تترقب المترجمة د. دينا مندور، رئيس تحرير سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب، صدور ترجمتها الجديدة "مملكة الموضة" للفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل ليبوفتسكي، عن المركز القومي للترجمة، ومن المنتظر أن يطرح خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب. الكتاب، وهو الثاني الذي تترجمه دينا مندور للفيلسوف نفسه، ويحمل عنوانه الأصلي "مملكة الزائل، الموضة ومصيرها في المجتمعات الحديثة" إلا أن المترجمة آثرت بحسب المقدمة تفضيل لفظ الموضة في العنوان الرئيسي؛ لكونه هو الموضوع الأساسي، مع الاحتفاظ بصفة الزوال الغرائبية التي تعد مصدر الدهشة في محتويات الكتاب في السطر اللاحق. وما يقصده " ليبوفتسكي" بالزوال هو الخسوف الذي يلحق بظهور موضة ما، ويعقبه شروق جديد لموضة أخرى، إذن، فهو زوال يتجدد. وتتساءل د. دينا مندور: ما الذي يدفع فيلسوفًا ذائع الصيت وعالم اجتماع مرموقًا مثل، جيل ليبوفتسكي إلى الحديث والاهتمام بأمر مثل الموضة، يبدو للكثيرين كموضوع "ثانوي" أو عنصر رفاهية بحت تتمتع به الإنسانية؟ وترى مندور أن " ليبوفتسكي" اشتهر بالحديث عن سلوكيات الإنسان، في مجتمع ما بعد الحداثة،أسماه مجتمع "الحداثة المفرطة" عبر الاهتمام بموضوعات تجلت في كتبه السابقة مثل "زمن العدم" (1983)، "مجتمعات الإخفاق" (2006)، "السعادة المفارقة" (2006)، و"تجميل العالم" (2013) وصولًا لآخر كتبه "عن الخفة" (2015). وترى مندور أن الفيلسوف لم يتوقف عند البعد التاريخي والاجتماعي في دراسته، وإنما انتقل إلى مناطق أكثر إثارة في تاريخ الموضة، مثل نشوء الماركات العالمية وكيف استطاعت أن تجذب في ركابها رغم الأثمان الباهظة لأزيائها عددًا متزايدًا من الزبائن والمهتمين بها. ومن ثم مواجهة تلك الماركات لصناعة الملابس الجاهزة التي انتشرت في جميع أركان العالم بشكل سريع، وكانت تحاكي تصميمات الأزياء الراقية والماركات العالمية مع الاستغناء عن بعض التفاصيل، فيوضح الكاتب كيف تطور هذا الصراع وكيف تم حسمه. ومن الاقتصاد إلى التقليعات الشبابية الحديثة لا يتوقف الكتاب عند نمو الموضة وتطورها في مجال المظهر فقط ، بل ينتقل إلى الحديث عن موضة الأجهزة والأدوات التي تستخدمها العائلات في البيوت والحياة اليومية، لنجد أنفسنا نعبُر معه فوق جسر منطقي يربط بين ذوق الإنسان المعاصر في الزي وفي كل تفاصيل حياته اليومية ؛ ونكتشف مبررات وجيهة تحكم الاختيارات في جميع المجالات. وتشير دينا مندور التي تعتبر ترجمة كتاب "مملكة الموضة" خطوتها الثانية في نقل فكر هذا الكاتب إلى العربية، بعد ترجمتها لكتابه "المرأة الثالثة"، إلى أن أسلوب الكاتب يتميز بالصعوبة، كعادة الفلاسفة، في تركيب العبارة واختيار المصطلحات، لينطبق عليه ما يقوله معظم النقاد: "يستخدم أسلوبًا دقيقًا ومركبًا في الحديث عن أشياء بسيطة" إلا أنها وإن بدت بسيطة في ظاهرها فهي معقدة في عمقها، كما أن رحلة التفكير الفلسفي هي ما تستوجب هذه الصعوبة الأسلوبية، وتتابع: لذا، لم تكن ترجمة الكتاب بالأمر الهين، خصوصًا وأنه ينتقل بين مستويين في الكتابة: مستوى التنظير، ومستوى السرد التفصيلي لأسماء وتواريخ وغير ذلك، فكان من الضروري المحافظة على المستويين في لغة الترجمة أى اللغة العربية.