شهدت الأسواق المحلية موجة كبيرة من الغلاء خلال الفترة الأخيرة، تسببت في أزمات متعددة فاقت قدرة واحتمال المواطنين في كافة الطبقات. وباتت الشكوى جماعية من ارتفاع الأسعار الذي طال كل شىء، ولم يبق أمام الناس سوى البحث عن بدائل أقل سعراً تتفق مع إمكانياتهم المتضائلة. لكن كل الخطط والحيل باءت بالفشل الشديد والسبب ببساطة الأسعار تتضاعف مرات والدخل ثابت شكلاً لكنه في الحقيقة يتناقص بصورة كبيرة مما يزيد الفجوة اتساعاً بين الامكانيات والمتطلبات الضرورية للحياة. الحالة باتت سيئة في ظل غياب الحكومة التي باتت وكأنها في عالم آخر تحكم وتشرع لمواطنين لا تشعر بهم ولا تعيش معاناتهم وكأنها مسئولة عن بشر في كوكب آخر.. أما المواطنون الذين تُركوا يواجهون الأزمات المتوالية بصدور عارية فقد ساءت حالة الغالبية العظمى منهم ليتحولوا من مواطنين أغنياء إلى متوسطي الحال وإلى معدومين!! باختصار.. حال الغالبية العظمى بات يرثى لها وبات الفقراء والمعدومون يتقاسمون مع الحيوانات طعامهم.. نعم كان رب الأسرة المتوسطة يشتري كل أسبوع كيلو لحم ودجاجتين لأولاده والآن البعض يشتري كيلو لحم كل شهر ودجاجة واحدة كل 3 أسابيع بعد أن قفز بروتين الغلابة «الدواجن» 30٪ مؤخراً.. اما البعض الآخر فإنهم يتقاسمون الرجول والهياكل مع الحيوانات. اجتاحت الأسواق المحلية أزمات متعددة فى الفترة الأخيرة، بداية من ارتفاع أسعار اللحوم ليصل فى بعض المناطق ل120 جنيهًا للكيلو، ويلجأ الفقراء للدواجن البيضاء كبديل حتى ولو ضربتها الفيروسات، ولكن هذا البديل للأسف أصبح هو الآخر صعبًا بعد أن ارتفعت الأسعار بشكل كبير واضطر بعض أصحاب المزارع لإغلاقها بسبب الديون والخسائر الناجمة عن ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة، مرورًا بتسرب أدوية فاسدة لعلاج الدواجن فى الأسواق المحلية، ونهاية بديون تحاصر المربين الذين يواجهون شبح الإفلاس والتشرد، فى حين تكتفى الحكومة بموقف المشاهد لهذه الأزمات فى ضوء ما تتعرض له تلك الصناعة. حالة من الاستياء والضيق انتابت أصحاب محال الدواجن الصغيرة فى الأسواق المحلية، بعدما شهدت حركة البيع والشراء ركودًا ملحوظًا من قبل المواطنين، الذين اكتفوا بسد جوعهم بالوجبات السريعة غير المكلفة، فيما اكتفى البعض من المواطنين بشراء فرخة واحدة خلال الشهر حتى لا يتعرض لأزمات مالية. وأكد عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرف التجارية، فى تصريحات صحفية من قبل، أن أسعار الدواجن ستستمر فى الارتفاع، بسبب زيادة تكلفة الإنتاج، وعدم اتخاذ الحكومة إجراءات لحل الأزمة، بداية من زيادة أسعار الأمصال 300%، وعدم زراعة الذرة، والصويا محليًا، لتخفيض تكلفة الإنتاج. وأشار «السيد» إلى أن بورصة الدواجن العمومية سجلت ارتفاعًا فى الأسعار وبلغ سعر جملة كيلو الحى 27 جنيهًا، تسليم مزارع، وجملة كيلو المجمد 40 جنيهًا، بينما تبدأ أسعار الدواجن لدى تجار التجزئة من 31 جنيهًا للكيلو الحى، و44 جينهًا للكيلو المجمد، فيما وصل كرتونه البيض إلى 30 جنيهاً. وبحسب ما أشار إليه عدد من أصحاب المحلات، ل«الوفد» خلال جولتها الميدانية لعدد من الأسواق الشعبية، فإن أسعار كيلو الدواجن ارتفعت بنسبة لا تقل عن ال40% فى بعض المناطق الشعبية فى الجيزة، وما بين 20 و 30 % فى أحياء القاهرة، فضلاً عن عزوف المواطنين عن الشراء بعدما وصل كيلو الدواجن البيضاء ل 33 جنيهًا أما كيلو الدواجن البلدى ل40 جنيهًا. «الأسعار ارتفعت زى النار وماحدش عارف ياكل عيش».. بهذه الكلمات يستهل أشرف فرغلى، بائع فى محل دواجن، بسوق سعد زغلول، كلماته قائلاً: «كيلو الفراخ البيضاء ب33 جنيهًا وفيه أيام تصل ل 30 جنيهاً وفقاً لقانون العرض والطلب»، مرجحًا ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع أسعار الأعلاف. وتابع: «أصحاب المزارع تعرضوا لخسائر كبيرة، بعد ما قضت الفيروسات على الفراخ، وبعضهم باع بالخسارة، فى عدد كبير من المحافظات»، وأضاف: إن المستهلكين لا يراعون هذه المشكلات، ويعتقد أن الباعة فى المحلات الصغيرة هم من يرفعون الأسعار استغلالاً لهم فى ظل غياب الرقابة من وجهة نظرهم. الأمر نفسه أشار إليه رؤوف جرجس، بائع دواجن، موضحًا أن أسعار الدواجن غير مستقرة، وأن الحد الأدنى للكيلو 30 جنيهًا للدواجن البيضاء، و42 جنيهًا للبلدى، مشيرًا إلى أن ذلك تسبب له فى خلافات يومية مع المستهلكين الذين فوجئوا بهذه الأسعار، في ظل عدم ثباتها يومًا عن الآخر ما عكس صورة سلبية بالتلاعب فى الأسعار. وتابع: السبب في ارتفاع الأسعار يبدأ من عند التجار وأصحاب المزارع الذين تعرضوا لخسائر كبيرة بسبب أمراض الدواجن التي قضت على عدد كبير منها بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف والأدوية. وعن حجم مبيعات الأجنحة والقوانص، قالت أسماء معروف، صاحبة محل دواجن، إن حجم المبيعات قلت أيضًا بعدما وصل كيلو الأجنحة ل 25 جنيهًا، والقوانص ل38 جنيهًا، أما عن بيع «الأوراك» فقد وصل سعر الكيلو إلى 38 جنيهًا، ويرتفع في الأسواق الأخرى ليصل إلى 40 جنيهًا. وتابعت: «محلنا يعد الأكبر لبيع الدواجن واللحوم فى منطقة سعد زغلول، وكان يحضر إلينا الزبائن يشترون بال 400 جنيه لحوم دواجن، أما الآن فإنهم يشترون حسب استخدامهم اليومى فقط، أما عن الفقراء فقد كانوا يشترون الفرخة كل أسبوع أما الآن فإنهم يشترونها مرة كل 3 أسابيع، كما أنهم يشترون الفرخة الأقل وزنًا فى المحل بسبب السعر. وقال عيد جمال، صاحب محل لبيع الدواجن: «الطلب زاد خلال هذه الفترة بعد ارتفاع الأسعار على الرجول والهياكل، وده طبعا بيشتروه الناس المعدومة اللى حتى مش عارفين يشتروا كيلو الفرخة البيضة». وتابع: «الرجول والهياكل دى معروفة بأكل الغلابة، ولما حد بيجى بيشترى منهم حاجة زى كده بنحس بيه وهوه حاسس بحسرة شديدة، لما يكون حد جمبه واقف يشترى بال 2 كيلو لحوم ودواجن، عينه تبقى كلها دموع على حاله، إحنا بنشوف الحالات دى وبتصعب علينا». ومن التجار للمستهلكين، الذين أشاروا إلى حالاتهم المعدومة البائسة من كثرة شرائهم الرجول والهياكل من المحلات، وأكدوا أنهم يعانوا من أزمات نفسية شديدة نظراً لعجزهم عن شراء الدواجن بعدما باتت اللحوم أمرًا صعبًا وأشبه بالمستحيل، فضلاً عن إصابة أطفالهم بأمراض «الأنيميا» لافتقادهم للبروتين فى طعامهم، بعدما بلغ سعر كيلو الدواجن 33 جنيهاً، وهو ما يفوق إمكانيات الدخل اليومى لعائلى الأسر من أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة. «أنا عايش عيشة الكلاب».. بهذه الكلمات وصفت فايدة عبد الله، ربة منزل، حياة أسرتها المكونة من 5 أفراد، مشيرة إلى أن بعد وفاة زوجها منذ 10 أعوام باتت هى عائلة الأسرة، علماً أنها لا تملك سوى 600 جنيه معاش. وأضافت: «600 جنيه هتكفى إيه ولا إيه، 5 عيال فى مدارس.. أكل وشرب ولبس ودروس، طبعا لازم هنبقى عايشين على بواقى الأكل، وبشترى الرجول والأجنحة بس ده لو عرفت كمان»، مشيرة إلى أنه بعد ارتفاع أسعار اللحوم ل 120 جنيهاً، بات شراؤها حلماً لن يتحقق سوى مرة كل 4 أشهر. بعيون دامعة أقبلت سيدة خمسينية إلى محل بيع الدواجن، وقالت: «عاوزة ب 30 جنيه أجنحة»، ويسرع صاحب المحل لإحضار الطلب، فإذ أخرى تطلب منه 2 كيلو دواجن، لتصاب العجوز بحالة من الضيق الشديد وتنجرف عيناها بالدموع حسرة على عجزها المادى. «المرتب هيكفى إيه ولا إيه».. تبدأ فاطمة عبد الله، ربة منزل حديثها، قائلة إن زوجها موظف فى إحدى المصالح الحكومية، وراتبه لا يكفى حاجة الأسرة، ما يجعلهم يلجئون لشراء الهياكل والأرجل، فضلاً عن لجوئها لسوق «الترولى» بالمطرية لشراء مسلتزماتهم المنزلية بأسعار رخيصة. وتابعت: «إحنا كنا بناكل فرختين وكيلو لحمة كل أسبوع، وبعد ما الأسعار ارتفعت بنأكل كيلو لحمة كل شهر، وفرخة كل أسبوعين»، وأشارت إلى أن حالها مثل العشرات من السيدات ربات المنازل تحاول جاهدة اقتصاد المصروف المنزلى حتى يغطى احتياجات الأبناء من مأكل وملبس وغيرها من لوازم الحياة. من جانبه قال أحمد جمال الدين، موظف، إنه كان يشترى 3 دواجن كل أسبوع، عندما كان الكيلو بسعر 25 جنيهاً، ولكن حينما وصل سعر كيلو الدواجن 33 جنيهًا بات معدل شرائه فرخة واحدة كل أسبوع، وكيلو لحمة، مؤكدًا أن راتبه لا يكفى احتياجات منزله بشكل كاف، ويلجأ لمبدأ السلف لحين قبض راتبه لقضاء حوائجه. وتابع: «الأسعار ارتفعت بشكل كبير والحكومة عارفة ده ومش عارفين يحلوا مشاكلنا، ولا عارفين يراقبوا الأسواق، والتجار كل يوم بسعر، ومش عارفين نتفاهم معاهم، والمبدأ العام اللى معهوش مايلزموش».