدر طبى بمستشفى قصر العينى، برر الإهمال الطبى بقصر العينى بأنه شىء طبيعى موجود فى كل المستشفيات الحكومية، وإن تفاوتت نسبة الأخطاء، مؤكداً أن العاملين بمستشفى قصر العينى يعملون فى حدود الإمكانيات التى تتوافر لديهم من قبل إدارة المستشفى، ولا ذنب للأطباء فيها، مشيراً إلى أن مستشفى قصر العينى يعانى تقصيراً شديداً فى المستلزمات الطبية والأدوية التى تقدم للمريض، مبيناً أن الإهمال ليس من الأطباء، وإنما نتيجة عدم توفر الإمكانيات اللازمة لعلاج وراحة المرضى. وطالب المصدر الذى رفض نشر اسمه، المسئولين بسرعة التدخل لحل أزمة هذه المستشفيات، بعد أن أصبحت سيئة السمعة، محذراً من نقص الأجهزة والأدوية التى عادة ما تكون سبباً رئيساً لموت المرضى.