منذ قدم الكوميديان الرائع اسماعيل ياسين فيلم (الستات ما يعرفوش يكدبوا) عام 1954 مع الفنانة شادية بالاشتراك مع شكري سرحان وزينات صدقي، والذي لاقى فيه المتاعب مع بطلة الفيلم وأكاذيبها وهو يحاول إنقاذها من تبعات تلك الأكاذيب في مفارقات كوميدية طريفة، وعنوان الفيلم يستخدم إلى الآن في مداعبات وطرائف عند الحديث عن بعض مجتمعات النميمة النسائية التي لاتخلو من الخبص والكذب وحكاوي قعيدات كنب غرف المسافرين، أو عبر بلكونات وشبابيك تقترب إلى حد التلاحم لفرط قربها في عاطفة أم حلاوتهم الكدابة.. وفكرة عنوان الفيلم كانت الدافع أيضاً لإنتاج برنامج يحمل ذات الاسم وباختيار ثلاث سيدات من أجيال مختلفة وإن كانت متقاربة الأعمار للجلوس على كنبة حريمي في قعدة ونسة بيتي حميمة لتبادل حكاوي الشارع المصري، بداية من الشخصي منها وحتى القضايا العامة ولكن والحق يُقال بعيداً عن الخبص والنميمة والخوض في رذائل وتفاهات الأمور.. أيضاً أحيي تنوع المواد المقدمة، وأن من يُقدم البرنامج سيدات لهن اهتمامات متنوعة، ويبقى عليهن التأكيد على مصداقية ما يقدمن حتى يصبح المسمى مطابقاً لفحوى مواد البرنامج وأهدافه، وأرى أهم ما ينبغي طرحه في تلك الفترة الدفاع عن حقوق المرأة، وحقوقها ليس من بينها بالطبع حقها في قهر الرجل في البيت، حتى لوكان ثمناً لقهره في الشارع لو تزيد في مطالبه، وكأنه ينتقم من تسيدها المنزلي، فلم يعد لها سوى السير خلفه تابعة له كظله على سبيل المثال، فضلاً عن تعمد إبعادها عن المشاركة في حصد غنائم ثورة، كان للنساء مشاركة بارزة وهائلة منذ إرهاصات حركات الغضب الرائعة مثل «كفاية» و «كلنا خالد سعيد» و«6 إبريل» وصولاً لعضوية كافة ائتلافات الشباب منذ اللحظات الأولى والعمل الثوري الفاعل، ونالوا نصيبهن الأكبر من الضرب والسحل والإهانات اللفظية وحتى كانت كارثة تعرية الجسد والركل ببيادات الغباوة اللا إنسانية!! لكن الأمر المؤسف كان في حالة إجماع من كافة الأحزاب لإقصاء المرأة بعيداً عن الترشح للمجالس النيابية، ووضع من قاومن كل محاولات التجاهل في ذيل قوائم مرشحيهم بدعوى عدم المغامرة التي يمكن أن تضيع على الحزب الظفر بكراسي مضمونة، وللأسف تشاركت الأحزاب الدينية مع التي تدعي أنها ليبرالية في تلك المهزلة (باستثناء تجربة حزب الوفد وترشيحه لوفدية ودعمها حتى الظفر بكرسي البرلمان)!!! وعليه كان مشهد الجلسة الأولى محزناً عندما لم نجد من النساء صاحبات الدور الوطني والاجتماعي البارز، أوالتي كن في ميادين التحرير، فقد كان تخلي الدعم المجتمعي العام ومؤسسات المجتمع المدني والنخبة النسائية أثناء حملاتهن الانتخابية وهن المستحقات له أمر مؤسف، فكانت الخسارة في الكم وفي نوعية من يمثلن المرأة تحت قبة البرلمان.. ويبقى التخوف قائماً من دعم النائبات الجديدات لمشاريع ذكورية لتشريعات قد تنتقص من حقوق المرأة كمواطنة مصرية ينبغي أن تنعم بكل حقوق المواطنة.. لكن الأمر الأغرب ظاهرة خروج بعض من كانوا يصيحون في فضاء مجتمع ماقبل الثورة بحقوق من تم تهميشهم بشكل عام والمرأة بشكل خاص، ليهاجموا المشاركة البطولية للمرأة المصرية إلى حد إهانة من تم سحلهن في ميادين التحرير، والأكثر غرابة أن تأتي تلك الهجمات على لسان من يدعين أنهن من النخبة النسائية إلى حد سخريتهن الرذيلة تعقيباً على حالة الفتاة التي تمت تعريتها (حكاية الست أم عباية بكباسين مثال على قبح التناول والكتابة في حضرة ثورة مجيدة).. تكتب مديحة عزت الكاتبة المخضرمة بمؤسسة روزاليوسف مؤيدة بحماس بالغ فكرة وضع جدارية تُعلق في مدخل المؤسسة وتقدم تاريخ روزاليوسف السيدة الفنانة والصحفية والمؤسسة العريقة، وتضيف أن روزا دخلت ميدان الصحافة وفى يديها خمسة جنيهات وأنشأت مجلة تحمل اسمها الفنى،واستطاعت أن تجعل من هذه المجلة أقوى المجلات نفوذا فى الشرق.. وأن ترسم بها مستقبل مصر.. وهى التى لقنت نفسها أصول الوطنية والمبادئ السياسية، وإلى اليوم لم يسقط رأى من آرائها ولم تخط مصر خطوة من تاريخها إلا وكانت روزاليوسف الداعية لها. واختارت مديحة عزت هذه الأبيات للشاعرأحمد شوقي، كتبها قبل ثورة يوليو بعشرين سنة، مدعية «وكأنه قد كتبها لثوارينايراليوم»، يقول: أري مصر يلهو بحد السلاح ويلعب بالنار ولدانها وراح بغير بحال العقول يجيل السياسة غلمانها وما القتل تحيا عليه البلاد ولا همة القول عمرانها وما الحكم أن تنتهي دولة وتقبل أخري أعوانها ولكن علي الجيش تقوي البلاد وبالعلم تشتد أركانها وتضيف، هذه الأبيات كتبها شوقي بك رحمه الله قبل وفاته في أكتوبر عام 1932أثناء المعارك التي كانت دائرة بين الأحزاب بعد إلغاء دستور 1923 ووضع دستور 1930 وإجراء انتخابات بعد الدستور الجديد والتي تخللها الكثير من وقائع الشغب والاغتيالات كتبها ليؤكد ويعمق آمال البلاد علي الجيش.. ويسخر من العيال الذين كانت الأحزاب طالما اتخذتهم ألعوبة لتحقيق شهواتهم في الحكم، هذه الأبيات تؤكد أنه «ما أشبه اليوم بالأمس».. وتضيف مديحة عزت على صفحات روزاليوسف (للأسف والتي مجدت دور صاحبتها لتحرر على صفحاتها بجرأة ما يهين الشخصية والمؤسسة).. يا أحزاب مصر المحروسة التي زاد عددكم حتي إننا من الممكن نطالب بتحديد عدد الأحزاب أسوة بتحديد النسل حتي لا تتحول مصر إلي بلد أحزاب!!.. وتضيف ساخرة : وعلى الماشى إلى الفتاة المسحولة.. يا فتاة الاعتصامات فى الشوارع والنوم على الأرصفة.. لقد خسرت كثيرا بكثرة نشر صورتك «المفضوحة» التى عرضتك لكثير من القيل والقال.. وكان ممكن جدا أن تأخذى حقك من الفاعلين مع حفظ شرفك ومنع نشر صورك بهذه الطريقة وهذا الانتشار وعلى رأى المثل القائل «ضربوا الشريفة منعت ودارت وضربوا المذنبة أعلنت ونشرت».. كان أشرف جدا يا فتاة الاعتصام والمشاجرات والتخريب منع نشر صورتك بهذه الطريقة وطالبت بحقك وأخذت حقك بالقانون حماية لك مما تعرضت له سمعتك من الأقاويل والحكاوى وشهادات الحق والباطل!!.. ولا تعليق لدي سوى أن أهديها تلك الأبيات للشاعر الوطني الثائر الكبير فاروق جويدة من قصيدته «عتاب من الشهداء»: هانتْ على الاهل الكرام دمانا / وتفرقتْ بين الرفاق خطانا / عدنا إلى الميدان نسأل حلمنا / والناس تسأل: ما الذى يبقى لنا بعد الشهادة موطنا ومكانا؟ / فى ساحة الميدان صليْنا معا/ قمنا حشودا نرجم الشيطانا / سحلوا النساء. وضاجعواالشيطانا عودوا إلى الميدان. قوموا فتشوا / عن عاشق فى حبه كم عانى/ هو لم يكن جيلا طريدا ضائعاً/ بل كان شمسا أيقظتْ أوطانا من قام يوما يرفض الطغيانا / لا. لن يكون منافقا وجبانا. أخيراً إلى أسرة إعداد برنامج «الستات ما يعرفوش يكدبوا» ما رأيكم دام فضلكم في الحالة التي عرضت؟! ---------- عضو جبهة الإبداع المصري