حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشارع يرفع شعار «نعم للمقاطعة».. والتجار خائفون
قبل 24 ساعة من دخولها حيز التنفيذ

قبل 24 ساعة من دخول المقاطعة حيز التنفيذ، كشفت جولة «الوفد» أن الشارع المصرى يرفع شعار «نعم للمقاطعة» فيما أبدى كثير من التجار خوفهم من تأثير المقاطعة على مبيعاتهم.
«تجار جشعين، مش عاوزين غير كده والمقاطعة هى أحسن حل ليهم».. بهذه الكلمات استهل جابر شريف، موظف، حديثه، مشيرًا إلى أنه يقيم فى منطقة عين شمس ومؤكدًا أن التجار يرفعون الأسعار بدون مبرر حتى وصل سعر كيلو اللحمة إلى 100 جنيه.
وتابع: «طيب يمكن أنا موظف وبقدر أجيب لعيالى كيلو كل أسبوعين، طيب والغلبان يعمل إيه فى البلد دى، علشان كده حملات المقاطعة دى أسلم حل علشان التجار يتوقفوا عن ممارسة بلطجتهم على المواطنين».
يشير الموظف بيديه لإحدى المحال الخاصة بالحلويات ويقول: «لما أنا أحب أدخل محل حلويات علشان أشترى لولادى علبة جاتوه، واللى سعرها قفز بنسبة 30٪ مش ده حرام؟!
«كده كده مش بناكل يبقى نقاطعه أحسن».. بحالة من السخرية الشديد يعرب دسوقى ظريف، عامل نظافة، عن غضبه الشديد بشأن حال الأسواق، وقال: «لما أنا أدى مراتى 50 جنيه علشان تعمل أكل البيت، وتنزل السوق وما يكفيناش أنا ومراتى وبنتى الوحيدة إلا يومين يبقى نعيش إزاى».
وتابع: «الأسعار ارتفعت والحكومة كل شوية تقولنا احنا بنحارب التجار طيب إزاى»، مؤكدًا تدعيمه وتأييده التام لحملة المقاطعة، مبررًا أنها السبيل الوحيد للحد من جشع التجار، والذين يفرضون أسعارهم المرتفعة عليهم».
فى السياق ذاته أكد رامى زهران، موظف، مشاركته فى حملة المقاطعة وقال: «منذ 3 أسابيع مش بشترى اللحمة واللى وصل ثمن الكيلو ل100»، يشير الرجل الأربعينى إلى أنه من سكان منطقة أرض اللواء فى المهندسين، والتجار يستغلون غياب الرقابة التموينية على الأسواق فى رفع الأسعار على المواطنين.
وتابع: «لما تكلم تاجر يقول لك علشان الدولار، طيب لو كان الدولار السبب ليه زادت أسعار الخضراوات اللى ملهاش أى علاقة بالدولار زى الجرجير والجزر وغيرهما.
ومن أمام أحد المحال فى شارع الأزهر بمنطقة العتبة، قال أحمد فضل، أحد المستهلكين، إن المواطنين باتوا يعانوا من ضجيج الحياة، سواء من نقص أزمة السكر فى الأسواق، أو غيرها من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وحينما خرجت دعوات المقاطعة لمواجهة جنون الأسعار دعمتها بقوة ورفضت التعامل مع عدد كبير من المحال، واكتفيت بشراء اللوازم الأساسية للمنزل فقط وفى يوم الأول من ديسمبر سأقطع كل شىء التزاما بالمقاطعة.
وتابع: «مش أسعار السلع فى محال البقالة بس اللى ارتفعت، ولكن أسعار الملابس شهدت ارتفاعًا كبيرًا وده اللى خلانى عاجز إنى اشترى الملابس الشتوى لولادى ال3،.. طيب أجيب منين وأنا مرتبى يا دوب بيكفى الأكل والشرب والإيجار»، مؤكدًا أنه يدعم حملة المقاطعة التامة على محال الجزارة أو الملابس، وليس ليوم فقط وإنما لفترات أطول عسى أن يتوقف الجشعون عن جشعهم.
واستطرد: «الناس فرحت لما عرفوا أن فيه تخفيضات فى المولات، فى يوم الجمعة البيضاء، ولكن لما راحوا وأنا كنت من ضمنهم لقيت أن التخفيضات دى مجرد أوهام على الفاضى والأسعار ما زالت مرتفعة، أما التجار فكانوا يتلاعبون، فإذا كانت السلعة ب200، يكتبون عليها 300 وخصم 100 جنيه، لخداع الناس.
الأمر نفسه أكدته فاطمة السعدني، ربة منزل، وقالت: «الناس لازم تعمل مقاطعة للمحلات ومنذ فترة بطلت أشترى كتير من السلع، ماعدا الأشياء الأساسية علشان الولاد يقدروا يعيشوا طبعاً، ولما عرفنا أن فيه تخفيضات فى المولات، طبعاً كل الناس فرحوا أوي، وروحنا علشان نكشف كذب ادعائهم فكل الأسعار كانت مرتفعة والضحية كان اللى مش بيروح المولات دى ولا عارف أسعار السلع الأساسية، أما احنا كنا بنروح وعارفين أن الأسعار هيه مازلت مرتفعة ومافيش تغير».
وفى سياق ما سبق انتاب أصحاب المحال حالة من الغضب الشديد، بعدما أعلن عدد كبير من المواطنين المقاطعة لهم، وأشاروا إلى أن عدداً كبيراً منهم تكبدوا خسائر تصل لآلاف الجنيهات.
ففى العتبة، وبالتحديد فى شارع الأزهر، قال أحد أصحاب محال البقالة: «والله خسرنا كتير من ساعة ما خرجت دعوات المقاطعة، والناس بطلوا يشتروا إلا الحاجات الأساسية فقط اللى بتكفى يوم بيوم».
يشير عم «سالم» صاحب الخمسين عاماً، "أنا ليا سنين بقف فى السوق، وأول مرة أشوف الشارع فى حالة غليان كده علشان ارتفاع الأسعار، بس ده لا سببه غضب المواطنين، ولا استغلال التجار، ولكن ده سببه الحالة العامة للأسواق، فبعد ارتفاع سعر الدولار، شهدت جميع السلع ارتفاعا ملحوظًا فى الأسعار.
وتابع: «التجار فى حالة رعب طبعاً من استمرار المواطنين فى مقاطعتهم للمحال، وده يعود علينا بخسائر علشان توقف حركة البيع والشراء».
حالة من الغضب الشديد انتاب شاكر محفوظ، تاجر ملابس فى منطقة العتبة، مشيراً إلى أن منذ خروج دعوات المقاطعة، والمحال شهدت خسائر فادحة.
«التجار مالهومش دعوة برفع الأسعار ما احنا ضحايا أيضاً».. يشير ياسر على، بائع الأقمشة، إلى أن كبار التجار هم المسئولون عن حالة الغليان فى الأسواق، فهم يفرضون أسعاراً مرتفعة على صغار التجار، الأمر الذى يدفعهم لرفع الأسعار.
وتابع: «حاولنا برفع الأسعار إننا نعوض خسائرنا أمام كبار التجار لكن تعرضنا للخسائر علشان ضعف حركة البيع والشراء، وكمان علشان الدعوات اللى خرجت بالمقاطعة للسلع فى الأسواق».
الأمر نفسة أكده جمال صبري، بائع جملة، وقال: «دعوات المقاطعة دى جاءت علينا بالخسائر، ومش هنقدر نقلل الأسعار لأننا كده هنخسر أمام تجار الجملة، مفيش قدامنا غير الصبر واللى بييجى على المحلات دلوقتى مش علشان يشترى لا ده علشان يتفرج على الأسعار وبس».
وقال طاهر أحمد، بائع ملابس: «بعد دعوات المقاطعة حركة البيع والشراء قلت للنص، والناس معترضة على رفع الأسعار، طيب أنا وفيه عدد من التجار لجأنا لحيلة التخفيضات علشان نبيع، وبشكل وهمى علقنا على السلع أسعار بعد التخفيض وهي سعرها الحقيقي، يعنى السلعة تكون ب 200 مثلاً نقول إنها 300 وعليه تخفيض 100 جنيه».
الأمر نفسه أكده زناتى خلف، بائع ملابس، مشيرًا إلى أن برغم ما لجأ إليه التجار من هذه الحيلة إلا أنها فشلت أيضًا بعدما عرف المواطنون حقيقة هذه التخفيضات، وقال: «ماحدش اشترى غير اللى مش عارف السوق ومش بيشترى، لكن اللى كل يوم فى الشارع ومتابع أسعار المحلات، هيعرف بالتأكيد أن هذه الأسعار وهمية».
موعدنا غداً المقاطعة.. إرادة شعب
فى معركة الأسعار بين التجار والمستهلكين يحاول كل طرف استخدام كافة الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، التجار لجأوا لإخفاء السلع والاحتكار ورفع الأسعار، وفى المقابل لا يجد المواطن أمامه سوى سلاح أثبت جدارة فى العالم كله، وهو المقاطعة.
المشكلة الحقيقية تكمن فى عدم اقتناع المستهلك المصرى بأنه يمتلك سلاحاً مؤثراً لو استخدمه فى هذه المعركة لاختلفت النتائج، ولما رضخ المصريون لجشع التجار، ألا وهو سلاح المقاطعة الذى أفاد فى كثير من معارك السلع حول العالم، حتى فى مصر نفسها فقد استخدم هذا السلاح حينما وصلت أسعار اللحوم إلى جنيه كامل، وانخفضت بعده الأسعار وتدخلت الدولة لصالح المستهلكين، إلا أنه بمرور الزمن صدأ هذا السلاح بسبب عدم الاستخدام، ثم جاءت دعوات المقاطعة فى الأول من ديسمبر لتعيد إليه البريق من جديد.
تجارب عديدة حول العالم أكدت أن سلاح المقاطعة هو السلاح الأقوى دائماً، فهو الوسيلة الوحيدة التى يملكها المستهلك فى مواجهة جشع التجار، وإذا استخدم بطريقة صحيحة وعلى مدى طويل ونطاق واسع فسيأتى بنتائج مؤكدة، وإذا كان التجار فى مصر يملكون حججاً قد تكون مقنعة للبعض مثل عدم وجود إنتاج كافٍ فى مصر من السلع المختلفة، وارتفاع أسعار الدولار لأكثر من 110% بعد تعويمه، إلا أن عدم وجود هامش محدد للربح، وجشع التجار ورغبتهم فى تحقيق أرباح خيالية جعلهم يلجأون للمغالاة فى أسعار معظم السلع، وهو ما جعل دعوات المقاطعة ضرورة لابد من اللجوء إليها حتى تستقر الأسواق.
ولأن التجارب السابقة تحمل دائماً العبرة فدعونا نلقى الضوء على بعضها لعلنا ندرك قيمة هذا السلاح فى مواجهة ارتفاع الأسعار، خاصة أن هناك تاريخاً طويلاً من المواجهات بين الناس والتجار فى كل مكان فى العالم.
وتعرف الويكيبيديا المقاطعة بأنها سلاح سياسى يستخدم للضغط على شخص أو جهة أو دولة لتنفيذ غرض معين، أو كشكل من أشكال الاعتراض والاستنكار، ويشترط لنجاح المقاطعة إيمان المستهلكين بها وتنفيذها لفترة طويلة وعلى نطاق واسع حتى تتأثر أرباح التجار أو الشركات أو الدول، وبالتالى يستجيبون لمطالب المستهلكين.
و تعد حملة المقاطعة التى تبناها الفلسطينيون عام 1922 ضد البضائع اليهودية واحدة من أشهر حملات المقاطعة فى التاريخ والتى حدثت نتيجة امتناع اليهود وقتها عن شراء السلع العربية، فجاء الرد قوياً وبنفس الطريقة.
ثم جاءت الحملة الأشهر فى التاريخ والتى قادها الزعيم الهندى غاندى فى القرن الماضى ضد بضائع المستعمر الإنجليزى لبلاده، مطالباً أبناء الهند بصنع كل شىء بأنفسهم مستخدماً جملته الشهيرة «كلوا مما تنتجون والبسوا مما تصنعون وقاطعوا بضائع العدو».
أما أشهر وأنجح نماذج المقاطعة الشعبية فى العالم فهو النموذج اليابانى، فبعدما خرجت اليابان منهزمة من الحرب العالمية الثانية واقتصادها منهار ومدمر تماماً إلا أن الدولة والشعب تكاتفا معا رافضين استخدام البضائع الأمريكية واعتمدوا على السلع والمنتجات اليابانية سواء زراعية أم صناعية، وراحت اليابان تتقدم وتتقن كل شىء حتى انفتحت على العالم كواحدة من أكبر القوى الاقتصادية حتى إن بضائعها غزت الولايات المتحدة نفسها والتى فشلت فى مقاطعة السلع اليابانية بعد ذلك.
ورغم قرارات المقاطعة العربية المتعددة للسلع الإسرائيلية، التى بدأت عام 1945، إلا أنها لم تؤت ثمارها نتيجة لعدم تعاون الحكومات والشعوب معا، حتى جاءت الحملة الشعبية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية والتى بدأت فى التسعينات اعتراضاً على ما يحدث فى فلسطين والعراق، ورغم عدم مشاركة الحكومات فى هذه الحملة، إلا أن حملة المقاطعة الشعبية كان لها مردود على الشركات نفسها، حيث قام بعض الجهات بإصدار قائمة بأسماء الشركات التى يجب مقاطعتها، فراحت هذه الشركات تؤكد أنها وطنية ومقامة برأسمال وطنى، وأنها لا تحمل سوى الاسم التجارى للشركة الأجنبية، وهذا بسبب الخسائر التى منيت بها فى الأسواق المحلية، فعلى سبيل المثال كانت هذه الحملة سبباً فى خسائر كبيرة لإحدى شركات إنتاج مسحوق غسيل شهير فى مصر قدرت ب262 مليون جنيه خلال هذه الفترة، بل قامت الشركة بشراء حق إنتاج مسحوق غسيل محلى لتعويض خسائرها، كما أن خسائر إحدى شركات الوجبات السريعة فى البلاد العربية والإسلامية قدرت ب810 ملايين دولار، وأغلقت الشركة 719 مطعماً من فروعها، كما انخفضت أسعار أسهمها فى الأسواق العالمية إلى مستوى لم تصل إليه من قبل، كما انخفضت علامتها التجارية بحوالى 13% من قيمتها.
كذلك فقد كان للحملة الشعبية لمقاطعة البضائع الدانماركية فى الدول الإسلامية بعد نشر بعض الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، مردود كبير نتيجة للخسائر التى منيت بها الشركات الدنماركية، وهو ما أدى لاعتذار الحكومة الدنماركية.
سلاح سياسى
والمقاطعة ليست حكراً على الشعوب ولكنه إجراء تلجأ إليه الدول أيضا وغالباً ما يكون أكثر تأثيراً، ففى حرب 1973 لجأت الدول العربية لاستخدام سلاح قطع إمدادات البترول عن أمريكا والدول الأوربية المساندة لإسرائيل، وهو السلاح الذى كان له أكبر الأثر فى هذه المعركة، وبعد ذلك أصبحت المقاطعة سلاحاً تشهره الولايات المتحدة فى وجه كل الدول التى لا ترضى عنها وهو ما حدث مع العراق وإيران وكوبا وغيرها.
حملات مصرية
جدير بالذكر أن مصر أيضاً شهدت عدة حملات مقاطعة شهيرة عبر تاريخها منها حملة مقاطعة اللحوم فى السبعينات، والتى حدثت بسبب ارتفاع سعر الكيلو من 80 قرشاً إلى 100 قرش، بالإضافة لرفع أسعار بعض السلع مثل الشاى والسكر والخبز بنسب تتراوح بين 25% إلى 50% ليخرج المصريون فى مظاهرات حاشدة مرددين «سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه» ووقتها كان سيد مرعى رئيساً للبرلمان، الذى أقر زيادة أسعار السلع وإلغاء الدعم عنها، وتحول الأمر إلى مواجهات عنيفة عرفت بانتفاضة يناير 1977، حتى لجأت الحكومة إلى العدول عن قراراتها وانخفضت الأسعار، ثم تكرر الأمر بعد ذلك فى التسعينات بحملة مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وفى عام 2014 أثر تطاول أردوغان على مصر فى اجتماع الأمم المتحدة ظهرت حملة شعبية لمقاطعة البضائع التركية دشنها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى، ولكنها كانت محدودة الأثر، كذلك ظهرت حملة بلاها لحمة فى العام الماضى، والتى دشنها بعض النشطاء أيضا بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والمبالغة فيها ولكن أثرها لم يمتد بعيداً أيضاً، رغم أن حملة مشابهة قامت بها نساء فرنسا فى ستينات القرن الماضى لمقاطعة اللحوم مما أدى لانخفاض أسعارها.
واليوم جاءت الدعوات لحملة الأول من ديسمبر لمقاطعة شراء السلع بشكل عام، بسبب الارتفاع الجنونى فى أسعار كل شىء، فهل تنجح هذه الدعوات فى مصر كما تنجح فى العالم كله؟
الدكتورة سعاد الديب رئيس الاتحاد العربى لجمعيات حماية المستهلك تؤكد أن حملات المقاطعة لها تأثير كبير على خفض الأسعار خاصة إذا كانت هناك إرادة جماعية لذلك، وأكدت أن المقاطعة جاءت بنتائج إيجابية فى كل الدول التى استخدمت فيها، وهو ما حدث فى بريطانيا حينما ارتفعت أسعار الأسماك بشكل كبير فامتنع المواطنون عن شرائه فانعكس ذلك على الأسعار، خاصة أن الأسماك من السلع سريعة التلف، فانخفضت الأسعار بسرعة، كذلك حينما زادت أسعار البيض فى شيلى قام المواطنون بالمقاطعة، فانخفضت الأسعار ثانية، وفى الأردن ارتفعت أسعار الليمون فامتنع المواطنون عن الشراء بل إن الحكومة شجعتهم على زراعة أشجار الليمون أمام منازلهم فأصبح لديهم فائض فى الإنتاج.
ولكن لماذا لا تنجح حملات المقاطعة فى مصر دائماً كما تنجح فى العالم؟ أرجعت الدكتورة سعاد الديب ذلك لغياب ثقافة المقاطعة لدى الشعب المصرى، وعدم المثابرة والصبر على عدم الاستهلاك، وأضافت أن هذه الثقافة يجب أن تتغير حتى تجدى حملات المقاطعة وتنضبط الأسعار.
من الناحية الاقتصادية أكد الدكتور فخرى الفقى مساعد المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى سابقاً أن دعوات المقاطعة يجب أن تنبع من منظور وطنى خالص ولا تضر بالاقتصاد القومى، لذلك يجب أن تكون خاصة بمقاطعة السلع المستوردة، ولا ينسحب ذلك على السلع المحلية، مشيراً إلى أن دعوات المقاطعة سيكون تأثيرها محدوداً ولكن يمكن اعتبارها أول الغيث، وأضاف أن القوة الشرائية فى مصر كبيرة، حيث يبلغ إجمالى الناتج القومى 3. 2 تريليون جنيها، تشكل السلع منه حوالى 40% أى حوالى 1. 28 تريليون جنيها، يستهلك القطاع العائلى منها ما يقرب من 70% أى حوالى 896 مليار جنيه كسلع استهلاكية، وهذا الرقم صغير إذا ما قورن بعدد السكان ومساحة مصر، ولكنه يعتبر قوة شرائية كبيرة والأهم توجيه هذه المقاطعة إلى السلع المستوردة التى تمثل عبئاً على موازنة الدولة، أما مقاطعة الإنتاج الوطنى فهذا يعد أمراً خطيراً على الاقتصاد المصرى، حيث إن الامتناع عن الشراء يؤدى إلى توقف المصانع وبالتالى زيادة نسبة البطالة، فهذا عقاب لأنفسنا ولاقتصادنا، وأرجع الدكتور الفقى السبب الرئيس فى ارتفاع الأسعار إلى نقص الإنتاج، وبالتالى فإذا زاد الإنتاج ستنخفض الأسعار حيث سيكون المعروض أكثر من المطلوب وبالتالى ستنخفض الأسعار، ومن ثم فلابد من زيادة الإنتاج، مع مقاطعة السلع الاستهلاكية المستوردة والاعتماد على المنتجات المحلية البديلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.